“نعيش مرحلة حنين للطعام”.. ارتفاع الأسعار يقيد موائد سوريين
دهب المحمد ـ دمشق
تتذكر رغد العلي (اسم مستعار) من ريف دمشق، كيف كانت جدتها تجمع أحفادها على مائدة الطعام، وتصر على تناول ما تسميه “كباب الفقراء”، وهو القليل من البيض المقلي بالسمن العربي والشنكليش، “وتصر بعد أن نفرغ من الطعام أن نحمد الله وتدعو أن يديم هذه النعمة علينا مدى الحياة”.
وتقول “العلي” لنورث برس: “ربما لم تكن جدتي متعلمة أو تجيد فنون الاقتصاد، لكنها كانت تناجي الله للأيام التي يصل فيها سعر الصرف في سوريا لـ9000 ليرة سورية، ونتذكر حينها بعض الأطعمة تذكراً فقط، دون التذوق”.

وفي كليات الإعلام، يقدم الأساتذة مثالاً لمادة صحفية أخذت “بولترز” ونشرت في ول ستريت جورنال، تتحدث عن ارتفاع سعر صحن السلطة (الخضروات) في سوريا ليصل إلى 1$ أميركي. إذ وصل سعر صحن السلطة، الذي غاب عن طبق بعض الأسر السورية، اليوم إلى تسعة آلاف ليرة، لكيلو الخيار بـ3300 ليرة سورية، والبندورة 3500، والبصل 3000، إذا تحتاج أسرة مكونة من 4 أشخاص إلى (9000) يومياً فقط ثمن صحن السلطة.
الحنين إلى اللحم!
وصل ضيق الحال عند السوريين والسوريات في مناطق سيطرة الحكومة إلى الحنين للطعام، حيث غابت عن السُفر السورية الكثير من الأطعمة بسبب غلاء الأسعار.
يشتاق غسان محمد، (68 عاماً) وهو مدرس متقاعد، من ريف مدينة حمص الغربي، إلى منسف بالبرغل والحمص، وهو الأكلة التقليدية في المنطقة بالسمن العربي مع اللحم سواء الدجاج أو الغنم، والذي كان يتناوله بشكل شبه يومي برفقة صديقه.
ويقول لنورث برس: “نتذكر السيالات وهي أكلة حلويات تقليدية أيضاً كانت تحكيها الأمهات على الصاج”.
ويتحسر الاستاذ المتقاعد إلى ما آل إليه حاله اليوم، ويقول: “اليوم بكل أسف لا يمكن لراتبي التقاعدي أن يساوي سوى ثمن فروج ونصف فقط، وأقتصر أنا وزوجتي على صنف غذائي واحد كل يومين، مما تيسره الحياة فقط”.
وتحن عبير شيخ الأرض (35 عاماً) وهي مهندسة من دمشق، إلى طعام نسيه طبق أهلها، وهي كل الأطعمة التي تحتوي على لحومات ودسم مثل “شيخ المحشي، الكوسا باللحم واللبن”.
وتشير إلى أن كيلو اللحم يصل لـ80 ألف ليرة سورية، والكوسا تتجاوز 3000 ليرة للكيلو الواحد، بينما يصل كيلو اللبن إلى 5000 ليرة، فبذلك تتجاوز تكاليف الطبخة الواحدة 100 ألف ليرة، أي ما يقارب راتب موظف حكومي على رأس عمله.
حنين إلى الفواكه!
يتلمض محمد خورشيد الطفل ابن 12 عاماً، أمام محل العصائر في جرمانا، ويطلب من أمه أن تشتري سلطة الفواكه مع العسل والشوكولا، لتعتذر منه الأم وتطلب منه أن ينتظر حتى قدوم رأس الشهر، لتحصل على معاشها.
تقول أم محمد خورشيد، لنورث برس: “بسرعة عادت الذاكرة بي إلى الخلف 13 عاماً، يومَ بدأت الحرب وكان سعر أفضل سلطة فواكه أكسترا يساوي 10 ليرات سورية فقط لا غير، و25 ليرة في الأماكن الفاخرة كالمالكي وأبو رمانة في العاصمة”.
وتعقب: “أيعقل أننا أصبحنا في مرحلة نشتهي الطعام، إلى أن وصل بنا الحد والفقر أن نشتهي الكيك المنزلي أو ما يسمى “الكاتو” الذي نصنعه في المنازل، في حال لم تكن قدرتنا أن نشتري حلويات فاخرة”.
وتتابع: “نعيش مرحلة حنين إلى أنواع الطعام البسيطة، وأصبحنا نتذكر في جلساتنا وسهراتنا أنواع الطعام التي كنا نتناولها قبل سقوط قيمة الليرة السورية، فحتى الطعام بات في خبر كان”.