مقدمة
لا تزال أزمة اللاجئين السوريين مستمرة كواحدة من أطول وأكبر أزمات اللجوء في القرن الحادي والعشرين, فمنذ عام 2011 فر قسراً 6.8 مليون سوري من منازلهم إلى بلدانٍ أخرى وتركوا كل شيء خلفهم في سبيل النجاة بأنفسهم وعائلاتهم, في رحلاتٍ محفوفة بالمخاطر عبر البحار والصحارى بطرقٍ غير شرعية تعرضوا فيها للقتل والتعذيب والاعتقال من قبل حرس الحدود, بالإضافة إلى الاستغلال والاعتداءات الجنسية والجسدية التي تعرضوا لها من شبكات تجار البشر في بلدان اللجوء.
للاجئين السوريين حق في الحياة والحماية, وما يمرون به أثناء رحلة لجؤهم من مخاطر تودي بحياتهم أو تسلبهم حقاً من حقوقهم, بالإضافة إلى ما يعانوه من مضايقات في بلدان اللجوء هو انتهاك فاضح لحقوقهم وللقانون الدولي وقواعد حقوق الإنسان, 6.8 مليون لاجئ سوري ليس مجرد رقم، هؤلاء الأشخاص لهم الحق في الوصول إلى الأمان والحماية والرعاية, ويجب أن لا يتأثر حقهم في الحياة بوسيلة الوصول التي استخدموها للفرار من الحرب, أو أن يتم اضطهادهم لمجرد أنهم سوريين.
التمييز العنصري
يتعرض السوريون في العديد من البلدان للتمييز العنصري وخطاب كراهية ممنهج ومضايقات وصلت لحد ترحيلهم قسراً أو السماح لهم بالموت قبل دخول الحدود, وهي غالباً ورقة ضغط تستخدمها السلطات لحشد المزيد من الدعم.
ويعاني السوريون في دول الجوار ويبلغ عددهم فيها نحو 5.7 مليون لاجئ, من وضعٍ معيشي وظروفٍ إنسانية صعبة وعلى وجه الخصوص القاطنين منهم في المخيمات, وغالباً ما يتم معاملتهم وفق نظام مزدوج، حيث يتم تطبيق معايير أكثر صرامة على السوريين مقارنة بغيرهم من اللاجئين, لذا يعتبرون الأكثر عرضة للاستغلال.
ففي تركيا وبحسب تقرير WALK FREE عن مؤشر العبودية, فإن اللاجئين السوريين معرضين لخطر الاستغلال بما في ذلك قطاع الملابس الذي يعمل فيه نحو 3 آلاف سوري بشكل رسمي إلى جانب 400 ألف يعملون بشكل غير رسمي ودون تأمينات وضمانات لحقوقهم, وأشار التقرير أنهم يعملون لساعات عمل مفرطة وبأجور زهيدة ويتعرضون للتمييز, كما تعرضت النساء والأطفال للاستغلال الجنسي التجاري, والزواج القسري, بالإضافة إلى تطرقه لتجار الأعضاء الذين يستهدفون اللاجئين السوريين الفقراء الذين يبيعون أعضائهم من أجل البقاء.
أما في لبنان والأردن والعراق وبعض دول شمال إفريقيا والأوروبية، الوضع ليس أفضل, ففي الكثير من الأحيان أجبر اللاجئون السوريون على بيع أعضائهم من أجل المال, وتعرضوا للاستغلال من قبل أرباب العمل كونهم يعملون دون عقود, أو وقعوا ضحية لشبكات الإتجار بالبشر أثناء محاولتهم الهجرة إلى أوروبا بطرق غير شرعية, وفي الكثير من الأحيان لم يتم إنقاذهم وتركوا في مواجهة الموت, كما في الكثير من الأحيان تم استهدافهم على الحدود وقتلوا تحت التعذيب بالقرب من الأسوار أو داخل المعتقلات.
