حرب المعابر السورية بين واشنطن وموسكو

غرفة الأخبار – نورث برس

لم تفصل القوى الدولية الفاعلة في سوريا، قضية المساعدات الإنسانية عن الصراع السياسي، حيث لازال السوريون الموزعون في مناطق بمختلف إداراتها يدفعون ضريبة “فيتو” دول ضد قرارات أممية  تنظم آلية لعبور المساعدات منذ عام 2014، وقد شهدت تحولات كبرى من ذلك العام.

ويكمن الصراع الرئيسي بين روسيا وبدعم صيني، وهي تدعم بشكل مباشر الحكومة السورية وتتذرع بالحفاظ على سيادة دمشق، وبالتالي تمرير المساعدات عبر نفوذها وبقرارها، وبين دول غربية وعلى رأسها الولايات المتحدة التي شجعت مراراً على توسيع آلية المساعدات عبر الحدود واستبعاد نظام دمشق من التدخل في الشأن الأممي من دون التقدم في حلول سياسية شاملة، إلى جانب فرض عقوبات عليها.

تاريخ الصراع

منذ اندلاع الأزمة السورية في آذار/ مارس 2011، فرضت الحكومة السورية وبدعم مباشر من روسيا والصين قيودًا على وصول المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا، كذلك مناطق الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا.

وهذا ما دفع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإنشاء آلية الأمم المتحدة للمساعدة عبر الحدود في تموز/ يوليو 2014، مما سمح للأمم المتحدة وشركائها بتقديم المساعدة إلى المناطق السورية.

هذه العمليات لم تمرر بسهولة وهي مهددة دائماً باستخدام حق النقض الذي كان له تأثير لاحق على معبرين كبيرين على الأقل، بينما بقي الإجراء متجدداً في معبر واحد شمال غربي سوريا.

وفيما كان النزاع السوري في أشده، سمح مجلس الأمن الدولي بعبور مساعدات الأمم المتحدة إلى سوريا من دون الحصول على إذن من الحكومة عبر أربع نقاط حدودية هي باب الهوى شمال إدلب وباب السلامة شمال حلب الحدوديان مع تركيا، واليعربية شمال شرقي سوريا مع العراق ومعبر الرمثا الحدودي مع الأردن جنوبي البلاد.

لكن ما لبث أن تقلص تدريجاً بضغوط من موسكو، حليفة دمشق، والتي تسعى منذ سنوات لاختصار مساعدات الأمم المتحدة بتلك الآتية من مناطق سيطرة الحكومة.

ففي تموز/ يوليو عام 2020، استخدمت روسيا حق النقض ضد مرور المساعدات الإنسانية من معابر “الرمثا واليعربية وباب السلام”، ما يعني قصر الآلية الأممية لإدخال المساعدات إلى سوريا على معبر واحد فقط، وهو معبر باب الهوى في إدلب على الحدود التركية.

وقتها جاءت صيغة القرار حلاً وسطاً بين فكرتي استمرار تدفق المساعدات إلى مناطق المعارضة في شمال غربي سوريا وبين حصر إدخالها عبر حكومة دمشق وحدها.

وكان القرار أشبه بأن يكون “سياسة لوي الأذرع” بين الولايات المتحدة التي تطالب بالإبقاء على كل المعابر الأساسية، باعتبار أن دمشق تحجب وصول جزء كبير من المساعدات الإنسانية التي تمر عبرها إلى مستحقيها، وبين روسيا والصين اللتان حاولتا منذ اندلاع الأزمة تحجيم كل الجهات الفاعلة في المناطق التي لا تخضع لسيطرة دمشق.

إقصاء الشمال الشرقي بـ”الفيتو

وترى روسيا أنه يمكن إيصال المساعدات الإنسانية إلى كل المناطق عبر وسائل الحكومة السورية، بل وتتهم آلية تقديم المساعدات الأممية عبر الحدود “بعدم الشفافية”، وذلك بالأساس رغبة من موسكو لعدم إنعاش الشعب في كل منطقة لا تخضع لسيطرة الحكومة مما لذلك من تأثير على التبعية السياسية لدى الأفراد ورؤاهم تجاه المؤسسات المقسمة بين ثلاث جهات نافذة على الأقل.

وكان لإغلاق معبر اليعربية ـ ربيعة على الحدود السورية العراقية، تأثير كبير على شرائح واسعة من المجتمعات القاطنة في المنطقة التي لا تخضع لسيطرة الحكومة.

ورغم المناشدات الحثيثة من جانب الإدارة الذاتية والمنظمات العاملة فيه لإعادة فتح معبر اليعربية، إلا أن الفيتو الروسي، ثم الصيني بقيا أقوى من أن يتم النظر إلى حاجة المجتمع للمساعدات.

ونظرت روسيا، منذ البداية، إلى الآلية الأممية لتقديم المساعدات على أنها مؤقتة، بالرغم من أن الأمم المتحدة شددت على تمديد إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود لسوريا بدون تصريح من حكومة دمشق “يظل ضرورياً لمساعدة السوريين”.

وبموجب القرار الدولي، لا تحتاج الأمم المتحدة لإذن من دمشق لاستخدام معبر باب الهوى، ولكن من أجل استخدام معابر أخرى، تطلب الأمم المتحدة موافقة دمشق.

زلزال غير التعامل

على وقع المناشدات والانتقادات أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة في مطلع شباط/فبراير الفائت، أعلنت الأمم المتحدة بالتنسيق مع الحكومة السورية، فتح معبري باب السلامة والراعي الحدوديين مع تركيا أمام مساعداتها لمدة ثلاثة أشهر بعدما حصلت على موافقة دمشق، لكن المساعدات لا تزال ضئيلة، ولا تنسجم حتى مع حجمها قبل الزلزال.

