كليجدار ينتظر معجزة .. وأردوغان نحو الفاشية

بلغة الأرقام ووفقاً للمعطيات، تبدو الجولة الثانية والحاسمة من الانتخابات الرئاسية التركية، في صالح رجب طيب أردوغان؛ فالجولة الأولى عمّقت من جروح منافسه كمال كليجدار أوغلو، إذ لم تتحقق توقعات استطلاعات الرأي التي تنبّأت مبكراً بفوز كبير له في الجولة الأولى، فشكلت نتائجها صدمة كبيرة له، وأصابت تحالفه السداسي باليأس، وهزت من ثقة مؤيديه به. ولعل كل ذلك دفع بكليجدار أوغلو إلى أن يتخبط يمنياً ويساراً إلى درجة أنه ذهب إلى أقصى اليمين المتطرف، خاصة أن دعوة المرشح الخاسر سنان أوغان إلى التصويت لأردوغان في الجولة الثانية، عمقت من جروحه التي تشبه كثيراً جروح مسقط رأسه ديرسيم الكردية قبل أن يطلق عليها “تونجلي”، دون أن يدفع كل هذا الحصار الانتخابي له إلى الاستسلام، فهو بات مثل الجندي الذي ينتظر تحقيق معجزة في معركة الحياة أو الموت، لكن على دروب السياسة والسلطة.

يخوض كليجدار أوغلو الجولة الثانية، وفي جعبته ما يعتقده من أوراق قد تحقق له معجزة سياسية، فهو يدرك جيداً أن فارق النقاط في الجولة الأولى كان كبيراً بينه وأردوغان؛ فالأخير كان يحتاج إلى نحو نصف مليون صوت فقط للفوز من الجولة الأولى، فيما يحتاج هو إلى قرابة ثلاثة ملايين صوت للتفوق عليه، فمن أين سيأتي كليجدار أوغلو بكل هذه الأصوات في الجولة الثانية ؟ وعلى ماذا يراهن؟      

يعرف كليجدار أوغلو أن معركة الجولة الثانية، هي على أصوات نحو 10 ملايين ناخب، وهؤلاء إما أنهم لم يصوتوا في الجولة الأولى، أو أن أصواتهم ألغيت لأسباب تقنية تتعلق بطريقة التصويت في الصندوق، وأمام التطلع إلى كسب هذه الأصوات، يعتقد كليجدار أوغلو أنه مرشح التغيير في تركيا، وأن الأتراك سئموا من حكم حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ أكثر من عقدين، ومن وعود أردوغان الكثيرة التي لم تتحقق معظمها، وهو في اعتقاده هذا ينطلق من حقيقة أن سكان المدن الكبرى، أي إسطنبول وأنقرة وأزمير ودياربكر – آمد  وأنطاليا.. صوتوا له، وأن التصويت هنا كان له علاقة بالاقتصاد، والمعيشية، والتضخم، وتراجع قيمة الليرة أمام الدولار، وعليه يعتقد أن أصواتهم ستكون لصالحه لطالما يرى هؤلاء أن بقاء أردوغان سيكون كابوساً اقتصاديا على معيشتهم وحياتهم في المرحلة المقبلة.

ويعرف كليجدار أوغلو أيضاً أن الأتراك الذين صوتوا لأردوغان، إنما صوتوا لأسباب أيديولوجية قومية ودينية على حساب البرنامج الاقتصادي، وعليه ذهب في الجولة الثانية إلى رفع سقف خطابه القومي، بل ذهب إلى أقصى اليمين، متجاوزاً زعيم حزب النصر المتطرف أوميت أوزداغ، عندما جعل من قضية اللاجئين السوريين في تركيا قضية الساعة التي لا تؤجل، وهو بذلك أراد كسب التيارات القومية إلى جانبه أولاً، وتحميل أردوغان مسؤولية هذا الملف من جهة ثانية، على أمل أن يحصل على أصوات الأتراك الغاضبين من قضية وجود اللاجئين السوريين في بلادهم بعد أن استغلت هذه القضية إلى أقصى الحدود.

ضمناً، يعرف  كليجدار أوغلو أيضاً أن الكتلة الكردية الوازنة، ستبقى إلى جانبه، لطالما رأت هذه الكتلة في وجود أردوغان تهديداً لوجود الكرد ومستقبلهم وتطلعاتهم، وعليه يرى أن تصعيده قومياً لن يؤثر على تصويت هذا الكتلة، إذ يدرك أن مثل هذا التصويت ليس سوى تكتيك انتخابي على أبواب معركة الحياة أو الموت.                        

في المقابل، لا يتوانى أردوغان عن إشهار أوراقه، فهو يرى أنه مرشح الاستقرار لطالما حقق تحالفه أغلبية في البرلمان. وعليه، يعزف على وتر ضرورة الانسجام بين الرئاسة والبرلمان، وهو في تطلعه هذا لا يتوانى عن دفع الأتراك إلى قرن مقبل من الأحلام، عندما يتحدث بكثافة عن القرن التركي الحافل بالإنجازات والمشاريع والصدارة العالمية، حتى لو كان حديث الأتراك على الأرض هو عن فقدان البصل والثوم والخبز وغلاء أسعار العقارات والأجارات.                                    

 أردوغان الذي يوحي بأن الرئاسة باتت محسومة لصالحه انطلاقاً من نتائج الجولة الأولى للانتخابات، لا يتوانى أيضاً عن إشهار سيفه العثماني المغمّس بالدم والقوة والقتل، فها هو يعلن ألّا انسحاب من الأراضي السورية المحتلة إلا بشروطه، كما يعلن أنه سيقاتل حتى آخر “إرهابي” في إشارة إلى كل كردي يطالب بهويته القومية، وهو بكل ذلك يقترب من الفاشية لطالما يجد من حوله يرددون معزوفاته، ويعتمد على منظمة الذئاب الرمادية وأمثالها في ابتزاز أوروبا، وقمع الداخل المناهض له، ويجد في نفسه قادراً على ما حققه هتلر وموسوليني وغيرهم من الطغاة والدكتاتوريين.       

تركيا بين معجزة كليجدار أوغلو المنتظرة، وحلم أردوغان بقرن تركي منتظر، هي في يوم تاريخي حاسم وفاصل، وهو يوم لا يعني تركيا وحدها بل العالم أجمع، إذ لطالما يرى هذا العالم أن موقع تركيا مهم لترتيب المصالح والعلاقات الدولية في العديد من الدوائر الساخنة للتغيير بحثاً عن نظام عالمي جديد، تطبخ فصوله في أوكرانيا وتايوان وسوريا وعلى ضفاف الخليج وتوسع الأطلسي على تخوم روسيا، وفصول الحرب التجارية بين بكين وواشنطن.