الترحيل القسري
تحاول العديد من الدول التخلص من اللاجئين السوريين من خلال ترحيلهم قسراً, بالرغم من معرفتهم أن سوريا لا تزال غير آمنة لعودتهم فكل يوم في سوريا، وبحسب إحصائيات قسم الرصد والتوثيق، يموت أكثر من 35 شخصاً بسبب أطراف النزاع والقصف غير المشروع, عوضاً عن الاعتقالات التعسفية والخطف وغيرها من ضروب المعاملة اللاإنسانية المستمرة في البلاد منذ 12 عاماً.
أجبر براء قدور (28عاماً) وهو نازح مقيم في إدلب المدينة على التوقيع على ورقة العودة الطوعية بعد أن اعتقله البوليس التركي، أثناء ذهابه لرؤية والدته التي دخلت إلى مشفى غازي عينتاب لإجراء عملية جراحية هناك.
حيث اعتقلت الأجهزة الأمنية التركية الشاب وهو طالب في فرع الطب البشري في السنة الثالثة، في منطقة الكراجات في مدينة أنطاكيا بحجة عدم امتلاكه لوثيقة “إذن سفر”، وتم احتجازه لمدة 24 ساعة ثم ترحيله إلى إدلب.
ويقول “قدور” إنه وفي حال تخلفه عن الجامعة دون إذن، سيتم فصله لتضيع رحلة دراسته التي استمرت أربع سنوات، مما سيؤدي لضياع مستقبله وطموحاته في استكمال تحصيله العلمي.
أما أم أحمد (30عاماً) والتي تم ترحيلها قسراً إلى سوريا وتقطن في مخيم الحكومية العشوائي بالرقة, تقول إنها وعائلتها وبقية العوائل السورية، أُجبروا على الرحيل من مخيم 001 جزيرة في مدينة البقاع اللبنانية، بعد أن فوجئوا فجر أحد أيام شهر رمضان، بهجوم لعناصر في الجيش اللبناني على المخيم.
وتضيف: “عاملونا بطريقة عنيفة ضربوا أبنائنا، منهم من هرب خارج المخيم، ومنهم من لقي نصيبه من الضرب على أيديهم. أصحاب الأرض أيضاً هاجمونا بالرصاص لمجرد اعتراضنا على المغادرة، هددونا بحرق الخيم أو هدمها فوق رؤوس الأطفال”.
اضطرت المرأة ومن معها من النازحين للبقاء يومين على الحدود اللبنانية السورية، فعند الترحيل قسراً لم يأتوا بشيء من لوازمهم، ولا حتى أوراقهم الثبوتية التي تخولهم الدخول إلى بلدهم الأم.
هنا ازدادت المأساة، فالأطفال يبكون جوعاً دون طعام ولا شراب، أما الكبار فقد باتوا صائمين ليومين ليلاً مع نهار، حتى تم الأمر بإدخالهم إلى الأراضي السورية.
تشير “أم أحمد” أن عدداً من الشباب الذين رحلوا قسراً، تم إيقافهم عند الحدود السورية منهم من أكمل طريقه إلى هنا ومنهم من لا يزال إلى الآن موقوفاً هناك.
انعدام الجنسية
يعاني معظم الأطفال الذين ولدو في بلدان اللجوء خطر انعدام الجنسية, وبالتالي الحرمان من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية, وهم معرضون بشكل أكبر لخطر الاستغلال في ظل غياب الرعاية والحماية, كما أنهم قد يعانون مشكلة في الوصول لحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والمدنية كونهم لا يملكون ثبوتيات شخصية.
فمنذ اندلاع الحرب في سوريا وبحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين, وُلد أكثر من 50 ألف طفل سوري في المنفى في البلدان المجاورة, ففي دراسة أجرتها المفوضية, خاطر بعض اللاجئين لمحاولة حل وضع أبنائهم عديمي الجنسية, حيث أبلغت بعض الأمهات عن تهريب أطفالهن حديثي الولادة عبر الحدود إلى سوريا من أجل تسجيلهم كما لو كانوا قد ولدوا هناك, وتقول أخريات إن أزواجهن أو أفراد الأسرة الآخرين عادوا إلى سوريا لمحاولة الحصول على الوثائق اللازمة لتسجيل المواليد، وأحيانًا لم يعودوا أبدًا.
