المقدمة والمنهجية
تسببت الحرب في سوريا المستمرة منذ أكثر من عقد، بمقتل مئات الآلاف من المدنيين في البلاد, فكل ضحية في سوريا بعد عام 2011 احتسبت مجرد رقم, وواصلت أطراف النزاع في البلاد بتضخيم هذا الرقم وتسببت بمآسٍ لمئات الآلاف من عائلات هذه الضحايا, من خلال عملياتها العسكرية والقصف والتعذيب والتعنيف والهجمات غير المشروعة على المدنيين, كما تسبب الفلتان الأمني في المناطق بزيادة عدد الضحايا المرتبطة بالنزاع في البلاد, وقدرت الأمم المتحدة عدد الوفيات المدنيين منذ بدء الحرب بـ 306,887 شخص.
يستند التقرير النصف سنوي الصادر عن قسم الرصد والتوثيق في وكالة نورث برس, على قواعد بيانات القسم التي تم فيها تسجيل وتوثيق الانتهاكات التي ارتكبتها أطراف النزاع بحق المدنيين بحسب التاريخ والاسم والجهة المسؤولة ونوع الحادثة وموقعها، وذلك بالاعتماد في الدرجة الأولى على المعلومات التي حصل عليها بشكل مباشر من المراسلين الميدانيين, بالإضافة إلى التقارير والأخبار الصادرة عن الوكالة وشهادات من الضحايا وذوييهم ومصادر أمنية وحقوقية.
ويعرض التقرير حصيلة ضحايا المدنيين في سوريا خلال النصف الأول من عام 2023, الذين قضوا وأصيبوا بسبب القصف أو تحت التعذيب والقتل المتعمد خارج نطاق القضاء، وحصيلة ما تسببه مخلفات الحرب والأجسام المتفجرة التي تزرعها القوى المسيطرة, بالإضافة إلى ضحايا الاقتتالات والحوادث الأخرى المرتبطة بالنزاع والفلتان الأمني المنتشر في البلاد.
حصيلة الضحايا المدنيين
في النصف الأول من العام الجاري وثق قسم الرصد والتوثيق، مقتل 1045 مدني وإصابة 1525 آخرين, إذ قتل 850 رجلاً وأصيب 1283, وقضت 86 سيدة وأصيبت 78, بينما قتل 109 أطفال وأصيب 164 آخرون, وثق القسم نسبة 92% من حصيلة الضحايا بالأسماء، بينما الضحايا الآخرين تم تأكيد الحادثة وملابساتها دون القدرة على الوصول لاسم الضحية.
وبالاستناد على إحصائية الوفيات وإصابات المدنيين المسجلة في الأشهر الستة الأولى, سجل في كل يوم مقتل 5 مدنيين في سوريا وإصابة 8 آخرين, وبمعدل تقريبي، قتلت سيدة واحدة كل يومين وطفل في كل يوم وربع يوم.
وتتوزع إحصائية الضحايا على الأشهر الستة كالتالي: في كانون الثاني/يناير بلغ عدد الضحايا المدنيين 142 والمصابين 207, في شباط/فبراير بلغت حصيلة القتلى 184 والمصابين 185, وفي آذار/مارس سجل مقتل 230 شخصاً وإصابة 265, أما في نيسان/أبريل سجل مقتل 246، وإصابة 308، وفي أيار/مايو، تم تسجيل 122 قتيلاً و235 مصاباً، وفي حزيران/يونيو بلغ عدد القتلى 121 والمصابون 325.

الضحايا في المدن السورية
وعلى صعيد توزع الضحايا في المدن, فإن أكبر عدد للضحايا المدنيين سجل في دير الزور، إذ بلغ 503، منهم 254 قتيل و249 مصاباً، ويعود ذلك للانتشار الكبير لمخلفات الحرب ونشاط تنظيم “داعش” الكبير فيها، بالإضافة إلى الاقتتالات العشائرية. وتليها مناطق ريف حلب الشمالي حيث بلغ عدد الضحايا 459 شخصاً منهم 82 قتيلاً و377 مصاباً، ومعظم الضحايا قتلوا على يد فصائل المعارضة الموالية لتركيا أو على يد القوات التركية على الحدود وكذلك بسبب الفلتان الأمني.
وفي المرتبة الثالثة، تأتي مدينة إدلب حيث بلغ عدد الضحايا 344 شخصاً، منهم 77 قتيلاً و267 مصاباً، وهؤلاء المدنيون راحوا ضحية انتهاكات هيئة تحرير الشام وإعداماتها بالإضافة إلى القصف الذي تتعرض له المنطقة من قبل الحكومة السورية وروسيا, وتليها مدينة درعا بسبب الفلتان الأمني فيها وانتشار ظاهرة الاغتيالات، حيث بلغ عدد الضحايا 292، منهم 152 قتيلاً و140 مصاباً, ومن ثم مدينة حمص وصل عدد الضحايا فيها لـ193، منهم 115 قتيلاً و78 مصاباً, أما حماة بلغ عدد ضحاياها 191، وهم 106 قتلى و85 مصاباً, تليها مدينة دمشق وريفها 105 أشخاص بينهم 52 قتيلاً و53 مصاباً, ثم مدينة حلب التي بلغ عدد الضحايا فيها 103، وهم 37 قتيلاً و66 مصاباً.
