الاجتماع الذي عُقد في مطلع شهر أيار/مايو الماضي لوزراء خارجية عرب، وبحضور وزير خارجية النظام فيصل المقداد، في العاصمة الأردنية عمّان. لم يأتِ الاجتماع بقرار أردني خالص بقدر ما عكس تفويضاً عربياً للديبلوماسية الأردنية عبر الوزير الصفدي لقيادة عربة حراك التطبيع العربي مع نظام الأسد، ثم أعقب الاجتماع زيارة فاشلة للوزير المقداد إلى القاهرة اتضح فيها أن بوابة مصر غير صالحة لعبور نظام الأسد للجامعة العربية فزاد التركيز على جهود الخارجية الأردنية لإنجاز ملف التطبيع.
لم يتسرب الكثير من التفاصيل عن مضمون اللقاءات المنفردة التي جرت في قمة العرب في جدة، وبعيداً عن لياقة الابتسامات والمصافحات والعبارات المنمّقة التي عادة ما تصاحب لقاءات القادة العرب وهي في كثير الأحيان لا تعكس حقيقة الواقع، فإن المؤكد أن اللقاءات القليلة التي عقدها رأس نظام دمشق مع بعض قادة الدول العربية الفاعلة حملت بعض المطالب والإجراءات كشروط عربية بحدها الأدنى لقبول عودة سوريا للنظام العربي.
من أهم شروط العرب كانت تجميد الخطة الذكية التي اعتمدها نظام الأسد لإركاع العرب أو للضغط على قراراتهم السياسية عبر إغراق المنطقة العربية بالمخدرات وخاصة حبوب الكيبتاغون، التي نشطت عبر طرق مختلفة وضخّت عشرات ملايين الحبوب المخدرة في دول الخليج متخذة الأردن كبوابة عبور نحوها. بينما كان الأردن الذي طالب بعودة نظام الأسد للسيطرة على الحدود معه في عام 2018 طامعاً في إعادة مليار دولار للخزينة الأردنية كانت تأتي كأرباح تشغيلية لمعبر نصيب الحدودي مع سوريا، بات يدفع أكثر منها في جهوده لوقف المخدرات والسلاح المهرّب نحو أراضيه عبر مافيات التهريب التي تتبع لنظام دمشق الرسمي كما أكد الأردن في أكثر من مرة، وعبر مافيات تهريب أخرى يقودها حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني، بالتشارك مع الفرقة الرابعة التابعة للنظام السوري.
المطالب العربية عادت لتتبنّى ما طالب به الوزير الصفدي بكل لقاءاته مع نظام دمشق، عبر التأكيد على ضرورة إبعاد ميليشيات إيران عن الحدود الأردنية، وهو مطلب كان قد تعهد به الجانب الروسي للأردن، وكذا لإسرائيل، عام 2018 وأن مسافة الإبعاد ستكون على الأقل لمسافة 85كم عن الحدود الأردنية والجولان، لكن ميليشيات إيران التي غادرت حينها بطلب روسي وبالزي العسكري لحزب الله وللحرس الثوري الإيراني سرعان ما عادت بلباس الفرقة الرابعة، ثم لاحقاً تجاهلت هذا الأمر ضمن سياسة فرض الأمر الواقع وعادة لتتواجد ميليشياتها على حدود خط فك الاشتباك الموقّع عبر الأمم المتحدة بين إسرائيل وسوريا عام 1974. بل أكثر من ذلك، تتوارد معلومات جديدة عن قيام ميليشيات تتبع لإيران بالإخلاء والسيطرة على بعض مقرات اللواء 90 وهو لواء الحيطة السوري العامل بالجولان.
