الرقة/ درعا/ إدلب ـ نورث برس
“النية سابقة العمل” بهذه الكلمات اختصر حميد، ما أراد قوله عن عزوفه شراء أضحية العيد، والتي اعتاد الرجل أن يستقبل بها أول يوم في عيد الأضحى من كل عام.
وعند سؤاله إذا ما كان الأمر عدم نية أم انعدام مقدرة؟، أجاب حميد العلي (37عاماً)، من سكان الرقة، أنه ليس لديه مقدرة على شراء أضحية هذا العام بسبب غلائها “لذا فات وقت نية ذبحها في العيد”.
وعزف سكان في الرقة عن شراء أضاحي العيد هذا العام، وذلك بسبب أسعارها المرتفعة مقارنة بالعام الماضي، وضعف قدرتهم الشرائية في ظل الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة.
ركود أسواق وقلة في البيع
يقول “العلي” لنورث برس إنه في العام الماضي، وفي هذا الوقت كان هناك إقبال كبير من قبل السكان على شراء الأضاحي، حينها؛ كانت الأسعار “مقبولة” وتناسب الوضع المادي لهم.
إلا أن الوضع اختلف هذا العام، فرأس الغنم الذي كان يباع بـ 500 ألف في العام الماضي، أصبح الآن بأكثر من مليون أو مليونين، أي أن السعر زاد إلى الضعف وربما أكثر، طبقاً للرجل.
ويعمل “العلي” تاجر غنم في “الماكف” وهو سوق الغنم الأساسي في الرقة، إلا أن حركة الإقبال في فترة ما قبل العيد لا تأتي بمردود “مرضٍ”، ناهيك عن الركود في بيع وشراء المواشي بشكل عام.
ويقول بلهجته العامية: “الحلال متكوم فوق بعضو”، في إشارة منه إلى أن التجّار ومربو المواشي يأتون بها إلى السوق ليبيعوا قسماً منها أو يعيدوها كلها إلى البيت، وهي خيبة أمل في فترة شراء الأضاحي.
ويختلف سعر الأضحية تبعاً لمظهرها ووزنها، ويجب أن تكون خالية من أي عيب لتتوافق مع الشروط والأحكام الشرعية، الأمر الذي يزيد سعر الأضحية في موسمها السنوي.
والأضحية: هي ما يذبحه المسلم من الحيوانات في أيام عيد الأضحى وهي من شعائر الإسلام المشروعة، وقيل في سبب تسميتها نسبة لوقت الضحى لأنه هو الوقت المشروع لبداية الأضحية.
وللأضحية شروط كأن تكون في عمر محدد، وخالية من العيوب والأمراض، وما دون ذلك فهي مخالفة، وهذا ما يجعل أسعار الماشية من الأغنام وما تحقق منها الشروط، مرتفعة الثمن، يعجز غالبية سكان الرقة عن شرائها.
والأحد الفائت، أعلنت المملكة العربية السعودية، الأحد، أن يوم الاثنين الموافق لـ 19 من شهر حزيران/ يونيو هو بداية شهر ذي الحجة بعد رؤية الهلال بشكل رسمي، ما يعني أن العيد أي أول أيام ذبح الأضاحي سيكون في الـ 28 من حزيران/ يونيو الجاري.

أضحى بلا أضحية
ولم يكن الجنوب السوري بأفضل حالاً من شمال شرقي البلاد، إذ إن أسعار الأضاحي في محافظة درعا، شهدت ارتفاعاً كبيراً خاصة مع اقتراب عيد الأضحى، وبالتالي باتت الأسواق في حالة ركود مقارنة بالأعوام السابقة، بسبب الفجوة الكبيرة بين دخل السكان وخاصة موظفي القطاع العام وأسعار الأضاحي.
وبحسبة سريعة، يجد خليل الزعبي، أحد سكان ريف درعا، أن ثمن الأضحية تعادل راتب موظف حكومي لعام كامل دون أن يصرف منه أي شيء.
