المخيمات العشوائية في شمال شرقي سوريا.. الأسوأ والأصعب عيشاً

المقدمة

بينما يتحشد الدعم والمساعدات الإنسانية لمناطق شمال غربي البلاد والمناطق الواقعة تحت سيطرة حكومة دمشق, تتفاقم أزمة النازحين من تلك المناطق والقاطنين في المخيمات العشوائية بشمال شرقي البلاد منذ أكثر من عشر سنوات.

يعرض التقرير الصادر عن قسم الرصد والتوثيق في نورث برس, أشكال معاناة النازحين في المخيمات العشوائية بالرقة ودير الزور, حيث يفتقد القاطنون فيها وعلى جه الخصوص النساء والأطفال إلى أبسط حقوقهم في الرعاية والأمان والصحة والتعليم والوصول للمياه الأمنة والخدمات الأساسية، ويكونون عرضة للاستغلال, كما يعيشون في ظروفٍ مأساوية وسط وضعٍ معيشي صعب ونقص حاد في المساعدات الإنسانية المقدمة لهم, والتي تراجعت بنسبة كبيرة بعد إغلاق معبر اليعربية  بفيتو روسي صيني عام 2020، وإلى الآن.

أزمة إنسانية

” نحن مرغمون على البقاء في هذا المخيم، حرمنا من كل حقوقنا حتى حق العيش بسلام وحق العودة إلى ديارنا, لا راحة وسعادة لنا هنا”، تقول أمينة الحسين (52 عاماً) وهي من قاطني مخيم المقص العشوائي الموجود في الرقة.

وتضيف: “الخيمة ليست كالبيت”, حيث اضطرت الخمسينية للمكوث مع زوجها وأبنائها الستة في الخيمة ذاتها, مفتقرين للخصوصية والراحة.

تعاني” الحسين” مثل باقي النازحين في المخيم والقاطنين تحت خيم مهترئة مصنوعة من الأقمشة الرثة، من انعدام مقومات الحياة, وأزمات في الحقوق وعلى رأسها حرمانهم من حقهم في المأوى الآمن.

أما خاتون الهندي وهي نازحة من عياش بدير الزور، تشتكي من عدم مقدرة أطفالها على تلقي التعليم وتقول: “أجبرت أن أنقص من حق طعامنا وأصرفه على تعليم طفلي, اتفقت مع معلمة خصوصية تأتي للمخيم لتعلم أطفالي القراءة والكتابة”.

تعد مشكلة التعليم واحدة من أهم المشاكل في المخيمات العشوائية بمدينة الرقة، حيث لا يكون جميع الأطفال ضمن خطط المنظمات التعليمة التي تفرض شروطاً لتعلم هؤلاء الأطفال، منها وجود أوراق ثبوتية أو دفتر عائلة، وهي غير موجودة لدى نسبة تتجاوز 40% من سكان المخيمات, لذا لا يتلقى عدد كبير من الأطفال التعليم، منهم من خارج الخطة التعليمة ومنهم من يضطر للتخلي عن التعليم لمساعدة عائلاتهم في الدخل.

تبنت بعض المنظمات الدولية التعليم في بعض المخيمات العشوائية بالرقة ضمن عقود ولفترات محددة، ويتم قبول الأطفال للتعليم وفق شروط، منها: أخذ عدد محدد من الأطفال ضمن العائلة الواحدة وشرط وجود ثبوتيات.

ولا يختلف وضع خدمات الرعاية الصحية عن التعليم في هذه المخيمات, فبالرغم من أن هذه المخيمات تعد بؤرة للأمراض والأوبئة منها الكوليرا واللشمانيا والتهاب الكبد الوبائي والسحايا وغيرها, بسبب عدم وجود بنية تحتية مناسبة ومياه آمنة ولتواجدها في مناطق نائية, إلا أنه لا وجود لأي رعاية صحية مقدمة للقاطنين في هذه المخيمات, لذا يضطر المرضى، لتنقيص المبلغ المخصص لطعامهم، وصرفه على المعاينات الطبية والأدوية.

وعلى ضوء ما سبق، تقول أمينة الحسين (٥٢عاماً) من قاطني مخيم المقص, “مرض حفيدي فأسعفناه إلى أقرب مستشفى في المدنية، ولكن لم يكن معي سوى 10 آلاف ليرة سورية, وضعت هويتي في المشفى حتى استطعت استكمال المبلغ وإخراج الطفل من المشفى”.

