تعذيب وسوء معاملة.. انتهاكات فصائل معارضة بحق معتقليها في سري كانيه

القامشلي ـ نورث برس

بحجة أن شقيقه كان ضمن صفوف قوات سوريا الديمقراطية، تعرض أحد سكان قرية في ريف سري كانيه (رأس العين)، للاعتقال والاحتجاز مرتين على يد فصيل السلطان مراد. في المرة الأولى تم إبلاغه أنه لن يتم الإفراج عنه حتى يقوم شقيقه بتسليم نفسه، وفي المرة الثانية، طلب الفصيل من ذويه فدية مالية قدرت بـ10 آلاف دولار أميركي.

وقال الناجي: “تعرضت للتعذيب أربعة أيام متتالية، بمعدل ساعتين في اليوم.. أتذكر في إحدى المرات كيف، قاموا بحرق أجزاء من جسمي حيث أغمي علي بعد ذلك .. قبل أن يقوموا برمي أمام باب منزلنا في القرية، مطالبين عائلتي بدفع مبلغ وقدره 10 آلاف دولار … وهو ما لم نستطع تأمينه آنذاك وأدى إلى إعادة اعتقالي مرة أخرى بعد حوالي أسبوع حتى قام أهلي بتأمين المبلغ وإعطائه للفصيل”.

أكد الشاهد أنه بقي حوالي أسبوع رهن الاحتجاز في المرة الثانية، والتي جرت خلال شهر كانون الثاني/يناير 2020، واستخدمت بحقه أساليب تعذيب جديدة منها الضرب بالكرباج (السياط) وسكب الماء البارد على جسده.

وتعتبر كل الأفعال الممنهجة التي تقوم بها الفصائل الموالية لتركيا بدعم من السلطات التركية ضد المدنيين في سوريا، وخاصة في مناطق سيطرتها شمال شرقي البلاد، انتهاكاً لحقوقهم وللقوانين والمواثيق الدولية وتصنف هذه الممارسات كجرائم حرب وجرائم لا إنسانية يعاقب عليها مرتكبوها.

ووثقت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة“، في تقرير لها 62 إفادة حصلت عليها خلال العام الماضي، من ناجين/ات، تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة على أيدي عناصر فصائل سورية معارضة في منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، اللتين سيطرت عليهما فصائل سورية معارضة مدعومة من تركيا بعد عملية عسكرية أسمتها تركيا باسم عملية “نبع السلام” في 2019.

وتنوعت أساليب التعذيب وسوء المعاملة والإهانات، التي كشفت عنها الشهادات الحديثة، ما بين اللكم والصفع والركل، والضرب بالعصي والجلد بالكبل الرباعي والحرق بأعقاب السجائر واستخدام طريقة الشبح (البلانكو) إضافة إلى الصعق بالكهرباء.

وأظهر تحليل الشهادات استهدافاً واضحاً للكرد، فقد بلغ عددهم/ن (46) ضحية، فيما تم توثيق (16) حالة تعذيب ضد سكان آخرين من عرب المنطقة.

وتورطت معظم الفصائل الموالية لتركيا، بعمليات الاحتجاز التعسفي والتعذيب، إلا أن أسماء فصائل محددة تم ذكرها بشكل أكبر من باقي المجموعات المسلحة، منها: فرقة الحمزة التي تورطت بما لا يقل عن 20 حالة تعذيب وسوء معاملة وإهانة، وفرقة السلطان مراد، التي تورط بما لا يقل عن 12 حالة، بينما تورطت فرقة المعتصم بـ8 حالات.

وأشار العديد من الناجين الذين تحدثوا ضمن التقرير، إلى أن الأسباب الظاهرية لعملية الحرمان من الحرية ولاحقا التعذيب وسوء العاملة، حدثت نتيجة اتهامات المجموعات المسلحة لهم بوجود ارتباطات مفترضة بينهم وبين الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، التي كانت مسيطرة على المنطقة حتى شهر تشرين الأول/أكتوبر 2019.