أما حل ملف المخدرات، الذي أصبح الدجاجة التي تبيض مالاً وتطبيعاً لنظام الأسد، فقد فشل من الناحية العربية، فيما كان السماح للطيران الأردني بقصف موقعين داخل سوريا فإنه لم يكن أكثر من رشوة قدمها نظام الأسد للتخلص من إحدى أدواته (مرعي الرمثان)، حتى أن طائرة السوخوي الحربية التي شنّت بدورها هجوماً جوّياً وللمرة الأولى منذ عام 2018 عبر غارتين جويتين استهدفتا مواقع في محيط بلدتي داعل واليادودة بريف درعا في الشهر الماضي، وبعد تدقيق المواقع مع أهالي المنطقة تبين أنها مزارع خالية، وأن كل عملية القصف كانت الغاية منها إرسال رسالة كاذبة بأن نظام الأسد يعمل على وقف خطوط التهريب وأنه ماض بعملية مكافحة المخدرات، وتلك المعلومات بالتأكيد معروفة وموجودة لدى أجهزة الاستخبارات العربية.
الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لدمشق مؤخّراً وبحسب بعض التسريبات أنها كانت بتكليف عربي وبرغبة سعودية من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وأنها حملت تأكيد آخر على المطالب العربية فيما يخص وقف تجارة المخدرات، وتقليص السيطرة الإيرانية على مفاصل الدولة السورية، وأن سياسة “خطوة مقابل خطوة” مازالت تراوح مكانها، وأن الأموال التي يطالب بها نظام الأسد وقيلت بشكل مقزز خلال اللقاء مع الوزير الصفدي مباشرة، أنها قضايا تخضع لشروط عربية وأمريكية، وأنه لا يمكن الإفراج عن تلك الأموال قبل أن يكون هناك تغيّر ملموس من قبل نظام دمشق فيما خص موضوع التعاطي مع تلك الملفات، وأن الرصد العربي لتلك الملفات يشير لمزيج من الفشل والخداع والمراوغة التي يمارسها نظام دمشق، وعندما يقول الوزير الصفدي تعليقاً على زيارته ومفاوضاته في العاصمة السورية: “إن الأمور غير ناضجة بعد”، هذا يعني إعلان أردني وبلغة دبلوماسية عن فشل المفاوضات وإجراءات التطبيع العربي مع نظام دمشق.
ما يجري في منطقة الـ55 حول قاعدة التنف من مناورات مشتركة للتحالف الدولي مع جيش سوريا الحرة، وباستخدام أسلحة ثقيلة ومتطوّرة شملت منظومات صواريخ “هيمارس”، ليس ببعيد عن محاولة التطبيع العربي، وقد يكون رداً على تلك الخطوة الخاطئة التي اتخذها العرب كما قال منسق الاتحاد الأوروبي، وأن عملية التنسيق بين جيش سوريا الحرة وبين قوات الصناديد، قد تكون جزءاً من التحضيرات التي تهدف لتحقيق المطلب العربي الإسرائيلي بتقليل وتقليص الوجود الإيراني في سوريا، عبر تسريبات تتحدث عن سعي الولايات المتحدة الأمريكية لتشكيل الحزام العشائري العربي في البادية السورية وشرقي الفرات ليكون النواة التي تنطلق لوصل قاعدة التنف مع مناطق شرقي الفرات وإغلاق البوابة الإيرانية على الحدود السورية-العراقية بعد السيطرة على مدينة البوكمال ومعبرها الحدودي، ومن ثم التمدد جنوباً للتلاقي مع الجيش الأردني بمهمة مشتركة تهدف لوقف تهريب المخدرات (الإيرانية_ الأسدية) نحو الأردن ونحو الخليج العربي.
فهل تنجح الولايات المتحدة الأمريكية عسكرياً بما فشل فيه العرب سياسةً وتطبيعاً، بوقفها تجارة المخدرات وتقليص الدور الإيراني في سوريا، أم أن تلك التسريبات قد لا تجد لها نصيباً من التنفيذ مع الحديث عن قرب توصل إدارة الرئيس الأمريكي “بايدن” لاتفاق نهائي مع إيران؟
كثيرة هي الأسئلة التي تشغل السوريين ولا إجابة لها، لكن القناعة التي لا تتزحزح لدى الطيف الأكبر منهم، أنه بدون التخلص من نظام الأسد، وميليشيات إيران، وكل أدوات الإرهاب القاعدي والداعشي، فلا استقرار في المنطقة ولا إمكانية لنجاح أي تطبيع مع الأسد سواء كان عربياً أم إقليمياً، لأن جذور المشكلة هي بما يريده السوريون وليس ما يريده بعض الحكام العرب أو بشار الأسد.