وما يزيد على معاناة النازحين في مخيمات الرقة العشوائية, الظروف الاقتصادية المتردية وقلة الدعم وفرص العمل المتوفرة التي تجعل الحصول على المال الكافي للوصول إلى الأساسيات المعيشية أمراً صعباً, ويؤثر ذلك بشكل مباشر على العدالة الاجتماعية وحقهم في الوصول للحماية الاجتماعية، وهو حق أساسي من حقوق الإنسان الذي يضمن للجميع الحصول على الرعاية الصحية وتأمين الدخل وإمداد العائلات المحتاجة  بالمساعدات.

لا يختلف الوضع في المخيمات العشوائية بدير الزور، حيث يعتبر أسوأ من المخيمات في الرقة, فبالإضافة إلى ضعف المساعدات الإنسانية المقدمة للنازحين فيها, يعاني القاطنون من نقص مياه الشرب والنقاط الطبية القريبة.

تقول وضحة المحمد (40 عاماً) من سكان مخيم حوايج ذياب، نزحت إليه منذ سبع سنوات, “نعاني من نقص مياه الشرب, وعدم توفر الخدمات الأساسية  والخدمات الطبية والمساعدات الإنساني, لا شيء متوفر الوضع صعبٌ جداً”.

وتضيف: “كل شيء من الممكن أن يحتمل، ولكن لا نستطيع العيش من دون ماء, ما نشتريه من الصهريج يكون غير نظيف وقد يؤثر على سلامتنا وسلامة أطفالنا, يجب أن تحل مشكلة المياه”.

بدوره يقول محمود العكلة (52 عاماً) من سكان مخيم محيميدة وهو أب لستة أطفال, “بالرغم من مرور سنوات, إلا أن هذه المخيمات العشوائية لم تنظم لذا يتدهور الوضع فيها كونها لا تعد نظامية وهي خارج الحسابات, وهذا ما يجعل الوضع أسوأ. مسؤولية سوء وضعنا تقع على عاتق السلطات, حان الوقت أن يجدوا حلاً لوضعنا. إلى متى سنبقى هكذا؟

إحصائية

يبلغ عدد المخيمات العشوائية في الرقة 58 مخيماً يقطن فيها أكثر من 150 ألف شخص، منهم 76.775 سيدة و60.398 طفل بحسب إحصائية حصلت عليها نورث برس من مجلس الرقة المدني.

وفي دير الزور يوجد 9 مخيمات عشوائية منتشرة في الريف الغربي لدير الزور، ويقطن فيها النازحون من مناطق سيطرة حكومة دمشق وفصائل المعارضة, وهي 3 مخيمات في منطقة الجزرات تضم نحو 1700عائلة ومخيم محيميدة يضم نحو 610 عائلات, ومخيم حوايج بو مصعه، يقطن فيه ما يقارب800عائلة,  مخيم حوايج ذياب يضم حوالي 380 عائلة, مخيم الصغير يضم 100عائلة, ومخيم الصعوة يضم 50 عائلة, بينما يضم مخيم الحريجي 50 عائلة, بحسب إحصائية حصلت عليها نورث برس من لجنة الشؤون الاجتماعية في دير الزور.

أي أنه يوجد في المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية 67 مخيماً عشوائياً مهمشاً تضم 19.223 عائلة يعاني فيها النازحون من أزمات مستمرة منذ أكثر من 9 سنوات.

ضعف في الوصول للحقوق

صالحة المحمد(٣٣عاماً) وهي سيدة من قرية عياش بدير الزور، الواقعة تحت سيطرة حكومة دمشق والفصائل التابعة للقوات الإيرانية، نزحت  إلى المخيم نفسه بعد أن فقدت زوجها في الحرب وبقيت مع أطفالها الثلاثة.

تقول الأم: “حرمت الحرب أطفالي أولاً من والدهم من ثم حقهم في العيش بحياة كريمة, نعيش مأساة في المخيم لا شيء متوفر يجب أن نخرج لساعات لنستطيع أن نأمن ثمناً لطعام يوم واحد”.

وأشارت السيدة في حديث لنورث برس, أنها تجبر على ترك أطفالها لساعات في المخيم لوحدهم والخروج للعمل من أجل تأمين مبلغ من المال تستطيع أن تشتري به الطعام.

وفي مخيم عشوائي آخر تحت سقف خيمة مهترئة, يقطن حمدان الأحمد (٦٥عاماً) مع زوجته وبناته الأربع بعد أن نزحوا منذ خمس سنوات من منطقة الرصافة الواقعة تحت سيطرة حكومة دمشق.

يقول الأحمد: “لا نتلقى المساعدة الكافية, تقدم المنظمات القليل من المساعدات لنا ثم تنقطع لأشهر, أنا مريض قلب ولا أستطيع العمل, تضطر بناتي للقيام بأعمال صعبة وبأجور بخسة لنستطيع أن نعيش”.

