مع صعوبة تأمين الخبز.. السياحة خارج اهتمامات السوريين
ليلى الغريب ـ دمشق
يجيب السوريون بنوع من التندر عن أي استفسار حول خطتهم السياحية مع قدوم فصل الصيف، إذ كيف يمكن لمن يصعب عليه تأمين الطعام والشراب أن يفكر في السياحة كتعقيب على هذا السؤال؟
يقول عمر محمد، لنورث برس: “دعونا نؤمن تكاليف المونة ومن بعدها يمكن أن نفكر بالسياحة مع راتب لا يكفي لتسديد سعر الخبز”.
ويشير إلى أنه في السابق كان يشترك في جمعية مع رفاقه في الدوام تمكنه من قضاء ما لا يقل عن 5 أيام على البحر مع أسرته في شاليهات داخلية تبعد عن البحر مما يجعلها بسعر أقل.
ليس متاحاً
الآن كل هذا لم يعد متاحاً، بعدما أصبحت تسعيرة يوم الشاليه لا تقل عن 400 ألف ليرة مع كهرباء، وتصل إلى مليون ليرة لعائلة في شاليه يوفر الكهرباء.
وتشير إحدى العاملات في مؤسسة حكومية أن لديهم شاليه في اللاذقية، ولكنه تعرض لأضرار كثيرة خلال الحرب، وأنهم لم يتمكنوا من إعادة تأهليه بشكل يمكنهم من استخدامه.
وحتى لو تم إصلاحه، “لن نتمكن من الوصول إليه بسبب تكاليف الوصول من دمشق إلى اللاذقية. فالأمر كان ينقضي بمبلغ لا يتجاوز 100 ألف ليرة سورية لتمضية أيام على البحر، أما الآن فهذا المبلغ لن يكفي لتأمين المحروقات للسيارة”.
حتى لزيارة الأهل
الأمر لا يتوقف عند صعوبة القيام بنشاط سياحي، بل حتى زيارة الأهل والأقارب في المحافظات الأخرى أصبح أمراً صعباً، بل يكاد يكون شبه مستحيل لدى الكثير من العائلات، لأن سعر بطاقة السفر من دمشق إلى اللاذقية وصلت إلى 15 ألف ليرة، أي أن كلفة السفر لعائلة مؤلفة من 4 أشخاص تصل إلى 60 ألف ليرة.
تضيف نهلة حسن، لنورث برس، أنها لم تزر أهلها منذ عامين في قرية بجبلة لأن لديها أربعة أولاد، وتحتاج إلى سيارة لتقلها من مدينة جبلة إلى قرية أهلها الجبلية، وأن أي سفره ستراكم عليها الديون لأكثر من عام.
وهذا الحال حرمها ليس من زيارة الساحل والترويح عن النفس من زحمة دمشق، بل حتى من رؤية أهلها أيضاً.
تنشر وزارة السياحة معلومات عن تخصيص مناطق للسياحة الشعبية، إضافة لشاليهات منطقة وادي قنديل في اللاذقية، ومشروع شاطئ الكرنك الذي يضم 65 شاليهاً خشبياً، إضافة إلى مشاريع أخرى في الساحل لصالح السياحة الشعبية. ولكن هل يمكن لعامة الشعب أن ترتاد هذه الأماكن السياحية؟
يقول مصدر في السياحة، “يمكن لأصحاب الحرف الذين تتماشى مداخيلهم مع الأسعار أن يقضون أياماً في تلك الأماكن، ولكن يتجنب الكثيرون الذهاب إلى المناطق الساحلية بسبب الأوضاع الأمنية والخوف وكثرة الحواجز”.
ويضيف لنورث برس: “من يرتادون المواقع السياحية في سوريا هم فئة محدودة لا تشكل أكثر من 5% من عامة الشعب السوري”.
بلا معيل
وباستثناء ذلك لن يتمكن أي موظف أو صاحب دخل محدود من زيارة هذه المنشآت أو الاستفادة منها.