النساء والأطفال اللاجئين
تعتبر النساء والأطفال الفئة الأضعف من بين اللاجئين فهم أكثر عرضة للاستغلال الجنسي والجسدي.
فبالنسبة لزواج القاصرات، أظهرت بعض الدراسات زيادة مُرعِبة في نسب الزواج المُبكّر للسوريّات حيث بلغت النسبة في سوريا 50%, وأيضاً 41٪ من الفتيات السوريات في لبنان تزوجن قبل سن 18 عاماً, بينما في الأردن بلغت النسبة 36% وفي تركيا بلغت نسبة المتزوجات 45% تحت سن 18عاماً، بما في ذلك 9% تحت سن 15عاماً.
وتتسارع نسبة زواج القاصرات في مجتمعات النزوح لأسباب مُتعلّقة بانعدام الأمن وظروف النزوح والتّهجير, إذ تجبر بعض العائلات بناتها الصغيرات للزواج في سنٍّ مُبكّر, خوفاً عليهنّ من الخطف والتحرُّش والاغتصاب وأيضاً العوز الاقتصادي سواءً في المدن أو داخل المُخيّمات.
أما بالنسبة لعمالة الأطفال بين اللاجئين السوريين, فيبلغ عددهم مئات الآلاف, فهؤلاء الأطفال يواجهون صعوبة في الوصول إلى حقوقهم, وسط ضغوط اجتماعية واقتصادية تعاني منها عائلاتهم, فيجبرون على الخروج للعمل من أجل العيش, ولا يغيب مشهد نبش حاويات القمامة والعمل في أعمال خطرة لا تناسب بنيتهم من ظروف اللجوء التي كانت من المفترض أن تمنحهم أبسط حقوقهم في الرعاية الصحية والتعليم والرفاهية.
والجدير بالذكر أنه يترتب على عمالة الأطفال آثار سلبية، جسدية ونفسية على الأطفال، حيث يعانون من إرهاق بدني وعقلي ويفتقرون إلى فرص التعليم والاستمتاع بطفولتهم, كما أنها تعيق تنمية المهارات والقدرات الفردية للأطفال وتعرضهم للخطر والإهمال, في ظل غياب الرقابة والحماية الكافية لهم.
إن اللاجئين السوريين يعانون من الفقر والعوز والحاجة إلى الخدمات الأساسية مثل الغذاء والماء والسكن والرعاية الصحية, بالإضافة إلى ذلك، يواجهون تحديات كبيرة في مجال التعليم والحصول على فرص عمل, إن الحق في الحياة الكريمة هو حق أساسي لكل إنسان، بغض النظر عن جنسيته أو خلفيته, فاللاجئ السوري يستحق بلا شك العيش بكرامة.
لذا يجب على المجتمعات الدولية والمنظمات الإنسانية توفير وسائل آمنة وقانونية لوصول اللاجئين السوريين إلى الحماية والمساعدة, كما يجب تيسير الإجراءات للحصول على حق اللجوء وتسهيل الإجراءات لإعادة التوطين واللجوء البديل للأشخاص الذين يحتاجون إلى ذلك.
كما يجب على الدول المستضيفة أن توفر حماية للاجئين وتعمل على توفير الخدمات الأساسية لهم وتمكينهم من الاندماج في المجتمعات المحلية, وعدم ترحيلهم قسراً.
وأيضاً على الدول الالتزام بالمعايير والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي هي جزء منها, والتي تعزز حماية حقوق اللاجئين وتمنع تعرضهم للمعاملة السيئة أو الترحيل إلى مناطق قد تكون خطرة عليهم, وتضمن وصولهم لحقهم في الحياة والحرية والأمان وعدم التعرض للتعذيب وغيرها من ضروب المعاملة اللاإنسانية.