في كوباني.. والدة تأمل رؤية جثمان ابنها قبل دفنه بعد أعوام من الغياب
فتاح عيسى – كوباني
بينما تجلس النسوة يعزينها ويواسينها بفقدان ابنها وعائلته، تمسك جميلة صوره المطبوعة تطالع بعيونه تارة، وتقلب بين صوره التي أرسلها على الجوال، وفي هذه الأثناء لا تفارقها الدموع.
وتترقب المسنة جميلة بكر عودة جثامين ضحايا غرقوا في البحر قبالة سواحل الجزائرية، لتودع جثة ابنها مسعود وزوجته وطفلتهما وتراهم للمرة الأخيرة قبل دفنهم، كانت تود أن يكون اللقاء غير ذلك بعد غياب استمر لنحو 15 عاماً.
وجميلة بكر (60 عاماً) من كوباني، والدة مسعود مصطفى محمد (34 عاماً) الذي غرق في البحر مع زوجته علا عبد الرزاق (23 عاماً) وطفلتهما لارين محمد (4 سنوات) إلى جانب مهاجرين آخرين أغلبيتهم من كوباني في الرابع من حزيران/ يونيو الجاري.
وكان قارب يحمل نحو 25 مهاجراً غالبيتهم من كوباني، بينهم نساء وأطفال، انطلق من شواطئ مدينة أرهاط التابعة لولاية تيبازة الجزائرية، باتجاه إسبانيا، فجر الرابع من حزيران/ يونيو الجاري، وأُبلغ عن غرقه بعد ساعات، نجى منه طفل واحد من كوباني.
درس مسعود في كوباني حتى وصل إلى الصف التاسع، ولكن شغفه بمهنة الخياطة دفعه لاتباع دورات في تعلم المهنة في كوباني، ثم في مدينة حلب قبل نحو 15 عاماً، تقول الوالدة التي لم تره منذ ذلك الحين.
وبينما تحاول أن تقطع سيل دموعها، لتتابع حديثها لنورث برس، تسرد “بعدها انتقل إلى لبنان قبل نحو 14 عاماً وعمل في مهنة الخياطة بعد أن أتقنها في سوريا، تزوج هناك قبل نحو خمسة أعوام ورزق بطفلة اسموها لارين”، وتبقى في نفسها حسرة أن تأخذ ابنها وابنته بالأحضان، لكن القدر حال دون ذلك.
القدر؛ الذي حرم “جميلة” من رؤية ابنها، ذاته الذي دفعه للتفكير بالهجرة إلى أوروبا قبل أكثر من عام بعد تراجع عمله في لبنان، وقلة فرص العمل في مسقط رأسه، وبعد أن شجعه إخوته في أوروبا للحاق بهم، حيث توجه إلى الجزائر قبل عام وثلاثة أشهر على أمل اللجوء إلى أوروبا بحراً.
حاول مسعود وبواسطة مهربين اللجوء إلى أوروبا ولكن الحظ لم يحالفه، رغم أن عائلات كثيرة سبقته ووصلوا إلى أوروبا، تقول والدته، إنها أخبرته بأن يؤجل السفر إلى فصل الصيف حيث تخف موجات البحر، لكنها لم تعلم أن طلبها لن يؤجل “منيته” ليغرق في البحر الذي حذرته منه.
ولمسعود خمس إخوة أحدهم في بلغاريا والثاني في هولندا والبقية في ألمانيا، بحسب الوالدة.
تعيش والدة مسعود ووالده في قرية قره مزرة/ قره مزرعة 10 كم جنوبي كوباني، في ظروف اقتصادية صعبة في ظل تراجع إنتاج المواسم الزراعي، ورغم امتلاكهم عدة هكتارات من الأراضي ولكن العائلة لا تعتبره مورداً مستداماً، الأمر الذي دفع بأبنائها للتوجه إلى الدول الأوروبية بحثاً عن فرص العمل، بحسب “بكر”.
تقول “بكر” إن ابنها “مسعود” أخبرها أنه لم يعد يحتمل المصارف المرتفعة بعد أن أصبح لديه عائلة، ولا يوجد فرص عمل في المنطقة، ولذلك قرر الهجرة، حين خرج من مقر إقامته في الجزائر في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، كان قد أخبرها.
وكانت تتواصل مع ابنها عبر الهاتف مرتين في اليوم قبل غرقه، ويخبرها كيف يؤجل المهرب رحلتهم يوماً بعد يوم.
ترض ابنها لـ”النصب” أكثر من مرة، حيث أخذ المهربون نقوده عدة مرات، فاضطر إخوته لإرسال المال له مرة ثانية.
وتتحسر “بكر” على إخوته الذين كانوا بانتظاره ليصل إليهم ويجتمعوا سوية في أوروبا، ولكن الحظ لم يحالفه.
وتناشد الأم بإعادة جثامين ابنها وزوجته وطفلتهما كي تستطيع زيارتهم في أيام الجمعة وقراءة الفاتحة على أرواحهم، لأن بقاء جثامينهم في الغربة سيزيد من معاناتهم.
لأنها لم تر ابنها كثيراً وهو على قيد الحياة، وتأمل أن ترى وجهه ووجوه أفراد عائلته بعد وفاتهم، في الوقت ذاته هي متيقنة أن غرقه “قضاء الله وقدره”.
لكن تبقى لديها حسرة رؤيته، حيث لم تره منذ 15 عاماً، خاصة أنها لم تستطع أن تحضر حفل زفافه وتكون إلى جانبه عندما تزوج في لبنان، كذلك لم تر زوجته وطفلته.