دمشق.. رفع جديد للأسعار يطيح بأجواء التفاؤل بعد “نصر 19 أيار”

ليلى الغريب ـ دمشق

“مبروك الانتصار” عبارة اختصرت كثيراً من ردود الفعل المستهجنة لقرار رفع أسعار مشتقات نفطية، في مناطق سيطرة الحكومة السورية، الذي بدأت نتائجه تظهر مباشرة، في تعميق أزمة النقل وزيادة الازدحام.

لم تكد تمضي أيام قليلة على محاولات الترويج لانفراجات قريبة في سوريا، بعد القمة العربية، ووصف ذلك بأنه “نصر سياسي”، حتى “استفاق” السوريون على قرار جديد برفع أسعار البنزين والغاز، صدر كالعادة بعد منتصف الليل، وهو يعني أن معظم السلع ستتأثر بالقرار ارتفاعاً.

والاثنين الماضي، رفعت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في الحكومة السوية، أسعار البنزين أوكتان وأسطوانة الغاز المنزلي والصناعي.

ارتفاع يجعل راتب الموظف بالكاد يعادل ثمن 3 أسطوانات غاز فقط، بينما صارت تكلفة السفر بين محافظة دمشق وأخرى، تعادل ما يزيد عن مقدار الراتب.

تهديد جديد

الارتفاع الجديد، يأتي وسط حالة من فقدان تلك المواد أصلاً، وارتفاع في أسعار المشتقات النفطية، جعل البلاد تعيش ما يشبه حالة الشلل، بعدما اقتصرت تحركات آليات النقل على الضروري منها، وهو ما طال حتى مؤسسات حكومية كانت قد ألغت الجولات المخصصة للعاملين، في نقلهم من وإلى أماكن العمل، وذلك منذ أن بدأت أزمة الوقود تتفاقم.

زحام شديد وتدافع للظفر بمقعد في “السرافيس” التي يتناقص عددها، وعلى الوجوه علامات الإرهاق، والغضب، أحد الموظفين يبدو وقد استنفد حتى الطاقة في الاحتجاج، يقول بتعابير غاضبة أو ساخرة، “العاملين صاروا يشتغلون مجاناً، بل إنهم صاروا بحاجة إلى راتب إضافي، كي يؤمنوا تكلفة الوصول إلى العمل”.

أحد سائقي سيارات “التكسي” يقول لنورث برس، إن السعر الجديد للبنزين الوارد في القرار، هو عملياً أقل من السعر المتداول في السوق السوداء.

ويوضح أن “الوزارة لو استطاعت فعلاً تأمين البنزين حتى بذلك السعر، فإن أجور النقل قد تنخفض نسبياً، إلا أن ما سيفعله القرار في الواقع هو رفع سعر البنزين في السوق السوداء، والذي يباع حالياً بما لا يقل عن 10 آلاف ليرة، (يتأرجح صعودا وهبوطاً)”.

وحول ما إذا كان سيرفع الأجرة، يقول: “أصلاً ما عاد حدا يقدر يستخدم التكسي”، ويشير إلى سيارات الأجرة التي تحولت إلى نظام آخر للعمل وأخذت تسمية “التكسي السرفيس”.

ويقول: “في الأيام القادمة ستجدني هناك، لن أكون قادراً على شراء البنزين، ولن أجد زبائن يستقلون السيارة بعدما صارت حتى أجرة السرافيس مرتفعة، وصارت الأقدام وسيلة النقل الأساسية”.

آثار رفع الأسعار لن تقف عند أجور النقل، بل ستساهم في رفع كثير من السلع، خاصة مع ندرة المازوت وعدم توافره، كما أن ارتفاع سعر الغاز سيرفع تكلفة إنتاج جميع السلع المرتبطة به.

أحد الصحفيين المتابعين للشأن المحلي، يقول لنورث برس، إن السوق شهد “ارتفاعاً فوضوياً” في بعض السلع منذ الساعات الأولى للقرار، والذريعة هي رفع سعر أسطوانة الغاز.

ويشير إلى أن الأسعار الحقيقية للغاز، في السوق السوداء، “تفوق حتى تلك المسجلة في القرار، خاصة مع الفوضى والفساد المستشريان وهو ما سيجعل الأسعار لا تخضع حتى إلى منطق العرض والطلب، وطبعاً لا توجد رقابة، وإن وجدت فالفساد عنوانها”.

ترجمة “النصر”

وكان الصحفي والبرلماني السابق نبيل صالح، وجّه عبر صفحته في “فيسبوك” نقداً لاذعاً للحكومة، بل إنه شبَّه قرارات الحكومة بالقصف الذي تتعرض له البلاد أسبوعياً (في إشارة إلى إسرائيل).

وقال صالح: “شكرا للرئيس عرنوس وصحابته الميامين على رفع سعر الغاز والبنزين في اليوم التالي على قرار السماح بتصدير منتجاتنا الزراعية والحيوانية كون تكاليف إنتاجها من سماد ومحروقات وأدوية وأعلاف أعلى من قدرة المواطن الشرائية، بما فيهم المزارع الذي ينتجها”.

وأضاف: “يعني ما مضى تلاتيام على همروجة الجامعة ويومين على وصول بواخر النفط الإيراني وهبوط الدولار حتى تتآمروا على حياتنا بالليل وتهاجموا مضاربنا الصبح !! يعني شو الفرق بينكم وبين اللي عم يقصفونا كل أسبوع؟ الواقع أنكم أكثر ضرراً منهم”.

معظم التعليقات على القرار، ربطت بينه وبين “أجواء التفاؤل” بانفراجات قادمة، حاول الإعلام الحكومي ترويجها بعد مشاركة الرئيس بشار الأسد في القمة العربية.

ومما أوردته صفحات إخبارية وشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي: “بعد الانتصار العظيم الذي حققه بلدنا سوريا تعلن حكومة الليل لدينا منذ قليل جولة جديدة من رفع أسعار بعض المشتقات النفطية”.

ما بعد 19 أيار

الصدمة الجديدة جاءت وسط مناخ من التفاؤل حاول الإعلام ترويجه، وهو ما قوبل لاحقاً باستهجان، وسخرية، وكان من أبرز ما تمت إعادة نشره والتعليق عليه، منشور كتبه أحد مذيعي التلفزيون السوري عبر صفحته، بدأه بعبارة: “صدقوني ما بعد 19 أيار لن يكون كما قبله”، (في إشارة إلى مشاركة سوريا في القمة العربية).

ذلك الإعلامي قال إن لديه “معلومات” لا “تكهنات”، تؤكد أن “معالم النصر السياسي والعسكري السوري” ستبدأ بالظهور اقتصادياً وخلال 3 أشهر.

كذلك اختار بعض السوريين إعادة نشر فيديوهات لحلقات الدبكة، في مناسبات مختلفة، مع تعليقات ساخرة تتحدث عن “جانب من أفراح الشعب السوري وعقد حلقات الدبكة والأهازيج والزغاريد تعبيراً عن ابتهاجهم وسعادتهم الفظيعة وترحيباً بقرار رفع سعر البنزين والغاز، ويطالبون برفع المزيد”.

وقد اختصر أحدهم بالقول: “شعار الحكومة: نحن نعمل لأجلكم، بس أجلكم ما عم يجي”.

تحرير: تيسير محمد