بحجة ترميم القطيع.. الأبقار المستوردة لخدمة المربين أم المستوردين؟

ليلى الغريب ـ دمشق

رغم الإعلان المتكرر في سوريا عن اتخاذ إجراءات لدعم مربي الأبقار، والثروة الحيوانية، بشكل عام، إلا أن الواقع كان يسير في اتجاه آخر، “نحو مزيد من التدهور”.

ووسط غياب أي إحصاء شامل في البلاد، ما زالت التقديرات تتراوح، إلا أنها جميعاً تشير إلى تناقص يقدر بما لا يقل عن 30% من أعداد رؤوس الأبقار، خلال أكثر من عقد على الأزمة.

يأتي ذلك رغم تصريحات رسمية تبشر بين الحين والآخر، بإجراءات تنهض بذلك القطاع، كما في الإعلان عن استيراد أعداد إضافية، أو التسهيلات التي أقرها القانون الذي صدر مؤخراً وقضى بإعفاء استيراد الأبقار من الرسوم الجمركية والضرائب والرسوم الأخرى لخمس سنوات.

لكن هناك من يرى أن تشجيع الاستثمار “لن يؤدي إلى ترميم قطيع الأبقار في سوريا، قبل أن تتم معاجلة التحديات الداخلية التي تواجهه، وتؤدي إلى ترديه”.

يقول المربي أبو صلاح، كما فضل التعريف عن نفسه، من ريف دمشق، إن كلفة كيس العلف لا تقل عن 175 مليون ليرة، وكلفة ” العجلة” لا تقل عن 8 ملايين ليرة لكي تكبر.

وأضاف أن استيراد الأبقار “يشي بصفقات لمستفيدين، أو حسابات سياسية بما أن قسماً منها من إيران، وعليهم أن يعلموا أن الحل في موضوع الأعلاف، فحل مشكلة العلف، يساهم في تخفيض سعر البقر والغنم واللحومات”.

أول دفعة بعد القانون

وزارة الزراعة في الحكومة السورية، قالت إن القانون يهدف إلى “تشجيع المستوردين على استيراد أبقار التربية، وإزالة العقبات أمام عملية الاستيراد لترميم قطيع الأبقار، من حيث العدد والنوع لرفدها بصفات وراثية عالية وتأمين حاجة السوق المحلية من منتجاتها”. حسب تصريح نقلته وكالة “سانا” عن مدير الإنتاج الحيواني في الوزارة أسامة حمود.

وأشار “حمود” إلى أنه لا توجد اشتراطات “من حيث عدد رؤوس الأبقار سواء للقطاع العام أم الخاص، فمثلاً المؤسسة العامة للمباقر كانت تنوي مؤخراً استيراد نحو 1000 رأس لمنشأتي مسكنة ومنشأة أبقار دير الزور”.

ولم تمض أيام على صدور القانون حتى تم الإعلان عن وصول نحو 100 رأس من الأبقار “البكاكير الحوامل” من إيران، ضمن دفعة من 200 رأس، حسبما نقل موقع محلي عن مسؤول في الشركة المشغلة لمبقرة “زاهد” في طرطوس.

وأضاف أن الاستيراد يأتي انعكاساً للقانون الذي أعفى استيراد الأبقار من الرسوم والضرائب، وقال إنه “بالتزامن مع هذه العملية، تستدرج المؤسسة العامة للمباقر عروضاً لاستيراد أبقار من أوروبا”.

وأشار مصدر في وزارة الزراعة، إلى أنهم يفضلون استيراد البكاكير من أوروبا أكثر من غيرها، لكن الشروط التي وضعوها تمنع التصدير إلى الشرق الأوسط، وأن آخر دفعة مستوردة كانت في 2018 من ألمانيا، حيث تم استيراد أكثر من 5 آلاف رأس بقر.

لصالح المستوردين أم المربين؟

لكن الواقع يقول، إن محاولات دعم الاستيراد “ليست جديدة”، ويقول أحد المختصين في الوزارة، لنورث برس، إنه سبق للحكومة أن أصدرت تشريعاً مماثلاً عام 2015، وكذلك عام 2017، كما أن المصرف الزراعي سبق أن عرض منح قروض تمويل شراء الأبقار المستوردة.

وفي المقابل، حسبما يضيف: “هناك ترد مستمر في واقع الثروة الحيوانية عموماً، ومنها الأبقار، والمخاطر التي تواجهها تلك الثروة متعددة، وتجب معالجتها قبل تشجيع الاستيراد، إذ ما الذي يفيد البلاد إن كنا نستورد أبقاراً لن يستطيع المربون إطعامها بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف، ولن يستطيعوا معالجتها إن مرضت، بسبب ارتفاع أسعار الأدوية البيطرية”.

ويقول: “وحتى إن استطاعوا ذلك، فإنهم سيواجهون مشكلة في تسويق إنتاجها، نظراً للارتفاع الكبير في أسعار المشتقات الحيوانية بشكل عام، نتيجة تراكم تلك العوامل الداخلية التي لم تجد حلاً حتى الآن”.

ويضيف: “لقد سبق لوزير الزراعة أن وصف المربي الذي يبيع بقرة حلوب بقصد الذبح بأنه مجرم، وهذا صحيح، لكن هل سأل أحد هذا المربي لماذا يقوم بذلك؟ وهل قامت الحكومة فعلاً بوضع حلول للمشاكل الداخلية التي يعاني منها قطاع الثروة الحيوانية قبل استيرادها؟

ويشير إلى أن أبرز التحديات التي تواجه القطاع هي في توفير الأعلاف، والأدوية، إضافة إلى تأمين متطلبات أخرى تدعم المنشآت الكبيرة، كتوفير المحروقات، والمكننة.

انخفاض مستمر

ويشير طبيب بيطري في وحدة إرشادية إلى أنه وفي ظل استمرار تلك العوامل فإن “أعداد الأبقار ستواصل الانخفاض، خاصة مع تراجع مساحات الرعي، وتراجع مستويات الأمطار، وازدياد عمليات التهريب، وارتفاع تكاليف المعيشة التي ترفع أسعار المنتجات الزراعية”.

ويقول لنورث برس: “وفقاً لتلك الاعتبارات، يمكن أن نسأل عن الفائدة المرجوة فعلاً من تسهيل عمليات الاستيراد، مع بقاء التحديات الداخلية على حالها، فهل ذلك يخدم المربين أم المستوردين؟

تحرير: تيسير محمد