أما معبر اليعربية فظل مغلقاً بوجه مناطق الإدارة الذاتية، في إجراء تناسب ورغبة أنقرة وهي نفسها استخدمت علاقاتها مع موسكو لدعم إيصال المساعدات إلى الشمال الغربي.

وتستمر القيود على المساعدات من قبل حكومة دمشق، والتردد من جانب الأمم المتحدة في استخدام المعابر الحدودية غير المصرح بها من قبل مجلس الأمن.

ووفقًا لبيانات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الأممية، عبرت 2199 شاحنة تحمل إمدادات إنسانية من سبع وكالات تابعة للأمم المتحدة إلى شمال غربي سوريا من تركيا منذ 9 شباط/ فبراير عبر المعابر الحدودية الثلاثة: باب الهوى (1824 شاحنة) ، والسلامة (307 شاحنة) والراعي (68 شاحنة).

وتم السماح للمعابر الحدودية الإضافية في البداية بالعمل لمدة ثلاثة أشهر، اعتبارًا من 13 شباط/ فبراير حتى 13 أيار/ مايو، ثم قرر تمديد التفويض للمعبرين الحدوديين لمدة ثلاثة أشهر أخرى، تنتهي في 13 آب/أغسطس.

وعلى الرغم من أن النداء العاجل للإغاثة من الزلزال في سوريا (397.6 مليون دولار) قد تم تمويله بالكامل، إلا أن خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2023 (5.41 مليار دولار) تم تمويلها بمقدار 8.6 بالمائة فقط.

لا ينفصل الموقف السياسي عن الإنساني

سياسياً، تستمر الانقسامات الشديدة بين أعضاء المجلس المتمتعين بحق النقض حول الملف السوري، حيث تميل الصين وروسيا إلى دعم دمشق، وتكرر مطالبات بضرورة احترام “سيادة الدولة” و”وحدة أراضيها” كما تربط العقوبات “الأحادية الجانب” على سوريا مع الوضع الإنساني المزري في البلاد.

من ناحية أخرى، تندد فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة بشدة بحكومة دمشق، لانتهاكها القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، واحتجاز الأشخاص “تعسفيًا”، وعدم الانخراط بشكل هادف في الحوار السياسي.

ولدى أعضاء المجلس أيضًا وجهات نظر متباينة حول تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية، ففي إحاطة المجلس في 27 نيسان /أبريل، أشارت الولايات المتحدة إلى أنها لن تطبع العلاقات مع سوريا وحثت الدول الأعضاء الأخرى عن القيام بذلك.

وترفض الولايات المتحدة رفع العقوبات عن الرئيس السوري بشار الأسد أو دعم إعادة الإعمار في ظل غياب “إصلاحات حقيقية وشاملة ودائمة وإحراز تقدم في العملية السياسية”.

 من ناحية أخرى، يدعم بعض أعضاء المجلس، بما في ذلك روسيا والصين ومؤخراً الدول العربية، بما فيها الخليج، تطبيع العلاقات مع دمشق.

ففي 1 أيار/ مايو الفائت، استضاف الأردن اجتماعاً لوزراء خارجية مصر والعراق والأردن والمملكة العربية السعودية وسوريا، متابعة لاجتماع 14 نيسان/ أبريل لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي استضافته السعودية.

وركزت على إمكانية تطبيع العلاقات مع سوريا وإعادة قبولها في جامعة الدول العربية، وهذا ما حصل بالفعل في منتصف شهر أيار/ مايو الفائت.

وفي غضون ذلك، التقى وزراء خارجية إيران وروسيا وسوريا وتركيا في موسكو كجزء من جهود التقارب الأخيرة بين سوريا وتركيا بوساطة روسية.

لكن على الجانب الإنساني، يؤكد معظم الأعضاء أن آلية المساعدة عبر الحدود ضرورية لإنقاذ الأرواح في سوريا ويدعمون بقوة استمرارها.

وبصفتهما تمتلكان حق النقص في مجلس الأمن، تواصل كل من روسيا الصين القول بأن عمليات التسليم عبر الحدود هي إجراءات استثنائية تقوض سيادة سوريا ويجب استبدالها في أقرب وقت ممكن بمساعدة معززة عبر الخطوط.

وتعرقل روسيا والصين، قضية تقديم المساعدات عبر الحدود من خلال جميع المعابر الحدودية المتاحة إلا بموافقتها وأن تكون عبر حكومة دمشق.

وفي أواخر الشهر الفائت، أي قبل أسبوع من تاريخ إعداد هذا التقرير، عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعه الشهري بشأن الأوضاع السياسية والإنسانية في سوريا بحضور المبعوث غير بيدرسن، ونائبة مدير العمليات والمناصرة في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية غادة الطاهر مضوي ومديرة البرنامج الإقليمي للشرق الأوسط في المجلس النرويجي للاجئين مورجان أفلين.

وقدم المسؤولون الأمميون في الاجتماع لمحة عامة عن الوضع السياسي المتقدم نسبياً، والإنساني المتردي بشكل متزايد في البلاد.

ودعا المجلس إلى تمديد تفويض مجلس الأمن للآلية عبر الحدود لمدة 12 شهرًا، والذي من المقرر أن ينتهي في 10 تموز/ يوليو القادم.

ويهدف مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إلى “توسيع النطاق الجغرافي للبعثات ليشمل المزيد من المناطق ذات الاحتياجات الشديدة والمواقع الأقل خدمة والأقل تغطية”.

وتتمثل إحدى القضايا الرئيسية لمجلس الأمن في كيفية التخفيف من الاحتياجات الإنسانية المتزايدة في سوريا.

إعداد وتحرير: هوزان زبير