أزمة المياه.. الحسكة منكوبة في ظل تغاضٍ دولي

القامشلي – نورث برس

أجمع باحثون في الشأن السوري، على أن تركيا تستخدم ورقة المياه للضغط على الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، لإضعافها وإرغامها على الخضوع، في ظل صمتٍ دولي تجاه ما يعتبره مسؤولو المنطقة انتهاكاً لحقوق الإنسان.

منذ أن سيطرت تركيا وفصائل الجيش الوطني السوري الموالية لها، على منطقة سري كانيه/رأس العين في تشرين الأول/أكتوبر 2019، مُنعت مجتمعات في شمال شرقي سوريا، من حقّها في الحصول على مياه كافية ومأمونة، بشكل متعمّد وتمييزي.

سلسلة الانقطاعات المتكررة في ضخ المياه من محطة “علوك” في ريف سري كانيه، حرمت ما يقرب المليون شخص في مدينة الحسكة و أريافها، من مياه الشرب.

وقال الرئيس المشارك لمديرية المياه في الحسكة عيسى يونس، لنورث برس، إن عدد مرات قطع المياه التي تجاوزت 40 مرة “لا تعبر عن حجم المأساة الحقيقية حيث استمر قطعها آخر مرة لنحو ثمانية أشهر بشكل مستمر”.

مدينة منكوبة

وقال نيكولاس هاريس، المبعوث الدنماركي الخاص للصراع في سوريا، إن “تركيا تريد ممارسة أقصى قدر من الضغط على الإدارة الذاتية، وستستخدم المياه كنقطة ضغط، لأنها تريد إضعاف دعم السكان في شمال شرقي سوريا للإدارة الذاتية”، وأضاف لنورث برس: “تركيا تريد إجبار الإدارة على الاستسلام لمطالبها”.

والاثنين الفائت، أعلنت مديرية مياه الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، في بيان، مدينة الحسكة وقراها ومخيمات النازحين فيها، منطقة “منكوبة“، لقطع تركيا المياه عنها “بتواطؤ روسي وحكومي”.

وأشار هاريس، إلى أن الأتراك يعتقدون أن الحد من تدفق المياه من بلادهم إلى سوريا “سيضعف الإدارة الذاتية، وهذا قد يجبر الأميركيين على اتخاذ إجراءات ضد تركيا”.

وتعد محطة مياه علوك، التي شهدت خدماتها تكرار الانقطاع، المصدر الوحيد لمياه الشرب لسكان مدينة الحسكة وبلدة تل تمر والأرياف المحيطة بهما، إضافةً إلى كونها المصدر الرئيسي لنقل المياه بالشاحنات لمخيمات الهول، العريشة، السد و مخيم واشو كاني، الذي يضم عشرات الآلاف من النازحين داخلياً من مدن ومناطق سورية مختلفة.

وكانت المحطة أيضاً مصدر مياه لآلاف العراقيين والأجانب ممن يقطنون في مخيمات خصصت لهم إبان هزيمة تنظيم “داعش”، بحسب اللجنة الدولة للصليب الأحمر.

وقال عزالدين صالح، المدير التنفيذي لرابطة “تآزر للضحايا”، إن تركيا توظف وسائل يحظرها القانون الدولي الإنساني ويعدها خرقاً لأحكامه من خلال تقييدها محطة مياه “علّوك”، مسببةً حرمان 800 ألف مدني من الوصول إلى مياه الشرب.

وأضاف أن وضع أي قيود على المياه يمكن أن يرقى إلى “جرائم ضد الإنسانية”، وينطبق هذا على أي قيود يتم فرضها لأغراض خفيّة كمهاجمة مجموعات معينة من السكان، والتي يمكن أن تشكل جريمة إبادة جماعية، وفق تعبير مكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، حسبما جاء في حديث صالح.

ولجأ السكان إلى حفر آبار سطحية، “مياهها مالحة وغير صالحة للشرب” في المدينة والضواحي بشكل عشوائي، مما تسببت بأضرار في البنى التحتية وأدى إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية.

كما أن اعتمد السكان على مياه الصهاريج المتنقلة ولكنها “غير آمنة”، ما أدى إلى انتشار أمراض هضمية وحالات تسمم وكوليرا في الفترة الأخيرة وكان النازحون في المخيمات هم الأكثر تضرراً.

وقال فارس حمو، طبيب داخلية عصبية في مشفى الشعب بمدينة الحسكة، إن غياب مصادر المياه النظيفة في ظل ارتفاع درجات الحرارة أدى لزيادة الحالات المرضية. موضحاً أن انقطاع المياه من محطة علوك “يزيد الوضع سوءاً من حيث التلوث، وعدم توفر مصدر ثابت للمياه، إذ إن الصهاريج التي تنقل المياه ليست من نفس المصدر والجودة”.

