بين “زكاة” و”خوّة”.. خسائر يدفعها رعاة الأغنام في البادية السورية

عمر عبد الرحمن – نورث برس

سئم محمد من التعامل مع الفصائل الإيرانية، وعناصر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، إذ يحتك بهم نتيجة عمله في تربية الأغنام ببادية تدمر، إذ أن كل طرف فيهما رغب بتجنيده لصالحه.

باع محمد الحماري (58عاماً)، وهو مربي أغنام من بلدة السخنة شرقي حمص، وسط سوريا، قطيعه، وترك منطقته، ونزح مع عائلته إلى ريف دير الزور الشرقي، حيث اشترى أغناماً بدلاً من قطيعه الذي باعه، وعلى الرغم من قلة مساحات الرعي في المنطقة، إلا أنه اختار الابتعاد عن التهديدات المتكررة.

ويصف رعاة أغنام في البادية السورية، مهنتهم أنها من “أخطر المهن”، خاصة في مناطق تسيطر عليها فصائل موالية لإيران، وتنشط فيها تحركات خلايا تنظيم “داعش”، ناهيك عن وجود آلاف الألغام ومخلفات الحروب، التي فتكت برعاة أغنام وقطعانهم في البادية السورية.

يقول “الحماري” لنورث برس، إن المضايقات من قبل دوريات الفصائل الموالية لإيران، وعناصر التنظيم في المكان الذي يرعون أغنامهم فيه، في البادية الممتدة بين بلدتي السخنة وتدمر بريف حمص الشرقي، “تزايدت بشكل كبير”.

ويضيف، أن دوريات للحرس الثوري الإيراني وفاطميون الأفغاني، “لم تكتف بـتشليحنا رؤوس ماشية، بل أصبحت تضغط علينا لنرصد لهم تحركات عناصر التنظيم في البادية، والإبلاغ عن أماكن تواجدهم أو الإمساك بهم وتسليمهم”.

وهذا الأمر لا يختلف كثيراً عن ما يطلبه عناصر التنظيم الذين يقصدون رعاة الأغنام في كل فترة إما بحجة المياه أو الطعام مثل الحليب والسمن، ووُجّهت لهم عدة اتهامات بـ”التعاون” مع عناصر الفصائل الموالية لإيران، وتلقوا تهديدات بالقتل في حال استقبال ومساعدة أحد من عناصرها، على حد قول “الحماري”.

الأمر الذي دفعه لبيع قطيع الأغنام، والنزوح إلى مناطق ريف دير الزور الشرقي، والتي تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وشراء بديل عنها والعودة لمزاولة مهنته دون مضايقات أو تهديدات بالقتل.

ومنذ بداية عام 2022 إلى يومنا هذا، وثقت تقارير إعلامية، أكثر من 50 عملية خطف وتصفية لرعاة أغنام في البادية السورية، غالبيتها في بادية دير الزور الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية والفصائل الموالية لإيران، دون القدرة على تحديد هوية المنفذين.

ومنذ بداية عام 2023 تعرض رعاة الأغنام في سوريا إلى الخطف والقتل خارج نطاق القضاء, وبحسب قسم الرصد والتوثيق في نورث برس، بلغ عدد الرعاة الذين قضوا 8 أشخاص 3 منهم على يد تنظيم “داعش” و5 على يد الفصائل الموالية لإيران, وبلغ عدد المفقودين منهم والذين خطفوا ولم يلقَ لهم أثر بعدها 13 شخصاً, وتوزعت الحالات بين ريف دير الزور وريف حماة.

إلا أن رعاة الأغنام يوجهون الاتهامات لـ لواء فاطميون الأفغاني وعناصر “داعش” كونهم تلقوا تهديدات بالقتل من الطرفين عدة مرات.

وفي السادس عشر من نيسان/ أبريل الفائت، قُتل 5 رعاة أغنام برصاص مسلحين مجهولين، في بادية بلدة الزباري، بريف دير الزور الشرقي، ويُرجح أن عملية قتلهم قد تكون “عملية انتقام”، إذ أن المهاجمين أقدموا على قتل قطيع الأغنام بالكامل رمياً بالرصاص، دون سرقتها.

واضطر أحمد زعيل، وهو من بلدة السويعية بريف دير الزور الشرقي، لبيع أغنامه، والعزوف عن تربيتها، بسبب مضايقات كثيرة تعرض لها، أثناء رعيه في بادية دير الزور الشرقية، من قبل مسلحي “داعش”، و دوريات الحرس الثوري الإيراني.

يقول لنورث برس، إن دوريات للحرس الثوري الإيراني، قدمت في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2022 لتمشيط بادية دير الزور الشرقية، وملاحقة عناصر التنظيم المختبئين، “أثناء الحملة تم اعتقالي وإخوتي ومصادرة أغنامنا بتهمة انتمائنا للتنظيم”.

ويضيف: “بعد اعتقال دام قرابة الخمسة أيام والتأكد من عدم انضمامنا لأي فصيل تم إخلاء سبيلنا وإرجاع أغنامنا، لكنهم سرقوا أكثر من مئة رأس من الأغنام”.

وبعد خروجه من المعتقل عاد لرعي الأغنام، لكن في اليوم التالي حضر أربعة عناصر ملثمين من تنظيم “داعش”، وخطفوا الراعي، ورغم إطلاقهم النار على الملثمين، لكنهم استطاعوا الهرب، بحثوا عنه ووجدوه “مقتولاً” بطلقات نارية، في اليوم التالي.

هذه الحادثة بالإضافة للمضايقات من الحرس الثوري الإيراني، وخوفاً من عودة عناصر التنظيم بدافع الانتقام بعد إطلاق النار على عناصره، دفعته لبيع القطيع وترك البلدة.

وغالباً ما تحصل اشتباكات بين الفصائل الموالية لإيران، ومسلحي تنظيم “داعش” في البادية السورية، والتي تتسبب بإصابة رعاة الأغنام أو قطعانهم.

ويعبّر رعاة الأغنام في البادية السورية عن “استياءهم الكبير” من المضايقات التي يتعرضون لها، والتي تجبرهم على بيع أغنامهم وترك مهنتهم أو حتى الانتقال للعيش خارج المنطقة.

وبالإضافة للمضايقات من الفصائل الإيرانية وتهديد حياتهم وسلب قطعانهم أو رؤوس منها كـ “خوة”، يفرض تنظيم “داعش” على رعاة الأغنام “الزكاة”، وهذه وتلك تتسببان بخسائر للمربين، ويتعرضون كذلك لتهديدات من قبل مسلحين مجهولين.

تحرير: أحمد عثمان