رزان زين الدين ـ السويداء
وسط ساحة الكرامة وتحت أشعة الشمس، وفي مشهد اعتاد سكان السويداء رؤيته في كل صباح، يجلس صلاح يوسف (45عاماً) وهو اسم مستعار لعامل من مدينة السويداء برفقة عدد من رفاقه في انتظار توجه أحد إليهم يكون بحاجة لعمال.
يقول “يوسف” لنورث برس، إن فرص العمل أصبحت “شبه معدومة”، فأعمال البناء التي كان المحرك الأساسي للعمل في السويداء، “تراجعت مؤخراً بعد رفع سعر طن الإسمنت ما أدى إلى نقص في توافر الإسمنت حتى بالأسواق السوداء”.
ومطلع حزيران /يونيو الفائت، رفعت وزارة التجارة الداخلية أسعار الإسمنت في سوريا بنحو 80 بالمئة، حيث رفع سعر مبيع طن الإسمنت البورتلاندي المعبأ عيار 32.5 من 398 ألف ليرة إلى 700 ألف ليرة وسعر مبيع طن الإسمنت البورتلاندي المعبأ عيار42.5 من 414 ألف ليرة إلى 785 ألف ليرة، والفرط من 355 ألف ليرة إلى 613 ألف ليرة.
وعبر “يوسف” عن استيائه من الحالة التي وصل إليها عمال المياومة؛ ففي حال حالف أحدهم الحظ ووجد عملاً، فيوميته لا تتعدى 25 ألف ليرة سورية، وهي لا تكفي لشراء كيلو شاي حيث تجاوز سعره 90 ألف.
وبحسب ما ذكر العامل، فإن الأعمال المتوفر حالياً هي أعمال الزراعة “الشاقة” كالحصاد، رغم سوء الموسم وعدم وجود مرود كافٍ للمزارعين والعمال، بالإضافة إلى الأعمال في الأسواق من تفريغ البضاعة ووضعها في سيارات النقل (العتالة).
وأضاف أن “الملاحقات الأمنية للمطلوبين للخدمة العسكرية حال دون تمكن العمال من السفر أو حتى العمل في أسواق العاصمة دمشق”.
فيما لم يكن عمال القطاع العام بحال أفضل حتى أنهم أصبحوا عمال بناء ومزارعين، وسائقي سيارات عمومية، بعد انتهاء دوامهم في المؤسسات الحكومية، لتعويض رواتبهم المتدنية.

عجز حكومي
في بلد غارق بأزمات اقتصادية ومعيشية وسط انعدام لفرص العمل وتزايد معدلات التضخم الاقتصادي احتلت سوريا المركز الأول عربياً في مؤشر البؤس بحسب دراسة لاقتصادي أمريكي.
هذا وأقر رئيس مجلس الوزراء حسين عرنوس خلال المجلس العام المركزي للاتحاد العام لنقابات العمال لهذا العام، أن الشريحة العاملة في القطاع العام بكل مؤسساته مازالت تعاني من تدني الأجور، وهذه الشريحة تصل إلى ما يقرب من 2.5 مليون عامل قائم على رأس عمله ومتقاعد.
وفي هذا السياق يرى مكسيم مرشد المتحدث باسم التيار الماركسي في السويداء، أن “العمال السوريون يعيشون أصعب الظروف نتيجة تعاضد العديد من العوامل أهمها استمرار وجود النظام الحاكم في دمشق وتقسيم سوريا، بالإضافة إلى الدول الأجنبية التي تحتل البلاد”.
ويقول لنورث برس، إن “غياب المؤسسات التي تحمل الفلسفة الثورية المعبرة عن الطبقة العاملة واقتصار الساحة السياسية السورية على مفرزات ايديولوجيا تكرس النظام الطبقي، انعكس على حال العمال السوريين”.
ونوه “مرشد” إلى بيانات جمعها مركز السياسات وبحوث العمليات (OPC) في مدينة دمشق، أظهرت أن متوسط العمل بدوام كامل كان بنسبة (52,5) ساعة؛ وهو أعلى نسبة من المعدل المسموح بموجب قانون العمل السوري لسنة 2004، والذي حدد متوسط ساعات العمل للعمال في كافة المحافظات السورية بـ(46,2) في الأسبوع.
وأشارت الدراسة، إلى أن أرقام المركز وثقت أن “53 في المئة من العمال يعيشون تحت خط الفقر، هذا وتراجع دخل المواطن خلال العشر سنوات الماضية من 400 دولار إلى حوالي 12 دولاراً”.
ويرى الناطق باسم حزب البديل الماركسي، أن كل ما سبق “أدى إلى تحول العمال السوريين إلى فقراء متسولين، وأصبحوا يمارسون أكثر من عمل في وقت واحد بسبب تدني المستوى المعيشي”.
خياره السفر
تفتقر السويداء لمشاريع تنموية نتيجة إهمال حكومي منذ عقود، وتفاقم الوضع سوءاً مؤخراً في ظل تدهور الليرة السورية، مما جعل عمال السويداء أمام خيار وحيد وهو السفر.
وكان لبنان هي وجهة باسل حسن (27عاماً) اسم مستعار لعامل، وصل عن طريق التهريب إلى لبنان، وقال لنورث برس، عبر تطبيق واتس آب، “رغم ما يعانيه لبنان من مشاكل اقتصادية ورفض لوجود السوري داخله إلا أنه الخيار البديل الوحيد للعمال السوري”.
وتعد لبنان الوجه الأقل تكلفة للعمال في الداخل السوري بشكل عام، وعمال السويداء بشكل خاص، بعد غياب فرص العمل في البلاد والتضخم الاقتصادي الحاصل الذي انعكس على قيمة الليرة السورية.

ولعل الأمارات هي الوجهة الثاني للعمال السوريين، وبحسب رأي المتحدث باسم حزب البديل الماركسي فإن العمال السوريين في الأمارات “يعيشون أبشع أنواع الاستغلال خصوصا عمالة المرأة السورية بعد أن انتشر مؤخراً ذهاب الكثير من النساء السوريات للعمل هناك لعدم قدرتهن على الحصول على مقومات الحياة في البلاد”.
غياب دور النقابات العمالية
يرى الكثير من العمال، أنه ومنذ عشرات السنين، أجهض دور النقابات العمالية في البلاد، فبدل أن تكون في صف العمال وللدفاع عن حقوقه “وقفت مع السلطات وبررت فسادها ليتنقل الفساد إلى داخلها أيضاً”.
وهذا ما شدد عليه سلمان فارس (45عاماً)، وهو عامل من مدينة السويداء، “النقابات العمالية لم تكن يوماً مساندة للعمال، واقتصر دورها فقط على جمع الاشتراكات السنوية منهم، والاحتفال وإلقاء الشعارات بعيد العمال، رغم أن هناك أعضاءً من مجلس الشعب عن فئة العمال إلا أنهم انخرطوا في الفساد داخل مؤسسات الحكومة”.