ليلى الغريب ـ دمشق
رفعت الحكومة السورية سعر صرف الدولار في نشرة صرف الحوالات الخارجية بقيمة 600 ليرة خلال أسبوع، ليرتفع السعر الرسمي من 8200 ليرة إلى 8800 ليرة، وذلك مع انخفاض قياسي جديد سجلته الليرة السورية لتبلغ حاجز 10 آلاف ليرة أمام الدولار في السوق السوداء، وهو إجراء ثمة من يرى أنه يهدف لتشجيع المغتربين على اعتماد القنوات الرسمية بعد تراجع التحويلات.
ورغم أن سوريا ما زالت من البلدان التي تجد فيها أكثر من سعر للدولار، (هناك 3 نشرات) وتفرض عقوبات صارمة على من يتعامل بأي سعر غير ذاك المحدد رسمياً، إلا أن كثيرين يلجؤون للتعامل بالسعر الذي تحدده السوق السوداء رغم كل المخاطر، إذ إن الفارق في القيمة ليس قليلاً.
من المعروف أن سوريا تشهد زيادة كبيرة في تحويلات المغتربين قبل بعض المواسم، كما تشهد تراجعاً ملموساً بعد انتهاء تلك المواسم، وهو السبب الرئيسي الذي دفع الحكومة إلى رفع قيمة التحويلات، حسبما يرى أحد المصرفيين.
ويأتي ذلك في محاولة لتشجيع المغتربين على اعتماد القنوات الرسمية، وهو ما يفسر رفع القيمة بمقدار 600 ليرة، إلا أن الفجوة بين السعرين الرسمي والحقيقي في السوق السوداء ما زالت كبيرة، وهو ما يدفع مزيداً من المغتربين إلى اعتماد الطرق البديلة، رغم المخاطر، حسب تأكيد المصرفي لنورث برس.
غير واضحة
ويتساءل المصرفي عن تلك الطريقة في إدارة السياسة النقدية، قائلاً إن “الحكومة لا تمتلك سياسة واضحة، وموثوقة في هذا الشأن، ورغم الانتقادات الكثيرة التي تواجهها بقيت الحكومة مصرة على تحديد أكثر من سعر رسمي لصرف الدولار، وكان ذلك السعر يتسم غالباً بالثبات وكانت الفجوة كبيرة بينه وبين سعر السوق وما زالت”.
ويأتي هذا بالرغم من أن المركزي، حاول منذ شباط/ فبراير الماضي، أن يعتمد سياسة تسعير تتصف بالمرونة، وسمح القرار 144 للمصارف وشركات الصرافة بتسلم قيم الحوالات الخارجية وفق سعر صرف مقارب لسعر التداول “غير الرسمي”، حسب القرار.
وبلغ سعر صرف الدولار في السوق السوداء في بعض المحافظات 10 آلاف ليرة، بينما سجل نحو 9900 في محافظات أخرى.
يتساءل المصرفي: “كيف يمكن للمركزي أن يقنع المغتربين بأن يخسروا نحو ألف ليرة في كل دولار يحولونه إلى ذويهم، إن لجأوا إلى التحويل عبر القنوات الرسمية؟ وهل من العدل أن يقتطع المركزي تلك القيمة، خاصة في زمن صار فيه السوريون في الداخل بحاجة كل قرش يحوله إليهم سوريو الخارج”.
ويشير إلى تلك المفارقة المتمثلة بإلزام السوريين بتصريف مئة دولار عند دخولهم إلى البلاد، وذلك حسب سعر يحدده المركزي بـ6532 ليرة، وهو إجراء ضروري على الحدود و”شرط” لدخول السوري إلى بلده.
ويتساءل: “فهل يحق للحكومة أن تشتري الدولار من السوري القادم إلى بلاده بسعر أقل من سعره الحقيقي؟ هل يحق لها أن تقتطع أكثر من 3300 ليرة من كل دولار يحمله السوري العائد؟
منافذ ضيقة
ويشير خبير اقتصادي، في دمشق، لنورث برس، إلى أن ثمة عدة عوامل أدت إلى ما شهدته الليرة السورية من تراجع تاريخي في قيمتها، وإن كان للسياسات المالية والنقدية دور في ذلك، إلا أن الأسباب الرئيسية تتعلق بتراجع الإنتاج في البلاد، والدمار الذي أوقف عجلة الاقتصاد”.
ويضيف: “هذا ما جعل منافذ الحصول على العملة الصعبة تغلق بالتدريج، مع تراجع الصادرات، وخروج النفط من المعادلة الاقتصادية، والدمار الذي أصاب كثيراً من المعامل الخاصة والعامة، وأدى إلى خروجها، كذلك الإنتاج الزراعي لم يكن في منأى عن التأثير، وتلك البيئة أدت إلى امتناع الناس عن ادخار أموالهم في المصارف، وصاروا يسعون بتحويل ما يملكون إلى عملة صعبة وهو ما زاد انهيار الليرة”.
بسبب كل ذلك صارت بعض المنافذ التي كانت تبدو ضيقة وضعيفة التأثير قبل الأزمة، هي الأساس في تأمين العملة الصعبة، ومنها تحويلات المغتربين، وبعض الخدمات التي صارت الحكومة “تبيعها” للسوريين المغتربين بالعملة الصعبة، كالمبالغ التي تدفع للحصول على جواز السفر أو تجديده، وتصريف مئة دولار على الحدود، إضافة إلى المورد الأهم، وهو التحويلات الخارجية.
وأضاف الخبير الاقتصادي، أن سياسة التسعير لذلك القطاع كانت دوماً “لا تراعي مصالح السوريين الذين وصلت أجورهم إلى أقل من 15 دولار، وهو مبلغ بالكاد يكفي أياماً في سوريا مع حالة التضخم غير المسبوقة والمستمرة”.
وأمام حالة عدم الإنصاف، يتزايد عدد السوريين الذين يبتعدون عن القنوات الرسمية في إرسال أموالهم، إذ أن فارق السعر الكبير يشعرهم بالغبن أولاً، ويدفعهم حتى للخطر ثانياً، بهدف إرسال أكبر قيمة مالية لذويهم في الداخل، ونشطت مجموعات لتحقيق ذلك الهدف، رغم الملاحقة المستمرة، والمخاطر التي تصل إلى السجن 7 سنوات مع الأشغال الشاقة بحق كل من يتعامل بغير الليرة السورية، وفق المرسوم رقم 3 الذي صدر عام 2020.