دمشق بعد منتصف الليل.. عاصمة المومسات

هاني شهاب ـ دمشق

في تمام الساعة الثامنة ليلًا بتوقيت دمشق، ينتهي دور المواطن ذو الدخل المحدود، ويبدأ دور النوادي الليلية. تشتغل الإضاءة من خلال تشكيلة “ليدات النيون” الساطعة لتضيء كلمة “كباريه”.

هنا يأتي الرجال من كل مكان، وقد يتجمّع بعضهم قبل بدء دخول النادي في كافتيريا من طابقين، ذات سمعة سيئة، تقع في ساحة السبع بحرات. هناك تصطف لوحات السيارات، إنها ليست فقط من سوريا، ولكن الإمارات، لبنان، والمملكة العربية السعودية.

قاصرات يعملن كمومسات

معظم المومسات من المراهقات، والعديد منهن نازحات من محافظات أخرى بسوريا.  يرقصن من أجل النقود التي ترمى على المسرح. الراقصات مطوّقات بحراس شخصيين لمنع لمسهن من قبل الرجال، لكنهم بنفس الوقت، يرتبون عمليات الدفع من قبل الزبائن لقاء ممارسة الجنس مع إحداهن.

فرت هبة البالغة من العمر (16 عامًا) مع والدتها من دير الزور. بعد ثلاثة أشهر من وصولهما دمشق، قال لاجئون آخرون لأم هبة: “لديك ابنة وسنها مناسب، دعيها تذهب إلى العمل. لا يوجد خيار آخر” خصوصًا وأن الأم الأربعينية تعاني من مضاعفات مرض السكري.

لاحقًا، عثرت هبة على عمل في كازينو بمنطقة الربوة جنوب العاصمة، حيث تشتهر نوادي تلك المنطقة على أنها “كازينوهات النخبة”.

قامت أم هبة، باصطحاب ابنتها للعمل بأول ليلة لها في الكباريه. وبعد حالة من الثمالة، بدت أم هبة وهي تحاول الصراخ بصوت عالٍ بوسط ضجة الآلات الموسيقية في الملهى: “ذات مرة كنا محترمين”.

وأشارت إلى ابنتها وهي ترقص على المسرح مع عشرين فتاة أخرى. كانت هبة ترتدي فستاناً وردياً بأشرطة ضيقة، وأكتافها الضعيفة العارية مضاءة بوميض من الأضواء الكاشفة الملونة.

في هذه الأثناء، صعد رجل مسن إلى المسرح وبدأ يرقص وسط حشد من الفتيات، وهو يلوح بذراعيه بشكل أخرق.

استأنفت أم هبة حديثها لنورث برس: “فقدنا كل شيء في الحرب، لقد فقدنا شرفنا”. وأصرّت على عدم ذكر سوى جزء من اسمها في التقرير “أم هبة”.

 قوادون حول الأكشاك

كل من يعيش الآن في دمشق لا يمكنه إلا أن يعرف بعض النساء اللائي يتاجرن بأنفسهن أو يعملن في نوادي السهر، يقول هاني، وهو “قواد” سوري: “الفتيات الصغيرات مفضلات لأنهن نظيفات ورخيصة الثمن”.

حتى في وسط دمشق، يتجمع “القوادون” حول الأكشاك مع الشاورما والعصائر الطازجة، ويلتقطون الزبائن، ويصادف أيضًا أن تقترب النساء من الرجال في الشارع (وهو أمر لا يمكن تصوره في الثقافة المجتمعية السورية) ويسألن إذا ما كان يرغب بشرب فنجان قهوة.

نظرة على ضواحي العاصمة

ملهى ليلي في جرمانا يقدم عرضاً مسرحياً على الطراز الديري، عزفت فرقة مكونة من 10 موسيقيين في العرض الافتتاحي، ثم أعلن منسق السهرة: “اسمحوا لي أن أقدم لكم أفضل المشاهد، الصوت الأكثر ذهبية، نجمة البهجة، ريماس”.

صعدت ريماس، الشابة، على المسرح وغنت أغنية حزينة: “بعد الدير مابي وطن يا ناس”. ثم حلّقت حولها أربع نساء يرتدين فساتين قماشها على غرار جلد الفهد، ولوّحن بشعرهن الطويل. في إطار الأضواء الكاشفة الملونة، بدت بشرتهن مخضرة.

عندما نزلت الراقصات عن المسرح وتجولن في القاعة. قالت إحداهن وتدعى “سحر”، إنها من منطقة الميادين في دير الزور، لكنها تهجرت. ووفقًا لها، فهي “مستعدة لمغادرة الكازينو مع زبون مقابل 200 ألف ليرة سورية لمدة ساعة، أما قضاء ليلة معها فيستلزم الأمر 500 ألف ليرة”.

