فاطمة خالد – الرقة
تستيقظ مها في غداةِ يومها، تجهّز لأطفالها وزوجها وجبة الفطور قبل خروجها إلى العمل، حيثما تيسر لها، لجلب بعض المال وتوفير وجبة الطعام الأخرى لهم.
هكذا تقضي مها المحمود (24 عاماً)، كل يوم في مخيم للنزوح جنوبي الرقة شمالي سوريا، منذ خمس سنوات مضت على خروجها من منزلها.
تعمل النازحة في مخيم “المقص”، بالمياومة لدى مزارعي الخضار الصيفية، في هذا الوقت من العام، وتستغل المواسم في أوقاتها للعمل وتأمين لقمة العيش لعائلتها المكونة من 3 أطفالٍ، وزوج سرق المرض صحته، وبات لا يستطيع العمل.
هنا تزداد مسؤولية المرأة الشابة في تأمين احتياجات عائلتها ومنزلها، والذي لا تعتبره منزلاً فهو “مجرد خيمة”، تقسو عليها ظروف الحياة فيها “نتمنى نرجع على بيوتنا متنا من الخيمة”.
تأمين لقمة العيش والمصاريف اليومية من خلال العمل في الأراضي الزراعية وغيرها من الأعمال وبأجور ضئيلة، معاناة كبيرة لنازحي مخيم المقص جنوبي الرقة، حيث يعيش هؤلاء ظروف نزوح “قاسية” و”ظروفاً معيشية أصعب”.
وتخرج “المحمود” إلى العمل في ساعات الصباح الباكر مع مجموعة من نساء ورجال المخيم، لتعود بعد خمس أو ست ساعات بأجر لا يتجاوز ألف ليرة في الساعة، إلا أنها في موسم زراعة الخضار تأتي ببعض منها لإطعام عائلتها.
وبالرغم من الأجر الضعيف، ولكنها مجبرة على العمل خمس ساعات يومياً لتأمين مصروف البيت اليومي من طعام وشراب ومستلزمات أخرى، إلا أن الخمسة آلاف قد لا تكفي لثمن الخبز، على حد قولها “إذا ما في شغل أطلع على المكبات حتى أعيش أطفالي”.
ويعمل غالبية نازحي مخيم المقص جنوبي الرقة، كعمال مياومة لتلبية متطلبات عائلاتهم في ظل قلة الدعم من قبل المنظمات الدولية والجهات المعنية، بالإضافة إلى الظروف المعيشية والاقتصادية المتدهورة في المخيم.
وغالبية النازحين في مخيم المقص 3كم جنوبي الرقة، نزحوا من مناطق دير الزور، التي تسيطر عليها القوات الحكومية، والفصائل الموالية لإيران، ويعانون ظروفاً معيشية صعبة نتيجة تراجع عمل المنظمات في المنطقة.
ولا يقتصر العمل في المياومة على النساء الشابات فقط، إذ تبذل نورية محمد (50عاماً)، وهي إحدى النازحات في المخيم، مجهوداً كبيراً “يفوق قدرتها” حتى تستطيع إعالة أبنائها وعائلاتهم.
تقول “محمد” إنها منذ نزوحها من منطقة الجورة في دير الزور إلى المخيم، وهي تكد وتعمل من الساعة السادسة صباحاً وحتى الساعة 12 ظهراً، وقد يستمر الأمر إلى ساعات العصر، صيفاً وشتاءً.
وتعمل الأم مع أحد أبنائها البالغ من العمر (15 عاماً)، يداً بيد لتأمين متطلبات بقية أفراد الأسرة اليومية إلا في حال المرض، إذ تضطر “محمد” للاستدانة من جيرانها لشراء الدواء في حال مرض أحدهم، فهي لا تأخذ أجرها اليومي من العمل بل إنها تتلقاه كل أسبوع أو أسبوعين.
وزادت قلة فرص العمل وانهيار قيمة الليرة السورية من معاناة النازحين، حيث ارتفعت الأسعار وفقدت غالبية العائلات قدرتها الشرائية، مما يجبر الكثير على التقشف في العيش والمصاريف.
بينما يتحمل الرجال المسؤولية الأكبر في إعالة أسرهم في المخيم، فالسعي وراء لقمة العيش والحصول على عمل بشكل يومي يأتون منه ببعض المال، أصبح الأمر الأساسي في حياة أرباب الأسر شباناً وشيباً.
ولم تمنع إصابة سعيد العيد (43عاماً)، بمرض الديسك في ظهره عن التوقف عن العمل كعامل مياومة، وقد يعمل في أي شيء يعرض عليه في سبيل جلب بعض المال وحتى بالرغم من الأجر الزهيد أحياناً.
يقول: “كنا قبل نعمل في أراضينا ونرعى أغنامنا، لم نكن نشعر بهذا التعب والثقل في العمل الذي نشعر به في المخيم في هذه السنوات الأخيرة”.
لأن تدهور الأوضاع المعيشية لهم، كان بسبب غياب دعم المنظمات الدولية التي قد تقدّم واحدة من أصل عشرة منها مساعدات في مدة شهر وتغيب خمسة أشهر، بحسب قوله.
ويعمل “العيد” إلى جانب زوجته لتأمين متطلبات عائلته المؤلفة من 8 أشخاص أكبرهم بعمر 11 عاماً، لا يقوى على العمل، وذلك بأجر لا يتجاوز 7 آلاف ليرة للعامل الواحد في اليوم، بينما يتطلب مصروف أصغر عائلة في المخيم على الأقل 15 ألف ليرة عدا حالات المرض.
ويستمر العيش في مخيم المقص العشوائي بين السعي وراء تأمين احتياجاتهم في ظروف النزوح القاسية، وأمل انتهاء هذه المعاناة والعودة إلى الديار، صابرين، حتى ذلك الوقت، على مرارة العيش وانخفاض أجور العمل، فكل همهم أن يستمروا في الحياة، “فأجور متدنية خير من الموت جوعاً” يقول بعضهم.