بعد القمة العربية.. هل يلتقى الأسد وأردوغان؟

ليلى الغريب ـ دمشق

بعد عودة العلاقات بين سوريا ومعظم الدول العربية، واستعادتها لمقعدها في الجامعة العربية، هل تحصل خطوة مشابهة بين سوريا وتركيا؟ وهل يلتقي الرئيسان، ويسدلان الستارة على كل ما حصل خلال أكثر من عقد من الزمن؟

في كلمة الرئيس السوري بشار الأسد، خلال القمة العربية، وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “بالإخونجي”، ورغم أن هذا التوصيف (المعتمد في سوريا لوصف المنتمين إلى تنظيم الإخوان المسلمين)، يشير إلى أن العداء ما زال قائماً، إلا أن ثمة من يرى على العكس أن ذلك مقدمة للتفاوض، وللقاء سيجمعهما بإرادة روسية.

في حين هنالك من يرى أن فوز أردوغان أصبح مضموناً، وتنازله عن أي امتيازات حققها في سوريا أمر ليس بالسهل.

لقاء مستبعد

المحلل السياسي جورج حداد (اسم مستعار)، يقول لنورث برس، إنه من المستبعد في الوقت الراهن أن نشهد لقاءً بين أردوغان والأسد، “لأسباب عدة”.

ومن هذه الأسباب، بحسب “حداد”، هو أن التقارب السوري التركي كان بشكل أساسي ورقة انتخابية، أراده أردوغان أن يكون رصيداً إضافياً يعزز شعبيته، ورغم أن الانتخابات غير المسبوقة التي شهدتها تركيا لم تُحسم بعد، بعدما ذهبت لجولة ثانية، إلا أن أوراقها السياسية استنفدت، كما أن ما تبقى على موعد إجرائها أقصر من أن يسمح بخطوة كتلك.

شروط صعبة

أضاف “حداد” أنه في حال فوز أردوغان “سيبقى الاحتمال بعيداً أيضاً، بسبب أن الطرفين حددا شروطاً ليست سهلة لأي منهما قبل أي لقاء”، إذ يطالب الأسد بخروج القوات التركية من شمالي سوريا، “وهو ما لن تقدمه تركيا بتلك السهولة، فهي ليست في موقع الضعف”.

في المقابل يطلب أردوغان من الأسد، أن يقدم مساعدة في “محاربة الإرهاب” في الشمال السوري، وهي العبارة التي يستخدمها النظام التركي لوصف القوات التي تسيطر على تلك المناطق، وعمادها الأساسي قوات سوريا الديمقراطية، حسب رأي “حداد”.

ولفت المحلل السياسي إلى أنه “ليس بخافٍ أن أردوغان يسعى عبر ذلك التصريح الأحدث له (في حوار مع قناة “سي إن إن”) إلى إقناع الناخب التركي بأن وجود قواته في سوريا يحظى بموافقة رسمية، بل بمساعدة لمواجهة عدو مشترك”.

وقال أردوغان، خلال المقابلة، إن بلاده ستحافظ على وجودها في شمالي سوريا، ولن تقبل طلب الرئيس السوري بشار الأسد بالانسحاب.

ومن الواضح أن شروط الطرفين لعقد لقاء تبدو أصعب من أن يوافق عليها أي منهما، وهي تبقى بالنسبة لأردوغان ورقة انتخابية ليس إلا، وبالنسبة للأسد محاولة لكسب إنجاز سياسي طال أمده، إلا أن حظوظ تحققه تكاد تكون معدومة إذ أن القوات التركية في سوريا لا تقع تحت أي ضغط من القوات السورية يجبر قيادتها على التفاوض على الانسحاب، بحسب المحلل السياسي.

وأضاف: “لكل ذلك لن يحدث لقاء كهذا، وفي حال فوز أردوغان بالانتخابات، فإنه سيعزز مكانته في بلاده، وبالتالي خياراته، بعد فوزه في انتخابات غير مسبوقة”.

