قراءة في إعلان جدة وبيان هيروشيما

بدعوة من العاهل السعودي انعقد مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في جدة في التاسع عشر من أيار/مايو 2023 وشارك في أعماله لأول مرة منذ نحو اثني عشرة سنة الرئيس السوري بشار الأسد. لقد سبق انعقاد القمة رهانات كثيرة حول مشاركة الرئيس السوري فيها، وكان يغلب عليها رهان عدم مشاركته مراعاة لاعتراض بعض الدول العربية مثل الكويت وقطر والمغرب وحتى مصر. غير أن تدخل الأمير محمد بن سلمان قطع الشك باليقين ولبّى الرئيس السوري الدعوة وحضر شخصياً.

كان طبيعياً أن يرحّب أغلب المتحدثين في القمة بالرئيس السوري، في حين رحب آخرون بعودة سوريا لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية. ربما المفاجأة الوحيدة التي حصلت تمثلت في تبادل المصافحة بين الرئيس السوري وأمير قطر، وبينه وبين الرئيس المصري، مع أن المطلعين على البروتوكول السعودي يرون أن كل ذلك كان معداً مسبقاً.

لم يتسرب أي شيء عما دار في الخلوات القصيرة التي أعقبت المصافحة بين الرئيس السوري وكل من الرئيس المصري وأمير قطر، مع أنه يمكن التكهن بأن الأسد قال لكل منهما أن سوريا تتطلع نحو المستقبل، في قراءة للموقف الرسمي السوري المعلن. ما يمكن عده مفاجأة حقيقية هو خروج أمير قطر من قاعة المؤتمر قبل أن يلقي الرئيس السوري كلمته، مما يمكن عده نوعاً من الاعتراض على وجود الرئيس السوري في المؤتمر، مع أن بعض وسائل الإعلام حسبت خروج أمير قطر من المؤتمر مع الوفد المرافق دون أن يلقي كلمته، بأنه جاء نتيجة مشاغل خاصة مستجدة استدعت حضوره سريعاً إلى الدوحة.

لقد اقتصر المؤتمر على جلسة وحيدة علنية، في خروج عن السياقات المعتادة لاجتماعات القمم العربية، وفي مخالفة عما نشر عن جلسات التحضير للمؤتمر من أنه بعد الجلسة العلنية سوف تتلوا جلسات مغلقة. لقد استمرت جلسة المؤتمر العلنية الوحيدة نحو ساعتين ليعلن في نهايتها الأمير محمد بن سلمان انتهاء المؤتمر بعد الموافقة على القرارات التي أعدها وزراء الخارجية، وعلى إعلان جدة.

وبالعودة إلى “إعلان جدة”، الوثيقة الوحيدة التي نشرت عن أعمال المؤتمر، نقرأ في مقدمته: “تأكيداً على أهمية تعزيز العمل العربي المشترك المبني على الأسس والقيم والمصالح المشتركة والمصير الواحد، وضرورة توحيد الكلمة والتكاتف والتعاون في صون الأمن والاستقرار، وحماية سيادة دولنا وتماسك مؤسساتها، والمحافظة على منجزاتها، وتحقيق المزيد من الإرتقاء بالعمل العربي والاستفادة من المقومات البشرية والطبيعية التي تحظى بها منطقتنا للتعاطي مع تحديات العصر الجديد بما يخدم الأهداف والتطلعات نحو مستقبل واعد لشعوبنا والأجيال القادمة”. الجديد في هذا المقتطف الطويل نسبياً من مقدمة الإعلان هو الحديث عن صون “الأمن والاستقرار، وحماية سيادة دولنا وتماسك مؤسساتها”، في استجابة واضحة لما تعانيه أغلب الدول العربية من فوضى حصلت في سياق ما سمي بالربيع العربي. وفي فقرة أخرى من مقدمة الإعلان جرى الربط بين “التنمية” و “الاستقرار” وعد الأمن “مفتاح الاستقرار”. ما نود قوله إن المطالب الرئيسة للشعوب العربية في “الحرية والديمقراطية”، والتي دفع بعضها ثمنا باهظاً من أجلها تم تجاهلها تماماً في الإعلان.

فيما يخص سوريا، وبعد الترحيب باستئناف ” مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس الجامعة والمنظمات والأجهزة التابعة لها”، ركز البيان على دعم “استقرار” الدولة والمحافظة على ” وحدة أراضيها”، و”مساعدتها لتجاوز أزمتها” (انتبه) اتساقاً مع “المصلحة العربية المشتركة، والعلاقات الأخوية التي تجمع الشعوب العربية كافة”، وليس مع مطالب الشعب السوري. ومن خلال متابعتي لكلمات رؤساء الوفود لاحظت أن الرئيس المصري، ورئيس الوفد الكويتي كانا الوحيدين الذين ذكرا بضرورة حل الأزمة السورية بما ينسجم مع القرار الدولي 2254.

وهكذا أسقط الإعلان كل الرهانات التي بنيت على التفاهمات التي نص عليها إعلان عمّان (1أيار/مايو2023) وقبله بيان جدة (2نيسان/أبريل2023)، وبعده قرار الجامعة العربية رقم 8914 بتاريخ أيار/مايو 2023 الخاص بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، بأن يتم حل الأزمة السورية بما ينسجم مع القرار الأممي 2254 ونهج “الخطوة خطوة” التي أقرها إعلان عمان. بل على العكس شدّد الإعلان على “وقف” التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية العربية، وعلى “الرفض التام” لدعم تشكيل الجماعات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة، في اتساق شبه تام مع الخطاب الرسمي للنظام السوري.

على المقلب الآخر، وبعيداً إلى الشرق، في اليابان، كان لسوريا حضورها في البيان المشترك الذي صدر عن اجتماع الدول السبع في مدينة هيروشيما اليابانية، في الفترة ذاتها من شهر أيار/مايو لعام 2023 فيما يبدو وكأنه على الضد مما جاء في إعلان جدة. فقد ورد في البيان بأن الدول السبع ما تزال ملتزمة “التزاماً راسخاً بعملية سياسية شاملة تسهلها الأمم المتحدة بما يتفق مع قرار مجلس الأمن 2254 في سوريا”. وأكثر من ذلك فقد تم الربط بين “التطبيع والمساعدة في إعادة الإعمار” وإحراز تقدم “حقيقي ودائم نحو حل سياسي”، فيما بدى وكأنه تحذير للدول العربية التي تطبع مع النظام.

كلمة أخيرة، يلفت الانتباه في كل النشاط الدبلوماسي الجاري عربياً وإقليمياً ودولياً والمتعلق بالأزمة السورية تجاهل المعارضة السورية. يبدو ذلك بأنه المكافئ المستحق لعدم قدرتها على تشكيل طرف فاعل ومقنع في معادلة الأزمة السورية بسبب تشرذمها وتعدد ولاءاتها.