أشار الستيني في حديث لنورث برس, أن الدعم والمساعدات الإغاثية تصل للنازحين في المخيمات النظامية فقط, أما المخيمات العشوائية لا يصلها إلى القليل لذا تعد ظروفهم الأصعب.

بدوره قال محمد الحسين العميري، مسؤول عن المخيمات العشوائية في  لجنة الشؤون الاجتماعية, إن عدة منظمات إنسانية فقط تدعم المخيمات وهي تغطي احتياجات ثلاثة مخيمات فقط في دير الزور, ومنظمة واحدة تملك فريقاً يقوم بحملات توعية صحية ويملك عيادة متنقلة في مخيم الجزرات, وبحسب العميري، هذا الدعم الوحيد المقدم للمخيمات العشوائية بدير الزور, ولا يعد الوضع مختلفاً في الرقة.

وأضاف المسؤول أن هناك مشروعاً سيتم العمل عليه لتنظيم المخيمات العشوائية، خلال الفترة المقبلة, وأكد على هذا الحديث عبد الناصر علي المتحدث باسم هيئة الشؤون الاجتماعية في مجلس الرقة المدني, وبحسب الـ”علي” فإن “تنظيم المخيمات هي الطرقة الوحيدة لدعمها وإيصال المساعدات لها”, لكنه لم يحدد أي موعد لتنفيذ هذه الخطة واكتفى بقول: “قريباً”.

ويذكر أن الإدارة الذاتية عبر مكتب المخيمات وشؤون النازحين، قد صرحت العام الفائت عن وجود خطة لتنظيم هذه المخيمات, إلا أنها لم تنفذ.

يصعب على النازحين في المخيمات العشوائية بشمال شرقي سوريا الوصول للماء والطعام الكافي والآمن, لعدم توفر فرص عمل لهم خارج المخيم, بالإضافة إلى عدم الوصول الكافي للمنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة إليها، وعدم تبني المنظمات الدولية لها.

هؤلاء الأشخاص محرومين من حقوقهم المدنية والسياسية وحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, ويفتقرون لأبسط مقومات الحياة، منها حقهم بسكنٍ أمن ومريح وحياة كريمة.

وبحسب المادة رقم 11 بالبند الأول من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي تنص على أنه يحق لكل شخص تأمين مستوى معيشي كافٍ له ولأسرته وتوفير ما يفي حاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى, وفي بندها الثاني نصت المادة على أنه، حق أساسي لكل إنسان التحرر من الجوع “من ضمنها تأمين توزيع الموارد الغذائية العالمية توزيعاً عادلاً”.

أما بالنسبة لحق الأطفال النازحين في هذه المخيمات في التعليم والذي يعتبر حقاً أساسياً ويجب أن يكون مجانياً ومتاحاً للجميع, وذلك بحسب المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948, المادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966، ومن العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966 وغيرها من المعاهدات القوانين التي تؤكد على ضرورة وصول الأطفال لحقهم في التعليم.

التوصيات

  • يقع على عاتق الإدارة الذاتية كونها الجهة المسؤولة عن هذه المخيمات، تنظيمها وتأمين الدعم الكافي لها حتى يتمتع النازحون بكافة حقوقهم المشروعة.
  • يجب على المنظمات الإنسانية العاملة بشمال شرقي سوريا والمنظمات الدولية الداعمة لها, التركيز على مشاريع التشغيل والتوظيف ودعم المشاريع الصغيرة وبرامج الإدماج بسوق العمل, إلى جانب دعم هذه المخيمات من ناحية المساعدات الإنسانية والوصول لطعام وماء آمن.
  • يجب على منظمة الأمم المتحدة ومكاتبها المعنية بالشأن السوري, دعم هذه المخيمات بشكل مباشر في مجال الإغاثة والتعليم والتمكين وحماية النازحين وحقوقهم.
  • يجب على حكومة دمشق الاعتراف بهذه المخيمات واعتبار الأشخاص فيها نازحين, كما يجب عليها إيجاد آلية لإيصال المساعدات الأممية لها.
  • على مجلس الأمن اتخاذ إجراءات فورية لفتح معبر اليعربية كوسيلة لإيصال المساعدات الإنسانية الضرورية لمناطق شمال شرقي سوريا، كونه المعبر الوحيد الذي تدخل منه المساعدات الأممية, ولأن النازحين في المخيمات بتلك المنطقة يشهدون تدهوراً في الظروف الإنسانية وصعوبة في الوصول لحقوقهم ولم يتلقوا المساعدة الكافية منذ إغلاقه.