“الجابر”.. عائلة في الرقة توارثت الفن جيلاً بعد جيل

مصطفى الخليل ـ الرقة

يجد العازف والملحن وائل الجابر(47 عاماً) من مدينة الرقة، فسحة من الوقت مساء كل يوم، لتدريب ابنه خالد البالغ من العمر 17 عاماً على الغناء، حيث يقوم الأب بعزف الموسيقى على آلة الكمان، بينما يشدو الابن بأغان تعبر عن هوية وتراث المنطقة.

ويرافق الابن والده في كل الحفلات التي يحييها في مدينة الرقة كعازف للناي والكمان، إذ أنه لمس فيه “مضغة فنية” على حد تعبيره، متوقعاً له مستقبلاً جيداً في عالم الغناء والموسيقى. 

وائل وابنه خالد ليسا الوحيدين اللذين يعملان في مجال الفن والغناء في عائلة الجابر، التي تمتاز بحبها للفن واهتمامها بالغناء والعزف والموسيقى، ولقد خرج منها العديد من الفنانين والمطربين والرسامين والكتاب، ومنهم الفنان والمطرب الراحل أسعد الجابر، عضو نقابة الفنانيين السوريين والذي شارك بعدة أعمال درامية وسينمائية معروفة. 

وتسعى عائلة الجابر أن يستمر أبنائها على هذا المنوال، إذ يلقى الشباب من أبناء العائلة ممن يمتلكون موهبة فنية التشجيع والرعاية من ذويهم وأقاربهم، وهذا هو السر الذي جعل العائلة تشتهر بحبها للفن وتميزها به، على حد قول الجابر. 

“مجتمع قبلي”

يستعرض الجابر أثناء حوار مع نورث برس في منزله الواقع بالقرب من الحديقة البيضاء وسط مدينة الرقة صوراً فوتوغرافية جمعته مع الفنان أسعد الجابر والذي يعد عمه من الدرجة الثانية. 

تعود تلك الصور لعام 1997 م وقد التقطت في العاصمة دمشق، مستذكراً كيف أن أسعد الجابر قد احتضنه في بداياته، وشجعه على المضي في طريق الفن، وأن لا يأبه للانتقادات التي تطال كل من يعمل في هذا المجال خاصة في مجتمع قبلي كمجتمع مدينة الرقة.

يقول وائل لنورث برس منذ طفولتي كنت أشعر بميل للموسيقى، ولقد لفت انتباهي الطريقة التي يعزف بها أعضاء الفرقة النحاسية في المدرسة الإعدادية.  

وبعد العودة إلى البيت يقوم الشاب الصغير المولع بالموسيقى، بتقليد حركات عازفي الفرقة النحاسية، ليعثر مصادفة على آلة ناي صغيرة كانت مخبأة في أحد أركان المنزل، عرفَ فيما بعد أنها تعود لوالده الذي كان يعزف عليها بشكل سري، خشية من الانتقادات التي قد تطاله نتيجة ولعه بالعزف. 

كانت تلك المحطة هي الأولى التي وضع فيها الجابر قدمه في طريق الغناء والعزف، لكن المشكلة التي صادفته حينها، هي عدم امتلاكه لآلة الناي.. ما اضطره للذهاب إلى ضفة نهر الفرات القريب من منزل العائلة، لجلب أعواد من القصب ونبات البردي ليقوم بتسويتها وثقبها لتصبح على شكل ناي بسيط. 

الوصول إلى نجوم الفن في دمشق

استمر الجابر، بممارسة هوايته بشكل فردي رغم كل الصعوبات التي واجهته، ومن أبرزها افتقار الرقة لمعاهد أو دورات متخصصة لتعليم العزف والغناء، إلى أن جاء عام 1995 حيث التحق بالخدمة العسكرية الإلزامية، ولحسن حظه (طبقاً لقوله) إن فرزه جاء إلى مدينة دمشق، حيث يقيم هناك عمه الفنان أسعد الجابر. 

طيلة فترة الخدمة الإلزامية أقام وائل في منزل أسعد الجابر في دمشق، حيث شجعه على تنمية موهبته، وقام بشراء طقم من النايات له. 

أمنت تلك الإقامة للجابر صلة قوية مع كبار نجوم الفن والموسيقى والدراما في سوريا وقتها، ومنهم عازف الناي المشهور زياد قاضي أمين، وأتيحت الفرصة له ليرافق عدة مطربيين سوريين ضمن حفلات أقيمت في دمشق، كعازف للناي، مثل الراحل فؤاد غازي والراحل أسعد الجابر. 

شعر الجابر بقرارة نفسه أنه محظوظ باحتضان عمه أسعد الجابر له، ما زاد في خبرته في مجال التلحين والعزف، وجعله أكثر ثقة بمقدرته على طرح وتقديم نفسه على أنه عازف متمكن. 

ونتيجة تعاقب سيطرة عدة فصائل على مدينة الرقة منذ عام 2012 غادر الجابر مدينة الرقة، وذلك خشية على حياته، إذ أن هذه الفصائل ومنها تنظيم الدولة الإسلامية/ داعش ترفض الغناء العزف وتحارب الفن بكافة أشكاله.

ثم ما لبث أن عاد إليها مطلع عام 2018 بعد قيام قوات سوريا الديمقراطية بطرد عناصر تنظيم “داعش” منها. 

ويعتبر الجابر أن الفن رسالة إنسانية سامية هدفها تنمية الذوق والإحساس، ولذلك يسعى في الوقت الحالي هو ومجموعة من الفنانين والموسيقيين وبالتعاون مع لجنة الثقافة في مجلس الرقة المدني، لتأسيس مجتمع فني في مدينة الرقة، وذلك من خلال إقامة عدة دورات وجلسات تدريبية على العزف والغناء تستهدف الموهوبين من فئة الشباب. 

تحرير: زانا العلي