وتخرج حصيلة الضحايا عن المئات لتكون بالعشرات فما دون، فبدءاً من مدينة الحسكة، بلغ عدد الضحايا فيها 96 شخصاً بينهم 44 قتيلاً و52 مصاباً, وفي الرقة 83 ضحية وهم 37 قتيلاً و46 إصابة, تليها مدينة السويداء وصل عدد ضحاياها لـ 54 شخصاً، هم 35 قتيلاً و19 مصاباً, من ثم مدينة اللاذقية، 43 ضحية، قتل منهم 22 شخصاً وأصيب 21 آخرون, وفي تل أبيض بلغت 40 شخصاً وهم 2 قتلى و38 مصاباً.
وسجلت الحصيلة الأقل في القامشلي إذ بلغ عدد الضحايا 28 شخصاً، 14 قتيلاً و14 مصاباً, ورأس العين “سري كانيه” 28 شخصاً قتل منهم 10 أشخاص وأصيب 18, أما في كوباني بلغ إجمالي الضحايا 9 وهم 3 قتلى و6 مصابين, وأخيراً مدينتي القنيطرة، 6 أشخاص، قتل 4 وأصيب 2، وسجلت طرطوس 4 ضحايا، هم 2 قتلى و2 مصاب.
الجهات المسؤولة
تعددت أطراف النزاع في سوريا، وتدخل في شأن البلاد قوى أجنبية بعضها أنشأت قواعد عسكرية لها داخل البلاد وأخرى استمرت بالقصف واستهداف البلاد من أراضيها, وبحسب ما سجله قسم الرصد والتوثيق فإن 12 جهة تسببت بمقتل هؤلاء المدنيين، 5 منها جهات أجنبية, إذ انتهكت القانون الدولي وقوانين حقوق الإنسان وتسببت بشكل مباشر بمقتل المدنيين.
على رأس القائمة هذه القوى، تركيا إذ راح ضحية انتهاكات جيشها وقصفها غير المشروع على البلاد، 494 شخصاً، قتل منهم 42 شخصاً وأصيب 452, تليها روسيا التي راح ضحية قصفها العشوائي 42 شخصاً قتل منهم 4 وأصيب 38, ومن ثم إسرائيل التي بلغ عدد الضحايا المدنيين لقصفها، 27 شخصاً قتل منهم 7 وأصيب 20, أما إيران من خلال قواتها والفصائل الموالية لها بلغ عدد الضحايا التي تسببت بسقوطهم، 21 شخصاً، قتل منهم 13 وأصيب 8, وأخيراً الأردن التي تسبب قصفها بمقتل 8 أشخاص.
أما بالنسبة لأطراف النزاع السورية, أكبر حصيلة للضحايا المدنيين سجلت على يد تنظيم “داعش”, إذ بلغ عدد الضحايا 346، قتل منهم 280، وأصيب 66, تليها فصائل المعارضة التي بلغ عدد الضحايا التي تسببت بسقوطهم، 207، قتل منهم 22 وأصيب 185, ومن ثم حكومة دمشق التي راح ضحيتها 166 شخصاً قتل منهم 74 شخصاً وأصيب 92, وهيئة تحرير الشام تسببت بوقوع 84 ضحية، قتل منهم 59 وأصيب 25, والمدنيين تسببوا أثناء الاقتتالات أو القتل العمد، بقتل وإصابة 568 شخصاً، قتل منهم 245 وأصيب 323, بالإضافة لـ 607 أشخاص كانوا ضحية لمجهولين وجهات أخرى، قتل منهم291 وأصيب 316.
على أطراف النزاع والمجتمع الدولي التصدي للأزمة الإنسانية الخطيرة المستمرة في سوريا, وحماية المدنيين وحقوقهم وتوفير الأمن والاستقرار لهم, والعمل المشترك لحماية المدنيين وإيجاد حل سياسي شامل للنزاع, كما يجب أن تتحرك الأطراف المعنية بسرعة وتتبنى التدابير اللازمة لإنهاء العنف والمعاناة الإنسانية في سوريا, وعلى أطراف النزاع والجهات الأخرى التي تسببت بمقتل المدنيين في سوريا الالتزام بالمعايير والمعاهدات والمواثيق الدولية التي تفرض حماية المدنيين في أوقات النزاع, منها القانون الدولي الإنساني وفق معاهدة جنيف الرابعة لعام 1949 بمادته 3 التي تحظر قتل وتعذيب المدنيين غير المشاركين في القتال وتمنع التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية, والمادة 13 التي تحظر تنفيذ هجمات على المدنيين, وبدوره العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 بمادتيه 6 و9 واللتين تضمنان الحق في الحياة وتحظران القتل والإعدام التعسفي والقاسي وتكفلان الحق في الحرية والأمان الشخصي.