الأسد في السعودية يعكس تطبيعاً شرق أوسطياً جديداً

كانت المناظر الكئيبة أمام مرأى الجميع، وكان الرئيس السوري بشار الأسد يبتسم ابتسامة عريضة وهو يسير على مدرج المطار بعد هبوطه في مدينة جدة السعودية. وكان هناك مفوضون من المملكة بمن فيهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ممن رحبوا به واستقبلوه استقبالاً دافئاً. جلس الأسد هناك مع قادة الدول العربية الأخرى مرحباً به بالعودة إلى الجامعة.  

كان يوم الجمعة ذلك، بالنسبة للأسد الذي شهد إعادة تأهيل يمكن القول إنها استمرت سنوات في طور التكوين، لكنها لم تكن أقل إثارة للجدل بالنسبة لمنتقديه وخصومه. قبل عقد من الزمن، كان المسؤولون في دول الخليج الملكية يتآمرون على طرق للإطاحة بالأسد. لقد ضخوا الموارد والأسلحة في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا ودعموا مجموعة متنوعة من المتمردين المناهضين للأسد. وعندما وجه الأسد بنادقه نحو شعبه وقام بقصف المدن السورية وإطلاق العنان للأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، وضعوا النظام في حالة تجميد عميق وأخرجوه من جامعة الدول العربية، الكتلة الشقيقة التي استوعبت منذ فترة طويلة الديماغوجيين والمستبدين من مختلف المشارب.  

لكن الأسد يسيطر فعليا على غالبية بلاده، في حين أن المتمردين السوريين وأنصارهم ضعيفون ومشتتون. فقد حولت القوى الإقليمية التي استثمرت ذات مرة في إطاحته اهتمامها وأولوياتها إلى مكان آخر. وقالت الناشطة البريطانية السورية رزان صفور معلقة على عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية: “لقد خذلنا المجتمع الدولي تماماً”.  

وقالت وفاء علي مصطفى التي تبلغ من العمر 32 عاماً، وهي مواطنة سورية منفية في ألمانيا، لصحيفة واشنطن بوست: “بدلاً من تحميل الأسد المسؤولية عن جرائمه الشنيعة … يتم الترحيب به وحتى مكافأته كما لو أن السنوات الـ 12 الماضية من المعاناة وإراقة الدماء لم تحدث أبداً”. وحذرت من عملية “تطبيع” مع نظام الأسد التي تبدو جارية بين جيرانه العرب.

واستغل الأسد ظهوره في جدة ليصور نفسه مرة أخرى كركيزة للاستقرار في منطقة مضطربة. وقال في الاجتماع: “من المهم ترك الشؤون الداخلية لأبناء البلاد لأنهم هم الأقدر على إدارتها”، مكرراً امتناع المستبد المسيء القديم. بغض النظر عن أنه تم قتل مئات الآلاف من السوريين خلال حكمه، واختفاء عشرات الآلاف في سجون النظام وتشريد الملايين بينما لا يزال معظم البلاد الذي مزقته الحرب بحاجة إلى المساعدة الإنسانية. قدم الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وأجزاء من شمال سوريا في شباط/فبراير طريقاً جديداً للأسد لتسريع التقارب مع جيرانه المتعاطفين.  

كان لدى الديكتاتور السوري دافع فكري خفي طوال الوقت. فقد أطلق الأسد ضربة قوية على تركيا المجاورة التي يمثل وكلائها بعض الرافضين الرئيسيين لحكم دمشق. وحذر الأسد من “خطر الفكر العثماني التوسعي” – حيث قام بالتماس ضمني لكل من التضامن العربي بالإضافة إلى الأطراف المناهضة للإسلاميين. ويعتبر مثل هذا الخطاب، إلى حد ما، تصرف نموذجي لبعض نظراء الأسد في جامعة الدول العربية. في الأشهر التي سبقت وصول الأسد إلى المملكة العربية السعودية، قام نظامه ببوادر ناجحة تجاه بلدان مثل تونس ومصر، حيث عزز القادة المستبدين لكلا البلدين حكمهم من خلال حملات القمع ضد الإسلاميين.  

بالنسبة للمضيف السعودي لجلسة الجامعة العربية، فإن عودة الأسد إلى الحضن العربي هي جزء من محاولة أوسع لتخفيف الاحتكاكات في الشرق الأوسط بعد سنوات من الاستقطاب الجيوسياسي والحروب المدمرة والتململ الاجتماعي. وفي يوم الجمعة، عبر ولي العهد عن أمله في أن تؤدي عودة الأسد إلى جامعة الدول العربية “إلى إنهاء أزمتها”.  

بدلاً من ذلك، ما كان معروضاً هو تذكير بالكراهية التي أججت ذلك: فحضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي القمة في جدة كمحطة توقف في طريقه إلى اجتماع مجموعة السبع في اليابان. ودعا القادة العرب إلى “إلقاء نظرة صادقة” على الحرب التي تشنها روسيا في بلاده، مع انتهاكاتها لحقوق الإنسان وانتهاكات القانون الدولي.  

