الحكومة تتغنى بدعم القطاع الزراعي.. فهل يحظى المنتجون بالدعم حقاً؟
ليلى الغريب ـ دمشق
لا يوفر مسؤولو الحكومة السورية فرصة للحديث عن الدعم الذي يُقدم خاصة للقطاع الزراعي، و”التكاليف” التي تتحملها الخزينة في سبيل ذلك، حتى أن رئيس مجلس الوزراء حسين عرنوس، قال خلال لقاء جمعه مؤخراً بممثلي اتحاد الفلاحين، إن ذلك القطاع “يكسر ظهر الحكومة” في موضوع الدعم، حسبما ذكر عضو في الاتحاد.
عرنوس قال إن “ذلك القطاع لن يستمر إذا لم يتلقَّ الدعم”، وأشار إلى أن سعر ليتر المازوت يقدم للمزارعين بمبلغ 700 ليرة سورية، في حين تصل كلفته إلى 7500 ليرة، أي أن الحكومة تتقاضى 9% فقط من قيمة المازوت المقدم لهم.
ما يثير تساؤلاً فيما إذا كان المزارعون يحصلون على الدعم حقاً من قبل الحكومة، كما أشار عرنوس؟
أي دعم؟
يصف عضو في اتحاد الفلاحين، الحديث عن كتلة الدعم بأنه “مضلل”، ويقول لنورث برس، إنه “لا وجود لدعم في القطاع الزراعي”، وكمثال يتحدث عن محصول الشوندر السكري الذي يجب أن يعادل الكيلو منه 3 آلاف ليرة حسب قيمته الحقيقية، بينما تشتريه الحكومة بسعر 400 ليرة.
ويوضح أن “كيلو الشوندر ينتج عنه 150 غراماً من السكر، وسعر هذه الكمية يعادل 1500 ليرة إذا كان سعر الكيلو 10 آلاف ليرة، يضاف إليها 1500 ليرة سعر المكونات العلفية وهو ما يجعل سعر كيلو الشوندر الحقيقي 3 آلاف ليرة، بينما يتلقى المنتج 400 ليرة فقط، وبعد توصيل إنتاجه إلى المعمل، علماً أنه يمكن أن يباع لاستخدامه كعلف، ومن أرضه بنحو 600 ليرة، إذ إن سعر التبن من أرضه يعادل 600 ليرة”.
فهل يسمى ذلك دعماً؟ إذا أعطوا المزارع ليتري مازوت لكل دونم، و10 كيلوغرامات من السماد (وهو ما لم يقدموه)، “فعن أي دعم يتحدثون؟”، يقول العضو في اتحاد الفلاحين.
وطالب المصدر الحكومة، بأن “تضع سياسة الدعم جانباً، وتقدم للمنتجين كتلة نقدية عوضاً عنها”.
للسيارات الخاصة
ولفت التنموي عباس سعيد (اسم مستعار) إلى الخطاب الحكومي المتكرر الذي تحسب فيه سعر ربطة الخبز، وتقول إنها تُباع بكذا بينما تكلفتها كذا.. وتساءل: “ما علاقة الفلاح بكل هذا؟
وقال إن الدعم الآن “يختصر بكيلوغرام من الرز ومثله من السكر، وجرة غاز كل شهرين، و50 ليتر مازوت، لمن يستطيع الحصول عليها”.
وتساءل أيضاً: “هل يحسب هذا الدعم للفلاح، إلا إذا كانوا يقصدون الدعم الذي يقدم للسيارات الخاصة من دعم الفلاحين الذين يشترون ليتر البنزين لتشغيل دراجاتهم بمبلغ 10 آلاف ليرة، بينما يبلغ أعلى سعر لتلك المادة بالنسبة للسيارات 4900 ليرة، وحتى الأوكتان، 7600 ليرة، أما الدراجة فيحتاج صاحبها إلى ليتر كل يومين أي نحو 300 ألف ليرة شهرياً”.
إما السوق السوداء.. أو الخسارة
خيار السوق السوداء أو الخسارة، رأي يشترك فيه أغلب المزارعين أيضاً، إذ كانت الشكوى من عدم استلامهم السماد متشابهة في مختلف المحافظات، إضافة إلى المتطلبات الأخرى.
بعض منتجي القمح، شددوا في حديث لنورث برس، على أن المخصصات من السماد الآزوتي “تأخرت كثيراً”، الأمر الذي اضطرهم للشراء من السوق السوداء.
ويصبح المزارع بعد الزراعة أمام خيارين، بحسب منتجي قمح، فـ”إما الشراء بسعر السوق أو الخسارة، وبهذا يضطر الغالبية لخيار تحمل المزيد من التكاليف وشراء السماد من السوق الحر بأسعار مرتفعة، إذ وصل سعر كيس السماد إلى 300 ألف ليرة لتسميد القمح، وهذا لا يحسب ضمن التكاليف عند وضع تسعيرة كيلوغرام القمح التي جاءت أقل من التكلفة”.
وإذا كان هذا حال الأسمدة، فليس حال المحروقات بأفضل، حيث شدد عضو في اتحاد فلاحي حلب، لنورث برس، على أن المخصصات التي يحصل عليها المزارعون بالسعر المدعوم “أقل من الحاجة بكثير، وأن هنالك الكثير ممن لا يحصلون على تلك المخصصات”.
ويقول نقابي في فرع دير الزور، لاتحاد الفلاحين، إن “المحافظة تحصل على المحروقات والسماد حسب المتاح وبكميات لا تكفي، وإن كانت أسعارها أقل من مثيلاتها في السوق السوداء، وإن المزارعين لا يحصلون إلا على المتوافر فقط حتى وإن كان أقل من المخصص”.
أكثر من الخطة
ويشير إلى أن المزارعين الذين كانوا مهجرين وعادوا إلى أراضيهم “يزرعون أكثر من الخطة، وهذا ما يزيد من النقص، لأن المخصصات لا تصل إلا حسب المخطط زراعته، رغم أن هناك مزارعين يزرعون بما يفوق المخطط بنحو 30%”.
ويقول إن المشاكل التي يعاني منها المزارعون “تطال كل شيء، من الحصول على السماد، إلى نسبة الفوائد المرتفعة على القروض إلى مشاكل تسويق المنتجات، وضعف دور السورية للتجارة في الاستجرار”.
ويشدد مختص في الاقتصاد الزراعي، لنورث برس، على أن قطاع الزراعة الذي يساهم بنحو 40 ـ 50 % من الناتج المحلي الإجمالي، “يحتاج دعماً حقيقياً، وسياسة زراعية لا تحسب ما تقدمه للمزارع من دعم بالحسابات المالية الراهنة فقط، وليس بمنطق الربح والخسارة فحسب، إذ إن دعم ذلك القطاع يعني تنمية استراتيجية في البلاد، وبما يحقق ليس فقط فرص عمل لقوة كبيرة في البلاد، بل أيضاً تحقيق الأمن الغذائي، وحتى العوائد المالية التي يمكن أن تأتي من تصدير الفائض”.