أكثر من 70 شخصاً ضحايا المسيرات التركية في سوريا خلال النصف الأول من العام

المقدمة

بعد الاجتياح التركي لـ سري كانيه/ رأس العين، وتل أبيض عام 2019، وفرض السيطرة عليها وتهجير أكثر من 300 ألف شخص قسراً, أعلنت بعدها كل من واشنطن وأنقرة في 17 تشرين الأول/أكتوبر من العام ذاته اتفاق وقف إطلاق النار, تلاها اتفاق روسي تركي في 22 تشرين الأول/ أكتوبر، انسحبت بموجبه قوات سوريا الديمقراطية من المنطقة الحدودية, لتبدأ بعدها تركيا بإدارة حرب الطائرات المسيرة من أراضيها على الشمال السوري واستهدفت عام 2020 بأول مسيرة لها قوات حكومة دمشق في إدلب, ومن ثم المدنيين في شمال شرقي البلاد، وكانت أولاها في مدينة القامشلي وراح ضحيتها شخصان.

بدأت حرب تركيا بالمسيرات عام 2020، لكنها بلغت ذروتها عام 2022, بعد أن لاقت رغبة تركيا باجتياح جديد للشمال السوري واحتلال المزيد من الأراضي الرفض من المجتمع الدولي, وبلغ عدد ضربات المسيرات فيها 90ضربة استهدفت فيها السكان وأعياناً مدنية وبنى تحتية.

بالرغم من أن العدد الإجمالي للضحايا المدنيين لم يكن مرتفعاً مقارنةً بأعداد العسكريين من قوات حكومة دمشق وسوريا الديمقراطية الذي قضوا بهذه الضربات, إلا أنها تسببت، باستهداف مباشر، بمقتل وإصابة مدنيين بينهم نساء وأطفال, وتسببت بأذى نفسي وجسدي واقتصادي لهم ولأسرهم.

إن الانتهاكات التركية الخطيرة والمنهجية لحقوق الإنسان في سوريا وعدم التقييد وتنفيذ التزاماتها الواقعة عليها خارج حدودها الإقليمية, وتهديدها للأمن والاستقرار في الشمال السوري وقيامها بعمليات مميتة وقاتلة وانتهاكها حق المدنيين في الحياة, كل ذلك، انتهاك للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني, ويجب أن تخضع للمسائلة والتحقيق فيما تسببه من خسائر بشرية واقتصادية.

حصيلة ضحايا المسيرات

في النصف الأول من عام 2023, قصفت تركيا الشمال السوري بـ34 ضربة بالطائرات المسيرة, راح ضحيتها 73 شخصاً قضى منهم 44 شخصاً وأصيب 29 آخرون, وبلغت نسبة الضحايا المدنيين 27% من الحصيلة الإجمالية.

إذ سجل سقوط 20 شخصاً كضحايا لتلك المسيرات، قضى منهم 12 بينهم 6 سيدات وطفل، وأصيب 8 منهم 1 سيدة و 3 أطفال. وفي صفوف القوات العسكرية، في صفوف القوات الروسية قتل 1 وأصيب 3, ومن قوات سوريا الديمقراطية سقط 28 عنصراً، قضى منهم 20 وأصيب 8, أما القوات الحكومية 17 عنصراً قضى منهم 10 وأصيب 7.

وتوزعت حصيلة القصف على المدن وأريافها كالتالية, 4 ضربات على الحسكة 2 في الرقة 7 في القامشلي, 13 ضربة على ريف حلب الشمالي الواقع تحت سيطرة الحكومة وأخرى تديرها إدارات محلية تابعة للإدارة الذاتية, وكل من كوباني ومنبج قصفت 4 مواقع فيهما.

وبالنسبة لتوزع الضربات على الأشهر الستة الأولى من العام, ففي كانون الثاني/ يناير، استهدفت تركيا الشمال السوري بـ 9 ضربات بالطائرات المسيرة, وفي شباط/فبراير 3 ضربات, وفي نيسان/أبريل 2 ضربة، وخلال أيار/مايو 5 ضربات, وأعلى حصيلة خلال النصف الأول من العام في شهر حزيران/يونيو 15 ضربة.

ضحايا مدنيون

بتاريخ 3 كانون الثاني/يناير قضت أول سيدة من ضحايا قصف المسيرات التركية خلال العام, إذ توفت السيدة متأثرة بإصابتها نتيجة القصف على مدجنة بريف القامشلي في 24 كانون الأول/ديسمبر, تلت هذه الحادثة إصابة طفلين ورجل إثر استهداف لعين عيسى وآخر للطريق العام بالقرب من قرية معشوق بريف القامشلي, وتلى هذه الحوادث 9 أخرى استهدف فيها مدنيون, وبالاستناد على قواعد بيانات القسم وتحليل أرقام الضحايا المدنيين, فإنه في كل عشرين يوم خلال النصف الأول من العام، تخلف المسيرات التركية على الأقل 4 ضحايا مدنيين.

وفي آخر ضربة للمسيرات خلال النصف الأول من العام، استهدفت تركيا, أعضاء مجلس مقاطعة القامشلي التابعة للإدارة الذاتية وراح ضحيته ثلاثة أشخاص بينهم سيدتان وأصيب آخر.

يقول نضال إبراهيم زوج يسرى درويش الرئاسة المشتركة لمجلس مقاطعة القامشلي والتي قضت في أخر قصف, “زوجتي مدنية تعمل ضمن المؤسسات الاجتماعية التي تخدم الأهالي, هي لا تحمل السلاح ولا تحارب, لماذا يتم استهداف المدنيين بهذه الطريقة الوحشية؟”

على عكس ما تروج له تركيا بأنها تحارب “الإرهاب” في شمالي سوريا، وفي ظل التغافل الدولي والسماح بإفلاتها من العقاب, فإنها خلفت العشرات من الضحايا المدنيين منهم من قضوا وآخرون فقدوا أجزاء منهم وأصيبوا بتشوهات، في حين لا يزال عدد الضحايا بتزايد مستمر, والجدير بالذكر أن قضية القصف التركي العشوائي للشمال السوري مسألة من مسائل القانون الدولي, وبموجب القانون وكدولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية, فأن قيامها بعمليات مميتة ضد أشخاص خارج حدود دولتها هو انتهاك للعهد وللقانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة وقواعد العرف الدولي, التي تحظر الاعتداء على المدنيين والأعيان المدنية والقصف العشوائي للمدن والقرى, وتنص على ضرورة حماية المدنيين وتحظر الاعتداء على حقوقهم الأساسية بما فيها حق الحياة, لذا على المجتمع الدولي التحقيق في عمليات القصف التركي غير المشروعة التي ترتكبها تركيا بحق المدنيين في سوريا وفق آليات مساءلة فعالة وشفافة, وإنصاف المتضررين وتعويضهم.