“البطالة”.. عنوان لم يعد غريباً في العاصمة دمشق

هاني شهاب ـ دمشق

“البطالة في دمشق”، عنوان لم يعد غريباً في العاصمة السورية فهي أجدى من العمل بالمرتبات التي تدفعها الحكومة كما يقول البعض في سوريا.

مخلفات الحرب جعلت الفرص معدومة للشباب والخريجين وذوي المهن، نظراً لغلاء المواصلات والمواد الأولية والمتطلبات المعيشية في البلاد، ومما فاقم المشكلة حالة الانهزام الاقتصادي والتي يتبعها انهزامات اجتماعية أكثر وأكبر.

جاد خليل اسم مستعار لشاب في الـ(22 من العمر) طالب في الجامعة، كان يعمل في تحويل الرصيد لزملائه في الكلية وأصدقائه في الحي.

يعتبر “خليل”، أن عمله كان “بطالة مقنعة” فهو بالكاد يغطي نفقة مواصلاته للجامعة واتصالاته فقط، والآن حتى هذا لم يعد موجوداً فهو يضيّع الوقت ويبذل الجهد ويعاني بتحصيل النقود من زبائنه الذين يكتوون بنيران الغلاء.

ويشبه محمد العرقسوسي، وهو تاجر مواد جملة في دمشق، العمل، بـ”المراوحة في المكان” وذلك في أحسن الأحوال، فالثقة في الأسواق “معدومة” نتيجة الارتفاعات المفاجئة والحادة في سعر صرف الدولار.

فأي سلعة يبيعها “العرقسوسي”، في الصباح يحتاج إلى دفع زيادة ليضع بدلاً منها على الرف في المساء, هذه الزيادة يدفعها من جيبه الخاص، بالإضافة لأجور النقل والعمال، مما يضطره لإغلاق محله فترات عديدة والجلوس في داره منتظراً استقرار الأسواق ولو مؤقتاً ليعاود دورته التجارية تلك من جديد.

وتتعرض ريما العلي (25 عاماً) وتعمل محاسبة في إحدى الشركات في المنطقة الحرة بدمشق، لضغوطات عمل كبيرة جداً لا تتوافق مع حجم الراتب “الذي يبعثره مديرها في العمل في ساعة واحدة على ملذاته الشخصية”، حسبما تقول.

وتشعر “العلي”، بالاضطهاد والعبودية بعد ساعات العمل الطويلة والبعد عن المنزل المستأجر في ضاحية الأسد والمواصلات التي تستهلك نصف الراتب، “العمل في سوريا نحت في الصخور” حسب تعبيرها.

وصارت الوظائف الحكومية حكراً على زوجات “الشهداء” وأخواتهم وتتفاوت الميزات بتفاوت الأماكن، فالوظائف الخدمية تتحقق بها المكاسب الإضافية المتمثلة بالرشوات أو الإكراميات كما يحب أن يسميها الموظفون.

تلك القيمة المضافة هي التي تجعل العمل الحكومي ممكناً لغاية اللحظة، ولكن للإناث بنسبة أكثر من الذكور، ويعلل حسام عبيد، اسم مستعار لموظف حكومي، ذلك بأن “الوظيفة الحكومية لا يستطيع الشاب أن يستقيل منها ليعمل عملاً جدياً يعيل به أهله أو أن يطمح من خلالها لأي ميزة مستقبلية”.

ويشير إلى أن الأسعار في الأسواق تتطاير بالنسبة للرواتب الزهيدة الثابتة التي لا تتغير بتغير الكوكب، والأخطر على الشبان هو تأدية خدمة العلم كشرط أساسي من شروط الوظيفة.

وباتت الكثير من المؤهلات العلمية “لا تعني شيئاً في سوريا”، بحسب “عبيد”، إذ إن المهندس يعمل في قطاع الدولة “برواتب مضحكة”، والمحامي يعمل ببيع الطوابع في المحكمة وبتعقيب المعاملات، والشرطي لا يستطيع أن يكمل نهاراً واحداً براتبه غير أن المخالفات التي يحررها “ظلماً” ويتغافل عنها تارة أخرى تعزز صموده تحت شمس الصيف.

أما في القطاع الخاص فيستغل أصحاب الأعمال الجهود البشرية فالأعمال متنقلة والأشخاص لا يمكن أن يستمروا في العمل الواحد للعديد من الاعتبارات، أهمها أنهم لا يستطيعون الاستمرار بنفس الراتب لفترات طويلة، وبنفس الوقت هناك الكثير من الطامحين بهذه الوظيفة والذين ينتظرون في الطابور لشغلها بعد تأفف الموظف الحالي من قلة راتبه.

والمهن الحرة غير مرخصة في سوريا، فبزيارة الرئيس الإيراني لدمشق، تم تفريغ دمشق من عربات التسوق والبسطات الشعبية التي تبيع البضائع ويرتزق من خلالها الآلاف من أبناء العاصمة وريفها.

وعن قطاع النقل، يتحدث سامر هادي، وهو عامل على تاكسي أجرة، لساعات طوال، أن البنزين أصبح “بغلو الذهب والزبائن تخشى من سائق التاكسي أكثر مما يخشون من بائع السكر”.

ويقول لنورث برس، إن مهنة السائق “لم تعد مجدية أبداً فلو حقق الربح الوفير لمدة شهر سيضع كل ما حققه وربما فوقه بأول زيارة للتصليح وما أكثر التصليح في عالم السيارات”.

تحرير: تيسير محمد