وبين المصدر أنه كان من الأولى بالكثير من النقابات والاتحادات أن تؤمن لموظفيها الشاليهات بأسعار تتناسب مع المداخيل المنخفضة، كما الحال مع اتحاد الصحفيين مثلاً، فما الذي يحول دون قيام الاتحاد باستثمارات في هذا المجال وتمكين الصحفيين من قضاء أيام في شاليهات مستثمرة للاتحاد بأسعار رمزية لأعضائه؟
ولكن إذا كان غالبية الصحفيين لا يستطيعون دخول النادي المخصص لهم، فهل سيكون هنالك من يفكر بتوفير منشآت سياحية بأسعار مناسبة؟ حسب قول أحد الصحافين العاملين في وسيلة حكومية.
ولفت إلى أن الجهة الوحيدة التي تؤمن شاليهات بأسعار مناسبة هم شاليهات الضباط فقط.
عصية أيضاً
لا تقتصر صعوبات النشاط السياحي على أبناء المحافظات البعيدة عن البحر فقط، بل الأمر يطال حتى أبناء الساحل أنفسهم، حيث أن غالبيتهم لا يزور البحر أيضاً، والكثير من العادات التي كانت شائعة كنوع من ممارسة السياحة توقفت بسبب تكاليفها.
يقول رامي أحمد، من سكان الساحل لنورث برس، إن السياحة التي يمارسها سكان الساحل تكاد تقتصر على السباحة فيما بقي من الأماكن العامة من البحر، وهي ليست كثيرة، إذ أنه تم استثمار كل الشاطئ، بحيث لم يبق أماكن للناس تسبح فيها مجاناً سوى في مناطق صخرية لا تصلح للسباحة خاصة مع الأطفال.

ويضاف لهذا تكاليف المحروقات التي جعلت الكثير من الناس تعدل عن فكرة الذهاب إلى البحر، باستثناء حركة محدودة على الدراجات النارية.
في الطبيعة
أما الطقس السياحي الآخر الذي تخلت عنه الكثير من العائلات فهو السياحة إلى المقامات الدينية حيث الطبيعة الخلابة مع توافر بعض الخدمات كالماء وأدوات الطبخ.
لكن تؤكد أم جمال لنورث برس، أن هذا الطقس لم تعد العائلة تقدم عليه، إذ أن أي رحلة كهذه ستكلف مبلغاً لا يقل عن 100 ألف ليرة، إذ أن عليهم أن يصطحبوا معهم فروجاً كحد أدنى التزاماً بطقس شواء الفروج في المشوار، وهذا لن يقل سعره عن 35 ألف ليرة.
وأنه حتى إذا تم الاستغناء عن السيارة الخاصة والاقتصار على الدراجة النارية لن تقل التكلفة عن 20 ألف ليرة للبنزين فقط، لأن سعر ليتر البنزين 10 آلاف ليرة، وحاجة أي مشوار لن تقل عن ليترين.
لكل هذا تؤكد أم جمال، أنهم أقلعوا عن القيام بالنوع الوحيد من السياحة منذ سنوات، وبعد الغلاء الأخير أصبح الأمر شبه مستحيل.
غير مؤهلة
تعول وزارة السياحة على السياح العرب وتتحدث عن أعداد متوقعة لسياح تفوق المليونا قادم هذا العام، بعدما أصبحت أغلب المعابر الحدودية مفتوحة كما تشير توقعات الوزارة.
ولكن انتقد خبراء اقتصاد، هذه الأرقام التي تعلنها وزارة السياحة، وشدد الخبير الاقتصادي عصام معلا (اسم مستعار) لنورث برس، على أن “سوريا غير مؤهلة لاستقبال هذه الأعداد من حيث النقص الكبير في الخدمات خاصة الكهرباء والمحروقات بل حتى الخبز”.
يضيف أحد العاملين في مكتب سياحي، أن غالبية السوريين لم يعد بإمكانهم الترفيه عن أنفسهم بأي نوع من أنواع السياحية، في حين تأتي المجموعات السياحية من دول مجاورة كالعراق مثلاً.
وروى الرجل لنورث برس، بالكثير من الدهشة، طريقة “الإنفاق والبذخ” لمجموعة عراقيين أمضوا أسبوعاً في سوريا يتنقلون بين الساحل ودمشق، يرتادون أفضل المطاعم، والفنادق، وأنه زار معهم أماكن لن يتاح له معرفتها لو عاش عمراً آخر بذات الطريقة بسبب تكاليفها المرتفعة.
ولكن كما يمكن للجميع أن يتنعم بخيرات سوريا أكثر من أبناءها كذلك الحال مع مواقعها السياحية.