أول قمة عربية تزيل الستار عن مقعد الرئاسة السورية بعد 12 عاماً.. ما المقابل؟
غرفة الأخبار – نورث برس
يُقرء رفع الحظر عن الرئيس السوري بشار الأسد للمشاركة بالقمة العربية، في إطار مساعٍ لخلق أرضية لحل الأزمات بالدبلوماسية الناعمة، وليس كما يفسر على أنه تعويم اضطراري أو استسلام عربي لأمر الواقع المستمر منذ أكثر من عقد.
وبما أن قضية ملايين السوريين المنتشرين في دول الجوار من أهم ما سيتم بحثه في المحفل العربي، فضلاً عن مجمل الملفات السياسية التي وضعت سوريا في أزمة مستمرة منذ 12 عاماً، وكبح النفوذ الأجنبي ولاسيما التركي والإيراني، بالتالي فإن مشاركة الأسد ليست نصراً بقدر ما هي مثول لواقع يفرضه المحيط عليه.
وتفتح القمة العربية بدورتها الـ32 أبوابها أمام الرئيس السوري بشار الأسد ليجلس مع الزعماء العرب مجدداً. قد يرى نفسه منتصراً على أنقاض الحرب والأزمة والصراع، لكن لا بد أن تعقب عودته بعد أن كانت معلقةً في في تسع قممٍ سابقة، بخطوة مقابل آخرى.
والقمة العربية الـ32 المقرر عقدها غداً في مدينة جدة السعودية هي أولى قمة منذ 12 عاماً تشهد إزالة الستار عن مقعد الرئاسة السورية، بعد أن كانت مستثنية من المشاركة منذ عام 2011 بسبب الحرب الدائرة في البلاد، والخلاف العربي على شكل وممارسات النظام السياسي في دمشق.
وأمس الأربعاء انطلقت أعمال اجتماع وزراء الخارجية العرب التحضيري لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، وفيه لقي الوفد السوري المشارك لأول مرة منذ 12 عاماً، ترحيباً من المشاركين.
وتنعقد القمة في مرحلة استثنائية تشهد فيها نصف البلدان العربية أزمات سياسية واقتصادية وأشدها في سوريا واليمن وليبيا والسودان ولبنان وفلسطين.
يقول الباحث المختص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية، الدكتور منصور أبو كريم، إن عودة سوريا إلى القمة لا يعني نهاية الخلاف، بل لازال الجدل قائماً، رغم أنها تشكل نقطة تحول رأسية في ساحة السياسة العربية.
وأضاف لنورث برس أن “ذلك يتم مع وجود اعتراضات من قبل بعض الدول العربية على إعادة تعويم الأسد.”
وفيما تأتي القمة في خضم حربٍ مستمرة منذ 15 شهراً بين روسيا وأوكرانيا، وما خلفت من اصطفافات مباشرة وغير مباشرة لتخلق حالة من الصراع بين الغرب والشرق، فما يميز خلفيات القمة هذه، هي إنها جاءت بعد اتفاق بين السعودية (المستضيف) وإيران بوساطة صينية، يبدو أن لها دور في التقارب الذي حصل بين دول الخليج وسوريا.
وكانت لروسيا دوراً محورياً لإعادة “تعويم الأسد”، ما يراه مراقبون تقاعساً من الجانب الأميركي بالقيام بخطوات عملية توقف عملية التطبيع مع رئيس دولة كان سبباً في دمارها.
ومن المعروف أن الولايات المتحدة ودول غربية أخرى ترفض التطبيع مع الأسد وبالتالي فأن عودة سوريا للقمة لممارسة نشاطها بشكل اعتيادي ستثير حفيظة تلك الدول، ما يعني أنه ليس من المستبعد أن تواجه الدول العربية ضغوطاً أميركية وأوربية خلال المرحلة المقبلة.
وبالفعل، تعمل الولايات المتحدة على تشريع قانون ضد التطبيع مع “نظام الأسد” وتلوح لمعاقبة كل جهة أو كيان تقوم بالخطوة.
ولا يعرف على الفور، مدى تأثير التشريع الذي تم المصادقة عليه منقبل اللجنة الخارجية في النواب الأميركي، على الدول العربية التي انخفظت مستوى علاقاتها مع الولايات المتحدة تحت تأثير تمدد صيني.
وكان النموذج هو عدم امتثال السعودية والإمارات لمطلب أميركي بزيادة انتاج النفط، لكبح إيرادات روسيا، لكن وما حصل كان على خلاف ذلك، حيث قامت أوبك بلس (تشمل السعودية والإمارات روسيا) بخفض الإنتاج.
وبرز دور السعودية إلى جانب الإمارات بقيادة جهود عربية لإعادة تأهيل الأسد، الذي يرى أنه استطاع استعادة السيطرة على سوريا بدعم عسكري من إيران وروسيا.
وكانت ثمة جهود جزائرية حيث كانت مقر القمة السابقة، لإعادة سوريا إلى مقعدها، إلا أنها لم تؤتِ بثمارها آنذاك.
والأجدر بالذكر إن للزلزال المدمر في شباط الفائت، دور في إذابة جليد العلاقات بين دمشق والعواصم العربية، بل واستقطبت دمشق مسؤولين أممين، بالرغم من الإنتقادات الدولية التي سلطت الضوء على مدى استغلال الأسد ظروف الزلزال وجهود الإغاثة لمصلحته السياسية وإعادة تعويمه.