دعارة بخدمات رخيصة

بين المومسات اللائي يعملن في دمشق، يعتبر مبلغ  100 إلى 200 ألف ليرة في الساعة أجرًا جيدًا. وبعض المومسات في الكازينوهات المزدحمة ضمن دمشق يكسبون أقل بكثير.

رفض ظافر، الذي لم يرغب في الكشف عن اسمه الأخير، التحدث عن نساء وفتيات النادي، لكنه اعترف بأن معظمهن “مومسات”. قال: “السعر بالساعة. لديهم زبائن دائمين”.

هناك، يُسمح بلمس أكتاف الفتيات، ثم يتم تبادل أرقام الهواتف، الدعارة المفتوحة غير مرحب بها. يمكن فقط المغازلة علانية هنا. وفقط في وقت لاحق أو في اليوم التالي يكون هناك اتصال جنسي.

رسميًا، لا يمكنك العثور على خطأ في أي شيء، في النهاية، صورة الرئيس السوري بشار الأسد معلقة فوق الباب الأمامي للنادي.

اقتصاد قومي تنعشه الدعارة

تغرق دمشق بالآفة، فالمدارس غاصة، وأسعار المواد الغذائية والخدمات ارتفعت بشكل كبير، والبنية التحتية للبلاد مكتظة. وبالتالي، لا توجد مؤسسات طبية واجتماعية للنساء.

يقول سعدون ماهر، رجل الأعمال الحلبي المقيم في دمشق، إن “تدفق الفتيات في شوارع دمشق سينخفض ​​فقط بمجرد تحسن الظروف في الوطن”.

وبرأي “ماهر”، فإن التحسن الاقتصادي “لا يُستدل عليه إلا برؤية أهل الخليج في الشام”، يضيف: “لقد عاد أهل الخليج من جديد إلى الكباريهات، سوف ينتعش الاقتصاد السوري، هناك العديد من السعوديين، يرتدون أردية بيضاء طويلة تقليدية – جلابية – وشماخ رأس باللونين الأحمر والأبيض”.

يضيف ساخرًا: “يبدو أنهم لم يخجلوا على الإطلاق من حقيقة أنهم يمارسون الجنس بينما كانوا سيواجهون عقوبة الإعدام في وطنهم على نفس الأمر”.

أما سامر، هو لبناني الجنسية ويزور دمشق في بعض الأحيان للسهر والترفيه، حتى بوقت الحرب الأخيرة، فإنه لم ينقطع يومًا عن الزيارة.

يقول لنورث برس: “أحب المشي بالسيارة عبر دمشق ليلاً، عندما تومض أضواء متعددة الألوان فجأة في جبل قاسيون. أشعر أنها مثل لاس فيجاس”.

يستأنف حديثه: “أنا أعرف طفلة بعمر 10 سنوات ادعت أنها بعمر 14 فقط كي تعمل في كباريه ضمن دمشق”.

هؤلاء الفتيات “لا يبعن أجسادهن هنا لشراء المخدرات أو السلع الفاخرة، إنها مجرد مسألة بقاء”.

فتاة سورية تحصل على 100 ألف ل.س في الليلة الواحدة، تقول: “لكن الإيجار وحده يكلف مليون ونصف”، كما أوضحت لاحقًا.

وأصبحت المواعدة عبر الإنترنت أيضًا شائعة جدًا في دمشق، لأن الاقتراب في الحياة الواقعية صعب بسبب الطبيعة الإسلامية للبلاد. 

وبالنسبة للأشخاص الخجولين والمترددين، فإن المواعدة عبر الإنترنت “مفيدة جدًا”. في هذه الحياة السريعة، ينشغل الناس بعملهم ولا يحصلون سوى على القليل من الوقت للتعارف والعلاقات.

 تساعد مواقع المواعدة عبر الإنترنت الأشخاص على الترفيه وتلبية احتياجاتهم ورغباتهم.

في دمشق، أقدم مدينة مأهولة في العالم، تم حظر أقدم مهنة رسميًا. ولكن في الوقت نفسه، مع حلول الظلام، تفتح عشرات النوادي، ويمكن لأي عسكري أو شرطي يقوم بدوريات ليلية أن يقول إنه يعرف بالضبط ما يحدث في هذه الأماكن، وأن هناك مراهقين يمارسون الدعارة ضمنها.

ولكن كيف يمكن للسلطات أن تفعل شيئًا من هذا القبيل، في حين أن كل ما يتعلق “بالحب الفاسد” سواء كان تماس أو قبلة تحت شجرة في حديقة، يعاقب عليه القانون، وقد يصل إلى السجن لمدة تصل إلى 3 سنوات. ذلك، يفسره فقط، الدور الذي يلعبه الفساد في دمشق.

تحرير: تيسير محمد