هاني شهاب ـ دمشق
حياتهن لا تختلف كثيراً عن واقع المرأة عموماً، ولكن أزمات الحياة المتتابعة في دمشق الاقتصادية منها والاجتماعية ألقت بظلالها على واقع المرأة السورية بشكل خاص، التفوق الديمغرافي لصالح الإناث الذي فرضته الحرب والهجرة على ذكور سوريا حمّل بدوره مسؤوليات عدة وخلص جواً من التنافس غير المألوف في حياة النسوة في دمشق، الإنجازات الأنثوية هي الزواج والإنجاب والاستقرار النفسي أولاً والأسري والمادي وما يتبع ذلك من ظروف يأتي لاحقاً.
من الصعب ألا ترقب تجمعاً أنثوياً في كل مكان في دمشق فمن وظائف الدولة التي أضحت معظمها للنساء، لقلة المقابل المادي أولاً ولتوظيف نساء “الشهداء” وأخواتهم وفق قرارات حكومية.
تتحدث سلوى (23 عاماً) عن صعوبة حياتها وزميلاتها حيث تصف الواقع الوظيفي “بمكان تتنافس فيه الفتيات بالتبرج والتأنق بأفضل الثياب بغية الحصول على فرصة في الزواج وربما تتخذ هذه النية منعطفاً آخراً إلى استسهال وقوع الفاحشة في الأماكن الحكومية، ووقوع تلك الفتيات ضحايا وعود كاذبة بالزواج من بعض الذكور المهيمنين على مقر العمل”، حسب تعبيرها.
كما تصف سلوى، قلة الأجور التي “لا تعوض إحداهن شهرياً عن نصف ما تضعه من مسحوقات التجميل”.
وفي سياق متصل تصف رهف، (29 عاماً) وهي إعلامية في إحدى وسائل الإعلام الحكومية في دمشق، ما يحدث في وظائف الدولة للأنثى بأنه “تحقير للشهادات والكفاءات العلمية والمهنية وبأنه لا يساوي راتب المتسول على باب أحد المساجد في أسوء أيامه”.
وتضيف لنورث برس: “تأخرك عن وسيلة النقل الحكومية من الممكن أن يكلفك ربع الراتب للعودة إلى بيتك في ضواحي العاصمة دمشق وخطورة المواصلات وندرتها يجبر الفتيات على ركوب التكاسي مع أناس لا تعرفهم وتتعرض لما تتعرض من مخاطر وتحرش وما إلى هنالك من صعوبات الحياة التي تواجهها المرأة السورية يومياً”.
أما عن الزواج، فتنتظر ميسون (20 عاماً)، في بيتها وصول “فارس أحلامها الذي لن يصل أبداً”، فوضع أهلها المهجرين لن يستقطب العرسان وضيق بيت الأجرة لن يسمح حتى باستقبال الباحثين عن عروس في دمشق “ولم يبق للفتاة إلا مواقع التواصل الاجتماعي والتعرض للكذب والخداع في باب لا يمكن السيطرة عليه ولا يمكن التخلي عنه بنفس الوقت”، بحسب تعبيرها.
وتضيف ميسون لنورث برس، بأن “النفاق الاجتماعي مطلوب بشدة في هذه الحالة حتى ولو كان من خلال حلقات المساجد ودور العبادة ليلاً للمواظبة على هذا السياق لعلها تجد عريساً خارج الوطن يمكن أن ينهي شقاءها المستمر لعقود من الزمن”.
أما ياسمين فتنفي ما قالته ميسون عن زواج الهجرة، حيث المخاوف أن ينتهي بها الحال “بأحضان زوج لا يملك من العادات والتقاليد والمروءة السورية شيئاً”، وأنها متجهة إلى “سجن لا تستطيع الخروج منه بل وتقع عليها مسؤوليات إرسال مبالغ مالية لأهلها الذين يعانون في سوريا”.
وإلى المسار التعليمي، فقد زهدت أغلب فتيات الجيل بالتعليم، بل اهتمت أكثرهن بتعلم المهن وسط مجتمع يفتقد الأيدي العاملة.
فاطمة (25 عاماً)، عاملة في مصنع للنسيج في الكسوة، تصف تجربتها بعد تركها الدراسة بأنها “الأجدى والأولى” من استنزاف أهلها بمصاريف التعليم في بلد لا يؤمن لها أدنى حقوقها بالوظائف أو الاكتفاء الذاتي.
وتقول فاطمة لنورث برس، إنها تعمل في صناعة النسيج بدوام يفوق العشر ساعات وبراتب يمكن أن يرقى إلى الجيد “تحت معايير رواتب الموظفين”.
ولكنها لا تمتلك وقتاً لأنوثتها أو حتى لأعمال منزلها فهي تعود إلى المنزل لتجد والدتها قد صنعت الطعام واستقبلتها “كما يستقبل الرجال”، وأن أخيها ووالدها منهكون في تأمين الأساسيات في المنزل ولا يستطيعون التخلي عن فاطمة حتى ولو حالفها الحظ في فرصة للسفر أو الزواج.