وأشار حمو في حديث لنورث برس، إلى أن “البدائل تكون أسوء من البديل الحقيقي، وتتحول الأزمة إلى صحية بسبب تلوث المياه والتي تسبب حالات إسهال والتهابات معوية وأمراض التيفو وغيرها من الأمراض المتعلقة بمصدر المياه”، حسب قوله.

ولم يستبعد الطبيب ظهور أوبئة مثل الكوليرا، التي ظهرت العام الفائت مع ارتفاع درجات الحرارة، مشدداً على أن “الوضع سيتدهور ويزداد سوءاً في حال لم تتوفر المياه النظيفة من مصادر موثوقة للسكان”.

وانتشرت مؤخراً أمراض الحصبة والالتهابات المعوية في بلدة تل تمر شمالي الحسكة، وذلك بسبب ارتفاع درجات الحرارة واستخدام السكان لمياه الصهاريج غير الصالحة للشرب.

 وفي تصريحه لنورث برس، قال مدير مشفى “ليكرين” في تل تمر، لؤي بكر، إن “السبب الرئيسي لهذه الأمراض هو تغيرات المناخ، وتناول الخضروات المحلية التي قد رُشت بمبيدات حشرية وما زالت ضمن نطاق الصلاحية، إلى جانب استخدام سكان المنطقة لمياه الصهاريج غير الصالحة للشرب”.

حتى قطاع الزراعة!

وبسبب شح المياه تضررت الأراضي الزراعية بشكل كبير، وانخفضت نسبة المساحات الخضراء في شمال شرقي سوريا، وبالتالي نقص في الإنتاج الزراعي، وخلل في تحقيق الأمن الغذائي.

وأمس الأربعاء، قال شيخموس درويش، الخبير الجيولوجي المختص بالمياه الجوفية في مديرية المياه، إن “الحسكة تمر بأزمة مياه خانقة”.

 وفي حين تحتاج المدينة إلى 80 ألف متر مكعب يومياً من المياه، لا تصلها سوى نصف هذه الكمية عبر الصهاريج الآن، وفقاً لدرويش.

وأشار الخبير إلى أن قرابة مليون نسمة يعيشون أزمة مياه خانقة في الحسكة، بسبب سيطرة القوات التركية والفصائل المسلحة الموالية لها، على محطة مياه علوك.

ورأى درويش، أن الحلول تكمن في “تدخل المنظمات الإنسانية واليونيسيف والصليب الأحمر والوسيط الروسي بتحييد محطة علوك عن النزاعات”.

وتحدث دوريش عن وجود قنوات اتصال مع الجانب الروسي والمنظمات الآنفة الذكر خلال الأيام القليلة الفائتة، “لكن دون جدوى”.

وحذّر درويش من جفاف الآبار السطحية التي تغذي الحسكة وريفها بالمياه الصالحة للشرب، متوقعاً أن تجف الآبار “خلال فترة شهر”، ما يشير إلى “كارثة إنسانية وشيكة”.

وتعتمد مديرية المياه على الآبار السطحية في قرية “شموكة” غرب الحسكة، وبعض الآبار في منطقة “نفاشة” شرقي المدينة، لمد المنطقة بالمياه عبر الصهاريج.

حلول

في ظل عجز المجتمع الدولي عن تحييد القضايا الإنسانية عن الصراع العسكري في سوريا، تستمر تداعياتها بنحو ملموس على سكان المنطقة، مما يزيد من تدهور واقعهم المعيشي لهم يوماً بعد يوم.

وقال عيسى يونس الرئيس المشارك للمديرية العامة لمياه الشرب، إن “الحلول الممكنة في الوقت الحالي هي الصهاريج المتنقلة، وهي لا تغطي حاجة المدينة”، مضيفاً أن سعر صهريج الماء من 10 إلى 15 ألف ليرة، “يثقل كاهل السكان اقتصادياً”.

واستنكر مسؤول المياه الصمت الدولي حيال “الانتهاك المستمر”، وقال إنه “جريمة بحق الإنسانية خلال فصل الصيف والارتفاع الكبير في درجات الحرارة”.

وكانت اليونيسف قد توسطت بين الطرفين لعدة مرات، على أن تقدم الإدارة الذاتية خط كهرباء للمحطة ومناطق تسيطر عليها تركيا، مقابل أن تسمح الأخيرة بعمل محطة علوك، إلا أنها خرقت التفاهم لعدة مرات، بحسب يونس.

وأمس، قال رستم بكر، الرئيس المشارك للجنة البلديات والبيئة في الحسكة، إن مشروع جر المياه من مدينة عامودا إلى الحسكة سينتهي خلال تسعة أشهر، في حال توفرت المواد اللازمة للبدء بالمشروع الذي ينتظر المصادقة وتحرير الميزانية.

وناشد مسؤول البلديات المنظمات الإنسانية بضرورة “الوقوف إلى جانب السكان في الحسكة والضغط على تركيا وفصائلها لضخ المياه إلى مدينة الحسكة من المورد الرئيسي من آبار محطة علوك”.

إعداد وتحرير: روبين عمر