ليلى الغريب ـ دمشق
في حملها الثاني قررت إنصاف، أن تذهب إلى عيادة طبيبتها لتتفاهم معها على أن تجري لها العملية القيصرية في مستشفى حكومي بكلفة تقل عن النصف عما ستدفعه في المشفى الخاص، وذلك بعد ارتفاع أسعار العمليات القيصرية إلى الملايين.
أجرت إنصاف، العملية القيصرية في المشفى الحكومي، ودفعت نصف التكلفة في العيادة الخاصة، ليحصل طبيب التخدير على حصة منها ويذهب الباقي للطبيبة.
التحايل على معوقات إنجاب الأطفال، لا ينفع دائماً، الأمر الذي يجعل خيارات إنهاء الحمل في تزايد مستمر، سواء لأسباب الفقر وسوء الأحوال الاقتصادية، أو لأنه حمل غير مرغوب فيه لأسباب أخرى.
تكاليف كبيرة
ارتفعت تكاليف العمليات القيصرية إلى أرقام كبيرة، تقول علا العلي، إنها أنجبت ابنتها وتوقفت عن الإنجاب، رغم رغبتها بمولود آخر، لكن ظروفها الاقتصادية حالت دون ذلك، فهي تسكن في الإيجار، وزوجها ما زال في الخدمة الاحتياطية، وأنهم بشق الأنفس يتمكنون من تأمين الحليب والفوط لابنتهم، فكيف سيكون حالهم مع مولود آخر؟
تضيف “العلي”، أن تكاليف القيصرية تختلف من مشفى لآخر لكنها لا تقل عن 500 ألف ليرة، وتصل إلى 5 ملايين ليرة، وأن ولادتها الأولى كانت قيصرية، وهذا يعني أن الثانية ستكون كذلك.
تضيف الأم حنان، أنها لم تتمكن من إرضاع ابنتها، وكان عليها أن تعطيها الحليب، وبسبب ارتفاع الأسعار من جهة وعدم توفره بشكل دائم من جهة ثانية، قررت إعطاء ابنتها حليب الأبقار الممدد رغم أنه من غير الجيد أن يحصل المولود عليه، ولكن ارتفاع سعر علبة الحليب نان إلى نحو 45 ألف ليرة، إذا توافرت، أرغمها على هذا الخيار.
عقوبة الحبس
وإذا كان ما سبق من بين الأسباب التي تدفع بعض السيدات للتخلص من الحمل حسب قولهن، فإن طبيب النسائية معمر البساتنة (اسم مستعار) يشدد لنورث برس، على أن هنالك أسباباً أخرى لانتشار ظاهرة الإجهاض.
وبين أن عمل الكثير من العيادات يقوم على عمليات الإجهاض، وأن هذا يختلف من طبيب لآخر، إذ لا يوافق البعض على إجراء هذا النوع من العمليات، لأنه مخالف للقانون ويعاقب عليها بحبس الطبيب الذي يجري عمليات إجهاض حتى ولو كان برضى الحامل من 1-3 سنوات في حال تم اكتشاف الأمر.
وإن هنالك من “بنوا ثروات بسبب عملهم لهذا النوع من العمليات، خاصة مع ارتفاع أعداد من يريدون التخلص من الحمل خلال سنوات الحرب خاصة، وتراجع حالات الولادة في المشافي كثيراً”.
وعن الأسباب التي تقف خلف الرغبة في إنهاء الحمل، قال “البساتنة”، إن أسبابها تختلف بين وضع اقتصادي سيء وفقر يجعل الأسرة، خاصة التي لديها طفل أو أكثر، يقررون إنهاء الحمل الذي حصل، أو لأسباب أخرى كالحمل غير الشرعي وهي حالات أصبحت كثيرة الانتشار، وذلك بعد تفشي المخدرات بين جيل الشباب، وتغير العادات الاجتماعية نتيجة الحرب والفقر والمخدرات، بحسب الطبيب.
وأشار إلى أن هنالك الكثير من الحالات التي تراجع العيادة بقصد الإجهاض “لفتيات دون العشرين من عمرهن”.
سلوكيات جديدة
الناشطة الاجتماعية والمهتمة بقضايا المرأة سمر عزام (اسم مستعار)، بينت لنورث برس، أن انتشار المخدرات تحول إلى ظاهرة فرضت سلوكيات جديدة بين جيل الشباب وخاصة في سن المراهقة وما بعده، وجعل سيطرة الأهل على الأبناء مع تراجع إمكاناتهم المادية محدودة للغاية.
وبينت أن هنالك أسباباً أخرى للتخلص من الحمل “كالتفكير في الهجرة التي تدفع الزوجين لتأجيل إنجاب الأطفال، أو التخلص من الحمل عند حدوثه”.
وذكرت “عزام”، أنه من خلال متابعاتها أيضاً، “هنالك انتشار لظاهرة الزواج العرفي، خاصة عند أثرياء الحرب، وغالبية هؤلاء لا يريدون إنجاب أطفال، لأن لديهم أبناء وزيجاتهم الأخرى ليست لتكوين أسرة، وأن كثرة الأموال التي جمعوها من الحرب، جعلت أكثرهم يفتحون أكثر من بيت كزيجات للمتعة”.
وقد أشار تقرير حالة السكان، الذي أعدته هيئة شؤون الأسرة، إلى انخفاض معدل النمو السكاني، ففي حين ارتفع في 2010 بنحو 34 بالألف، انخفض في 2015 إلى 17 بالألف، وعاود الارتفاع في 2019 لكنه ظل أقل من المعدل.