وبلهجة لا تخلو من الحزن، يقول لنورث برس: “عيد الأضحى أصبح بلا أضحية، اسم فقط لدى الكثير من أبناء المحافظة”.
وأرجع تاجر مواشٍ في درعا، سبب ارتفاع أسعار الأضاحي، للأوضاع الأمنية السائدة في المحافظة.
وأوضح التاجر الذي فضل عدم ذكر اسمه، لنورث برس، أن التجار لا يستطيعون التحرك بحرية في ظل التشديد من قبل القوات الحكومية على الحواجز، وعدم السماح بنقل المواشي من درعا إلى دمشق وبالعكس.
وأضاف: “من يريد نقل الأضاحي عليه الحصول على ورقة من الجمارك، ولا يسمح له بنقل أكثر من عشرة رؤوس من الماشية بالسيارة الواحدة، وهذا ما يزيد من تكاليف النقل”.
وأوضح التاجر أن سعر الأضحية من الخاروف البلدي الحي (القائم) وصلت ما يقارب مليون وثمانمائة ألف ليرة سورية، بعد أن وصل كليو غرام الخاروف 40 ألف ليرة سورية، وسعر كيلو غرام العجل الحي (القائم) وصل إلى 33 ألف ليرة سورية، حيث يصل سعر العجل الجاهز للأضحية لأكثر من 12 مليون ليرة سورية على أقل تقدير.
وأشار لوجود سبب آخر لارتفاع أسعار المواشي، وهو “التهريب، إذ إن بعض التجار يطمحون للربح بوقت قصير بسبب فرق صرف الليرة السورية في دول الجوار”.
وأمس الأحد، توقع رئيس جمعية اللحامين في ريف دمشق محي الدين الريس، أن ينخفض عدد الأضاحي هذا العام إلى النصف عنه في العام الماضي.
شمال غربي البلاد أيضاً
وليعمَّ الأمر سوريا، شهدت مناطق شمال غربي البلاد، عزوفاً عن شراء أضاحي العيد نظراً لسعرها المرتفع أيضاً، ويصل سعر رأس الماشية منها إلى أكثر من 375 دولاراً أميركياً (ثلاثة ملايين و 200 ألف ليرة سورية).
وأرجع تجار في إدلب، سبب الارتفاع الكبير في أسعار الأضاحي، إلى قلة الماشية في المنطقة، إذ أن معظم المربين اضطروا العام الفائت لبيع ماشيتهم بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف ومستلزمات التربية، بالإضافة لإقبال المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة على الشراء، وهو ما أدى أيضاً إلى ارتفاع أسعار الأضحية إلى الضعف تقريباً عن سعرها في العام الماضي.
ولم يتمكن بسام العبدالله (50 عاماً)، وهو من نازحي بلدة كفروما جنوب إدلب، هذا العام من شراء الأضحية كما كان يفعل سابقاً عندما كان في منزله.
إذ اعتاد “العبدالله” أن يقدم الأضحية في كل عيد على مدار السنوات الماضية، ولكن اليوم ونتيجةً لسوء الأوضاع المعيشية والظروف الاقتصادية في مخيمات النزوح على الحدود السورية التركية شمالي إدلب، اضطر إلى التخلي عن شراء الأضاحي وذبحها وتوزيعها كما كان يفعل سابقاً.
وأضاف، لنورث برس، أن سعر الأضحية من الخراف مثلاً، “بات اليوم سعرها يتراوح ما بين 280 إلى 400 دولار أميركي على حسب وزنها، حيث أن سعر الكيلو “القائم” يصل إلى أكثر من 125 ليرة تركية (45 ألف ليرة سورية)، بينما كان في العام الماضي لا يزيد عن 50 ليرة تركية (19 ألف ليرة سورية)، وبهذا السعر لا يستطيع شرائها سوى ميسوري الحال”.