“الإجراءات القسرية”.. محاولة حكومية لتقليص تأثير الأحداث السياسية على سعر صرف الليرة

ليلى الغريب ـ دمشق

شهد الدولار انخفاضاً ملموساً بعد دعوة الأسد لحضور القمة العربية، وفي الحقيقة إن طريقة إدارة سعر الصرف في البلاد لا تخضع لقوانين اقتصادية بحيث تبدو القرارات المتخذة واضحة ومنطقية اقتصادياً، ولهذا يظل واقع سعر صرف الليرة يخضع لحسابات خاصة، حيث تحاول القرارات الإدارية أن تتغلب على العوامل السياسية والاقتصادية التي تدفع قيمة الليرة إلى التراجع.

يقول الإعلامي سمير رضا (اسم مستعار) وهو مختص بالاقتصاد السياسي لنورث برس، إن “كثرة التدخل في السوق، وخاصة الاعتماد على العامل النفسي، أو على الإجراءات القسرية، لدفع الناس إلى تصريف الدولار بالليرة السورية، جعل من القرارات أو التدخلات تفقد كثيراً من زخمها”.

وما حدث مؤخراً من ارتفاع ترافق مع الأخبار عن مشاركة سوريا في القمة العربية، “يعد دليلا على ذلك، إذ أنه وفي اليوم الذي تلقت فيه سوريا دعوة رسمية لحضور القمة العربية (في العاشر من الشهر الجاري)، انخفضت قيمة الليرة السورية أمام الدولار بمقدار 150 ليرة، إذ سجلت 8900 ليرة، صباحا لتقفل على 8950 ليرة”.

غير مستقر

وواصلت الليرة انخفاضها في اليوم التالي، قبل أن تبدأ مساراً غير مستقر بين الارتفاع والتراجع، غلب عليه انخفاض قيمتها، إلى أن بدأ مسار الارتفاع يوم 17 أيار/ مايو، حتى أغلقت الخميس الماضي على 8650 ليرة أمام الدولار، وذلك تزامناً مع أخبار وصول الأسد إلى السعودية.

وأضاف “رضا” أن هذا المسار يعكس حالة القلق، ويشير إلى أن حركة التداول في السوق غير الرسمي، “كانت تمضي باتجاه مغاير لما كان الإعلام يحاول الترويج له على أنه نصر سياسي لسوريا، وبداية انفراج في الأزمة”.

وذلك أيضاً “ناتج عن سلسلة طويلة من الخيبات المتكررة في السياسة التي تجد انعكاسها مباشرة في الاقتصاد، وخاصة في سوق العملات”، بحسب المختص بالاقتصاد السياسي.

ولفت “رضا” إلى أن الارتفاع الذي شهدته الليرة في إغلاق يوم الخميس، يعود بالدرجة الأولى إلى الأخبار عن وصول الأسد إلى السعودية، إلا أن استمرار ارتفاع سعر صرف الليرة، الذي أخذ دفعاً قوياً من ذلك الحدث (المهم والأول من نوعه منذ 2011)، “سيكون رهنا بالتطورات القادمة، وهو أمر ما زال غير واضح حتى الآن، فحضور الأسد قمة جدة كان حدثاً سعودياً، أي مرتبطاً بالسياسة السعودية الجديدة التي تسعى لدور أكبر في المنطقة، أكثر من كونه مرتبطاً بالأزمة السورية، ومسارات حلها”.

الإجراءات الأخيرة التي اتخذها المصرف المركزي في السياسة المالية وصفها بعض الخبراء بأنها “كارثية” على الاقتصاد وسعر الصرف وبالتالي على معيشة المواطن.

ولفت بعضهم إلى استمرار تلك السياسات رغم كل آثارها الكارثية على الوضع الاقتصادي، إذ أن سعر الدولار في ارتفاع مستمر أمام الليرة السورية، وانهيار يومي في قدرة الناس الشرائية.

انهيار متوقع

ويشير الخبير الاقتصادي إلياس عيسى (اسم مستعار) لنورث برس، إلى أنه “توقع ما وصل إليه الحال من وضع كارثي قبل عام ونصف من قراءته لآثار القرارات التي يتخذها المصرف المركزي، والتي انتهت بنتائج حتمية لانهيار التجارة والصناعة والزراعة وسعر صرف الليرة، وتراجع كارثي أيضاً للقوة الشرائية للرواتب والأجور”.

ويرى “عيسى” أن من أبرز القرارات التي يمكن وصفها بـ”الأكثر ضرراً” على الاقتصاد هي “منصة تمويل المستوردات، والطلب بالكشف عن مصدر تمويل المستوردات، وتحديد السقف اليومي للسحوبات من المصارف بمبلغ كان لا يتجاوز المليون ليرة قبل أن يتم رفعه مؤخراً إلى 5 ملايين ليرة”.

وأضاف “عيسى” أن النتيجة كانت “وقف الإيداع في المصارف، وسحب الودائع، وتعامل التجار بالدولار لسهولة حمل المبلغ، وزيادة الطلب على الدولار، وارتفاع سعره مقابل انخفاض يومي في قيمة الليرة السورية”.

وكذلك تعقيد الحركة التجارية “البطيئة أصلاً” بسبب قرار منع تحويل أكثر من مليون ليرة من مكاتب الحوالات.

ومن القرارات غير الاقتصادية التي اتخذت أيضاً، قرار إلزام التاجر المصدر بإعادة قيمة البضاعة التي قام بتصديرها بالدولار إلى المصرف المركزي بسعر صرف وهمي يعادل 2.512 ليرة، مما تسبب بخسائر لا تقل عن 28%، وهذه النسبة يمكن أن تتجاوز نسبة الأرباح، وهذا يعني توقف الصادرات وتناقص كميات الدولار.

وضمن اجتهادات وزارة الاقتصاد أيضاً، حسب قوله، صدور قرار بمنع استيراد قائمة طويلة من البضائع تتجدد بشكل دائم ويضاف لها مواد جديدة، وأغلبها مواد ضرورية للصناعة، وهذا تسبب بقلة المعروض منها في السوق وارتفاع أسعارها.

لكل هذا يرى “عيسى” أن تأثيرات السياسة على سعر الدولار سيظل محدوداً أمام تأثير القرارات الادارية “الكارثية” التي يدار فيها الاقتصاد والعملة أيضاً.

تحرير: تيسير محمد