أما فعليا، واستناداً إلى أقوال الشهود، فإن السبب الرئيسي لعمليات الاعتقال والتعذيب كان بهدف ابتزازهم مادياً وإجبارهم على دفع الفدية، ولاحقاً التخلي عن ممتلكاتهم ومغادرة مناطقهم الأصلية التي ينتمون لها.

والشهادات التي قدمها الضحايا، ضمن التقرير تتقاطع مع تقارير العديد من المنظمات الدولية والمحلية، التي وثقت اعتقالات واسعة النطاق وحالات تعذيب، ارتكبتها مختلف أطراف الصراع في جميع المناطق السورية.

وقالت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا في تقريرها الصادر في آذار/مارس 2023، “لديها أسباب معقولة بأن أعضاء من الجيش الوطني، استمروا بحرمان الناس من الحرية بشكل تعسفي واحتجاز بعضهم بمعزل عن العام الخارجي وبعضهم الآخر بطريقة ترقي إلى الاختفاء القسري، وكذلك استمرار ارتكاب جرائم التعذيب، بما في ذلك الاغتصاب والمعاملة القاسية والقتل وأخذ الرهائن والنهب”.

فيما وثقت منظمة “هيومن رايتس وتش” عمليات نقل غير قانونية لسوريين إلى الأراضي التركية، واصفة العملية، بـ”النقل القسري من أراض محتلة”.

ووثّقت رابطة ‘‘تآزر للضحايا’’ أكثر من 228 حالة اعتقال في سري كانيه وتل أبيض شمالي سوريا، وقالت إن حالات الاعتقال ازدادت من قبل القوات التركية وفصائل المعارضة المسلحة الموالية له، بحق المدنيين في المنطقتين التي سيطرتها عليها تركيا أواخر 2019 إبان عملية عسكرية.

وعرض تقرير “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، شهادتين على الأقل لناجيتين، أشارتا إلى أنه تم استخدام الشتائم والتحرش والضرب من قبل مسلحين كأدوات لإجبار النساء على التخلي عن ممتلكاتهن في مدينة سري كانيه.

وفي تقرير صادر في حزيران/يونيو عام 2022، تحققت “سوريون” من تورط عناصر في عدد من انتهاكات ذات طبيعة جنسية بحق نساء نازحات حاولن الوصل من مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، إلى مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في سري كانيه.

ومنذ بداية عام 2023 وخلال الأشهر الثلاثة الأولى, شهدت المناطق تصعيداً لانتهاكات الفصائل الموالية لتركيا بحق المدنيين, حيث سجل ووثق قسم الرصد والتوثيق في وكالة نورث برس، مقتل 19 شخصاً وإصابة 71 آخرين بينهم 2سيدة و3 أطفال على يد الفصائل, وسجل القسم أيضاً 21 حالة سرقة و33 حالة استيلاء على ممتلكات المدنيين مارستها الفصائل بقوة السلاح ضد المدنيين بينهم مسنون وسيدات, كما قطعت الفصائل 5258 شجرة مثمرة وحراجية منذ بداية العام في تحطيبها الجائر لكسب أموالٍ إضافية. 

كما اعتقلت الفصائل تعسفياً 307 أشخاص بينهم 191 من طالبي اللجوء استلمتهم من حرس الحدود التركي “الجندرما”, وأفرجت عن 211 شخصاً وهم طالبي اللجوء و20 آخرون من المدنيين بعد أن دفعوا مبالغ مالية طائلة, أما المعتقلين 96 والذين معظمهم من مدينة عفرين وريفها لايزال مصيرهم مجهولاً ولم تكشف أماكن اعتقالهم, 62 من المعتقلين نسبت لهم تهمة التعامل مع الإدارة الذاتية وهي تهمة تستخدمها الفصائل بشكل مستمر لتعتقل معارضيها أو أي مدني تعسفياً, بالإضافة إلى اعتقالها 14 آخرين بتهمة المشاركة في احتجاجات, أما المعتقلين الآخرين فتم اعتقالهم دون الكشف عن السبب.

تحرير: تيسير محمد