قال زيلينسكي: “للأسف هناك البعض في العالم، والبعض الموجودين بينكم، يغضون الطرف عن تلك الأقفاص وعمليات الضم غير القانونية”. وفي غرفة مزدحمة بأصدقاء الكرملين وحلفائه، كان الأسد، الذي أنقذ نظامه بتدخل روسي في عام 2015، على رأس المجموعة.  

ومع ذلك، فإن الحرب في أوكرانيا والاضطرابات الواسعة النطاق التي أثارتها في الأسواق قد ركزت الأذهان في الشرق الأوسط على الحاجة إلى مزيد من الاستقرار في عصر من عدم اليقين. وتعمل المملكة العربية السعودية على إصلاح العلاقات مع خصمها القديم إيران وتبحث عن مخرج من الحرب في اليمن، حيث تعطي الأولوية لخططها الطموحة للتنمية في الداخل. وغرد هـ.أ. هيليير، زميل بارز في مركز أبحاث RUSI في بريطانيا قائلا: “الرياض لم تبدأ بحملة التطبيع مع نظام الأسد، لكنها سارت معها، وبقوة”، مشيراً إلى المبادرات التي قامت بها دول مثل الإمارات العربية المتحدة تجاه سوريا في وقت سابق. وأضاف: “هذا كله جزء من حسابات الرياض بأن أجندتها المحلية تتطلب خفض التصعيد داخل المنطقة في أي ملف آخر، بحيث يتم تركيز الاهتمام الكامل في الداخل السعودي”.

وقدم هيليير تحذيراً صارخاً: “لكن إعادة دمج الأسد قد تعود لتطارد الرياض. لم يتغير الأسد، ولا يزال نظامه غير مستقر، حتى مع وجود الدعم الروسي والإيراني. وهناك الملايين من السوريين الذين ينظرون إلى الأسد على أنه الأكثر وحشية في تاريخهم، وهذه ليست وصفة للسراء”.  

ونظر المسؤولون الأمريكيون والدبلوماسيون الغربيون بحذر إلى إعادة التأهيل السياسي للنظام السوري. وفي الوقت الذي تدعو فيه دول مثل الأردن والجزائر والإمارات العربية المتحدة إلى تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا، يكثف المشرعون الأمريكيون جهودهم لتمرير جولة جديدة من التشريعات التي تعاقب نظام الأسد وتتجنب المزيد من التطبيع.  

وقال مصدر خليجي مقرب من الدوائر الحكومية لرويترز: “الأمريكيون مستاؤون. نحن (دول الخليج) أناس يعيشون في هذه المنطقة، نحاول حل مشاكلنا بقدر ما نستطيع بالأدوات المتاحة لنا بين أيدينا”.  

وقد يعكس هذا التحول أيضاً رغبة الولايات المتحدة المتضائلة للمشاركة في المنطقة، حيث تركز واشنطن أكثر على التحديات التي تواجهها من الشرق وتتخذ دور المتفرج في الشؤون العربية. وقالت منى يعقوبيان، نائبة رئيس مركز الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المعهد الأمريكي للسلام، لقناة الجزيرة: “ربما تكون إدارة بايدن قد أجرت حسابات مفادها، حسناً، المنطقة تمضي قدماً في التطبيع. ربما تكون القضية المهمة إذن هي الحصول على شيء مقابل ذلك، والحصول على تنازلات”.

ومن غير الواضح مدى أهمية هذه التنازلات. ويشير الخبراء إلى انتشار تجارة الكبتاغون غير المشروعة، وهو عقار أصبح يصدر بشكل هائل وغير قانوني في سوريا والذي قد يكون تأثيره الخطير على المنطقة بمثابة ورقة ضغط لدمشق.  

وقد أخبرني تشارلز ليستر، زميل بارز في معهد الشرق الأوسط بواشنطن: “من أجل الحفاظ على انتباه دول المنطقة، فمن الممكن جداً أن يمنح النظام بعض التنازلات الدنيا في الأشهر المقبلة: مثل تقديم معلومات استخبارية عن تحركات الكبتاغون بالتنقيط وإبقاء وصول المساعدات عبر الحدود مفتوحاً، وربما منح عفو صغير عن السجناء. لكنها ليست من صفات الأسد التنازل بأي شكل كبير، لذلك سيأتي وقت تصل فيه إعادة الانخراط إلى طريق مسدود طبيعي – حيث تصبح الخطوة التالية، وهي الاستثمار الاقتصادي الكبير، غير قابلة للدفاع عنها دبلوماسياً أو يتم ردعها بسبب العقوبات الغربية”.  

لكن في الوقت الحالي، فإن التطبيع في سوريا يسير بخطى سريعة. قال ويليام ف. ويشسلر، المسؤول السابق في البنتاغون الذي يرأس برامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي، إن الدول العربية “تحكم بدقة على موقف الولايات المتحدة من التطبيع، وهو أن الولايات المتحدة لا تريد أن تتدخل ولا تريد دعمه، لكن الولايات المتحدة لن تفعل أي شيء لمنع حدوثه”.

كتبه إيشان ثارور لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية وترجمته نورث برس