وعلى الرغم من أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية هي خطوة رمزية إلى حد كبير، يرى المحللون أنها دفعة للأسد، الذي يعتقدون أنه يسعى لإعادة تأهيله على المسرح العالمي دون الاضطرار إلى تقديم تنازلات كبيرة.
وبينما وبعد أكثر من عقد وما يقدر بنحو 300 ألف قتيل مدني، لازالت الدول الغربية تواجه تحدياً عما إذا كان بإمكانها وقف “تعويم الأسد”، بعد عودته إلى الجامعة والقمة العربيتين.
ويعتبر المحلل السياسي الدكتور فيصل غازي، إن القمة مفتاح مهم لإيجاد حلول للمشكلات الكبرى التي تعيشها سوريا والدمار الذي يقدر 900 مليار دولار.
وأشار في حديثه لنورث برس إلى أن سوريا تحتاج إلى استثمارات واسعة النطاق لمساعدة كل القطاعات فيها على النهوض.
وباتت سوريا أرضاً خصبة للبدء باستثمارات لإعادة البناء، وقد يكون ذلك أحد دوافع الانفتاح تمهيداً للسباق صوب المشاريع الضخمة المؤمل إنجازها في سوريا.
ويقرأ الغازي “جر النظام السوري بشكله الشمولي غير الديمقراطي” إلى الحاضنة العربية، بنظرة إيجابية، لأنه يساهم مستقبلاً في تعديل المسار السياسي التعددي ودستور ونظام ديمقراطييين، في إشارة إلى أنه “ليس تعويماً للنظام بقدر وسيلة أو فرصة لفرض الضغوط عليه و إجراء تغيير جوهري”.
وقال المحلل السياسي إن التحولات هذه تنعكس تدريجياً على بناء علاقات مع دول الجوار منها تركيا وقد تتطور لإيجاد حلول جدية لمشكلة التعددية القوميات على رأسها القومية الكردية لإقرار حق تقرير مصيرها في إطار نظام فيدرالي لسوريا المستقبل.
ويعتقد أن أحد العوامل التي فتحت المجال مجدداً أمام الأسد لحضور المحافل الإقليمية، هو أنه لم يكن هناك أمل كبير في أن يُحاسب على سلسلة من جرائم الحرب الموثقة من التعذيب للسجناء وقصف المدارس والمستشفيات إلى استخدام الأسلحة الكيميائية.
وذكر موقع المونيتور في أحدث تقرير عن عودة الأسد: “لقد قدم الواقع – ونتائج الحرب الأهلية السورية – للعالم العربي خياراً وهو مقاطعة الأسد بشكل دائم وبالتالي السماح للهيمنة الإيرانية على سوريا بالاستمرار في النمو”.
وكانت العزلة الدبلوماسية إلى جانب حصار مالي في إطار عقوبات بقيادة الولايات المتحدة، ستمنع عودة سوريا أو إعادة إعمارها. و بالتالي سيستمر الشعب السوري في المعاناة من حكم الأسد ومختلف أوجه النقص والحرمان التي سببتها حربه المدمرة.
يبدو أن هذا الأمر لم يترك للدول العربية سوى خيار ممارسة الدبلوماسية بطريقة ناعمة للحد من خطر نفوذ إيراني أكبر، بطريقة حل وسط ترضي جميع الأطراف (دمشق طهران و الدول العربية).
فضلاً عن ذلك، نقلت العديد من التقارير الإعلامية ما وصفتها شروطاً للتطبيع تتعلق بالنفوذ الأجنبي في سوريا، وتجارة المخدرات وأثرها على الأمن العربي.
إلى ذلك، ثمة قضية رئيسية واحدة للجميع وهي ملايين اللاجئين السوريين الذين ترغب الحكومات المضيفة في مغادرة بلدانهم. حيث يرى لبنان أن السوريين يشكلون عبئاً خاصاً على البلد المنهك اقتصادياً، بعددهم البالغ نحو مليوني نسمة من سكان خمسة ملايين.
كما أن سوريا منتج ومصدر رائد في العالم للكبتاغون، المشهور السعودية ودول الخليج الأخرى، لذا تأمل الحكومات العربية بما في ذلك الأردن ( الجارة الجنوبية) التي تعاني من مشكلة التهريب، بأن تتعاون دمشق في كبح تلك التجارة.
وغالباً فأن الغارات التي شنها طيران الجيش الأردني، في الأسبوع الأول من شهر أيار/ مايو الجاري على منطقة في الجنوب السوري، كان أحد نتائج اجتماع عمان التشاوري بمشاركة الخارجية السورية.
وما يتضح من مواقف الدول العربية المعلنة وغير المعلنة، أنه لا شيء ينفذ مقابل لا شيء، لا سيما عندما يتم التركيز في اجتماعاتهم على قضايا اللجوء في لبنان والأردن ومسألة الإرهاب وضبط الحدود مع الجوار ومكافحة المخدرات، كل هذه الأمور تعتبر شروطاً ليست سهلة التنفيذ بالنسبة للحكومة السورية.