قمة العرب.. بانتظار خطوة الأسد

ويعتقد “حداد” أن ما حدث في القمة العربية كان “مساراً مغايراً نوعاً ما” لمسار علاقات دمشق بجيرانها، “فتركيا غير معنية بالحسابات العربية ـ العربية، بعدما حققت جزءاً كبيراً من مصالحها في سوريا”.

وحضور الأسد في القمة العربية، كان “نصراً سياسياً” له، لكنه حتى الآن لم يثمر أي شيء عدا ذلك، ولا يوجد حتى الآن أي مؤشر على “تدفق المساعدات”، أو المساهمة في إعادة الإعمار في سوريا، حسبما كان وما زال كثير من السوريين يأملون.

وربما ستكون أي خطوة عربية عملية في سوريا، مرهونة بالخطوة المنتظرة من دمشق، حسب قرار الجامعة العربية الذي نص على سياسة “الخطوة مقابل خطوة”.

بالمقابل، كان لافتاً أن القمة العربية أظهرت “الود لتركيا”، إذ خلا بيانها من أي انتقاد لأنقرة بخصوص “ممارساتها في الشمال السوري، واحتلالها لمناطق فيه”، بل أكثر من ذلك، إذ أن المساعدات تدفقت إلى تركيا، عبر الودائع العربية فيه ومنها الوديعة السعودية بقيمة 5 مليارات دولار في المصرف المركزي التركي، وزيادة الاستثمارات في تركيا.

تتلاقى المصالح

بينما هنالك من يرى أنه لا مستحيل في السياسة، عندما تتلاقى المصالح، هذه قاعدة عامة أثبتتها وقائع التطورات السياسية في العالم.

لذلك يقول الإعلامي المختص في المجال السياسي سمير راضي (اسم مستعار)، لنورث برس: “بكل اختصار؛ نعم يمكن أن يحدث لقاء بين الأسد وأردوغان (المتوقع أن يفوز في الانتخابات، ولو بفارق ضئيل عن منافسه)، ولكن السؤال الأهم: ما التنازلات التي سيقدمها الطرفان مقابل ذلك؟ وهل سيكون اللقاء مجرد مشهد في الأخبار يقدمه كل من الرئيسين على أنه نصر سياسي له، أم ستكون له نتائج على أرض الواقع، وخاصة فيما يتصل بوجود القوات التركية في سوريا؟

يضيف “راضي” أن “تلك أسئلة مهمة، قبل اللقاء، وبعده، وإلا فإن أي لقاء بينهما لن يغير في الواقع أو الأزمة السورية شيئاً، سوى أنه يعزز حضور الرئيسين شعبياً، وتلك النتيجة لن تكون على رأس اهتمامات أردوغان بعد فوزه في الانتخابات، لأن التقارب أصلاً كان ورقة عبور نحو الفوز في الانتخابات، أما إن انتهت نتائجها كما يريد، فلن يكون أردوغان تحت ضغط الدعاية الانتخابية، وسيعود ليطرح الشروط تلو الشروط قبل أي لقاء مع الأسد، بينما سيبقى الأخير بحاجة لإنجاز سياسي كذلك، بعد الإنجاز الذي حققه في القمة العربية”.

غير مؤثرة

إعادة الرئيس السوري إلى طاولة نظرائه العرب، لا تعني أنه اكتسب شرعية بنظر القوى الأخرى، فالجامعة العربية لم تكن يوماً مؤثرة، وقادرة على فرض مواقف تتجاوز التنديد والشجب، ولم تمتلك يوماً آليات تستطيع فيها أن تفرض قراراتها على الأرض، حسب “راضي”.

وحتى الآن بقي التقارب التركي السوري (في المعلن منه) ضمن إطار بحث “تشذيب” الوجود التركي في سوريا، وتحقيق المصالح المشتركة ضمن الوضع القائم، إذ كانت التصريحات متضاربة فيما يتعلق بوجود القوات التركية في سوريا، إلا أن اللقاء بين الرئيسين سيكون مختلفاً، ولن يحدث ما لم يتم توصل الطرفان إلى اتفاق على ذلك الوجود.

تحرير: تيسير محمد