انهيار الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي يجمد أسواق إدلب

مؤيد الشيخ ـ إدلب

في مخيمات أطمة للنازحين على الحدود السورية التركية شمالي إدلب، شمال غربي سوريا، اضطر الثلاثيني أمجد الياسين، مؤخراً إلى إغلاق محله التجاري الذي كان مصدر دخله الوحيد نتيجة الخسائر الكبيرة التي تكبدها بعد انهيار الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوياتها خلال الأيام القليلة الماضية.

ومنذ مطلع الشهر الجاري، شهدت الليرة التركية انهياراً قياسياً هو الأول من نوعه أمام الدولار الأمريكي، حيث سجلت في أسواق إدلب، حتى نهاية الأسبوع الماضي، 23.8 للمبيع و23.4 للشراء، وفقاً للنشرة الصادرة عن تطبيق اتحاد الصرافين في إدلب.

وذلك بعد أن كانت بـ 21 ليرة للدولار الأميركي الواحد، وتسبب ذلك الانهيار بتأثر أسواق إدلب حيث بدأت تشهد حالة من الركود بسبب ارتفاع الأسعار وتقلب سعر الصرف.

يقول أمجد الياسين (35 عاماً) وهو من نازحي ريف حماة في مخيم الجزيرة قرب بلدة أطمة شمال إدلب، لنورث برس، إنه أغلق محله بشكل مؤقت بسبب تقلب سعر الصرف وانهيار الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي.

إذ كبده ذلك خسائر كبيرة لا سيما وأنه يشتري جميع بضائعه بالدولار الأمريكي ويضطر لبيعها لزبائنه بالليرة التركية التي يتقلب سعرها في اليوم عدة مرات.

ويضيف “الياسين”، أن أغلب الخسائر التي يتكبدها أصحاب المحال التجارية الصغيرة التي تبيع بـ “المفرق” هي بسبب “الديون”.

أوضاع صعبة

إذ أن النازحين في المخيمات يعانون من أوضاع معيشية واقتصادية في غاية الصعوبة، ومعظمهم إن لم يكن جميعهم يعيشون على السلال الغذائية التي تقدمها المنظمات من شهر لآخر، حيث أن الجميع يستدين من محال السمانة والخضار حاجيات منزله بالليرة التركية ويسدد ديونه عند استلام السلة وبيع قسم منها، حيث يخسر هنا البائع بسبب فرق سعر الصرف بين يوم وآخر، مثل أول الشهر وآخره.

والمبلغ الذي خسره “الياسين”، هذا الشهر والذي كان السبب الرئيس في إغلاق محله، “يزيد عن 150 دولاراً، وذلك فرق صرف فقط أثناء تسديد الديون من قبل الزبائن، حيث أنهم اشتروا بمبالغ معينة عندما كانت الليرة بـ 21 ليرة، وسددوا ديونهم عندما أصبحت الليرة بما يقارب الـ 24.

ويضيف: “وبحسبة بسيطة إنني أخسر بكل دولار ثلاث ليرات تركية وأقل زبون يزيد المبلغ الذي يستدينه عن 20 دولاراً، كما أن معظم الزبائن لا يتقبلون فكرة تحويل البيع إلى الدولار أو تثبيت الدين على الدولار، وإن أجبرتهم على ذلك فسوف تخسر زبائنك وبالتالي فكرة إغلاق المحل هي الوحيدة التي كانت مناسبة، رغم أنها كانت سبباً في معيشة أسرتي المؤلفة من عشرة أفراد”.

وفي حزيران/ يونيو 2020، أعلنت الحكومات المسيطرة على شمال غربي سوريا “الحكومة السورية المؤقتة وحكومة الإنقاذ في إدلب”، استبدال الليرة السورية بالتركية، وتسعير البضائع بالليرة التركية، جراء فقدان العملة السورية قيمتها أمام الدولار الأمريكي وتذبذب سعر صرفها والخسائر المتتابعة التي لحقت بها.

وباتت الأسعار اليوم تفوق قدرة عامر المحمود (39 عاماً) وهو من نازحي جبل الزاوية جنوبي إدلب، الشرائية، حيث أن أسطوانة الغاز اليوم بات سعرها يصل إلى نحو 320 ليرة تركية (115 ألف ليرة سورية)، في حين أن أجره اليومي الذي يتقاضاه من عمله في الأراضي الزراعية لا يتجاوز الـ 50 ليرة تركية، إذ أنه يضطر للعمل لأكثر من أسبوع ليتمكن من شرائها هذا إن لم يشترِ شيئاً آخراً.

يقول لنورث برس: “عائلتي المؤلفة من سبعة أفراد وبعد تخفيض وزن ربطة الخبز إلى 450 غرام باتت تحتاج بشكل يومي لست ربطات بسعر 30 ليرة تركية، إذ أن ثلث الأجر الذي أحصل عليه هو ثمن للخبز فقط، في حين أن العشرين المتبقية لم تعد اليوم تكفي لشراء كيلو بندورة وكيلو باذنجان”.

ويضيف: “في الحقيقة إن استمر الوضع على ما هو عليه، أنا أؤكد أن معظم الناس سوف تضطر لأن تشحذ”، على حد قوله.

“الإنقاذ تستغل الشعب”

وحمل المحمود حكومة الإنقاذ مسؤولية ما يجري في إدلب، “نرى أن الحكومة هي من تقوم باستغلال انهيار الليرة التركية لرفع الأسعار على الشعب، وفي الوقت نفسه لم تتخذ أي إجراءات للحد من تلاعب التجار بالأسعار واحتكارهم لبعض المواد والسلع الأساسية”.

بدوره يشير الخمسيني عبد الباري حاج أحمد، وهو صاحب مخزن لبيع المواد الغذائية بالجملة، في مدينة إدلب، لنورث برس، إلى أن الأسواق وبشكلٍ عام تشهد حالة من الركود منذ نحو أسبوعين بسبب الانهيار المستمر بسعر الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي.

إذ أنه وكصاحب محل جملة يضطر لبيع جميع بضائعه بالدولار الأمريكي، ورغم أن ذلك لا يؤثر عليه إن ارتفع سعر الليرة التركية أو انخفض، إلا أنه يؤثر على الزبائن الذين يشترون منه بالدولار الأمريكي ويبيعون بالليرة التركية حيث أن معظم هؤلاء تكبدوا خلال الأيام الماضية خسائر كبيرة لا سيما وأن معظمهم يبيع بالدين.

وأشار “حاج أحمد” إلى أن استمرار انهيار الليرة التركية بهذا النسق أمام الدولار سوف يزيد من معاناة السكان في المنطقة ككل، لا سيما وأن معظمهم يتقاضون أجورهم بالليرة التركية والجميع يعلم أن الأجور مقارنة بسعر الدولار حالياً لا تتناسب نهائياً، إذ أن الأجور ثابتة في حين أن الأسعار ترتفع عند كل هبوط لليرة أمام الدولار.

تحرير: تيسير محمد