ترتيب صفقات.. سيناريوهات الجولة المقبلة والحاسمة للانتخابات الرئاسية التركية

غرفة الأخبار – نورث برس

بدأت في تركيا منذ الساعات الأولى من ظهور النتائج يوم أمس الاثنين، بوادر ترتيب صفقات جديدة بين الأحزاب والقوى استعداداً لخوض الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، حيث أن فترة الأسبوعين المقبلين كفيلة بأن تظهر سيناريوهات معظم مفاتيحها بيد تحالف “آتا” القومي.

وتدخل تركيا ولأول مرة في انتخابات إعادة ( جولة ثانية) لاختيار رئيس جديد لها في 28 أيار/ مايو الجاري، بعد أن فشل الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان من جمع أكثر من نصف عدد الأصوات في الجولة الأولى الأحد الفائت.

ورغم أن نسبة أصواته بلغت 49.4%، إلا أن ما جرى في الجولة الأولى كان بمثابة انتصار رمزي للمعارضة، لكن بالمقابل هو أيضاً انتصار لما تبدو أنها خطة محكمة لأردوغان لحسم الأمر في الجولة المقبلة.

وبين أردوغان وكليجدار أوغلو، تحولت الأنظار بعد نتائج الجولة الأولى إلى موقف سنان أوغان، مرشح تحالف “آتا”، والذي نجح في جعل تحالفه قطباً مهماً لنقل الانتخابات إلى الجولة الثانية بنسبة 5.2 % من الأصوات .

والسؤال المطروح في الشارع التركي اليوم هو أين ستذهب أصوات تحالف “آتا”؟ هل سيدعم تحالف الشعب في الجولة الثانية، أم تحالف الأمة؟.

ماذا جرى في الجولة الأولى؟

بينما كانت معظم استطلاعات الرأي تشير إلى تفوق تحالف “الأمة” بقيادة زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، كانت الصدمة أن تظهر النتائج الأولية تفوقاً كبيراً لأردوغان على حساب خصمه كليجدار أوغلو.

وهذا الأمر أشعل جدلاً كبيراً واتهامات موجهة إلى السلطات بما في ذلك وسائل الإعلام الكبرى، بالاصطفاف الواضح إلى جانب رئيس البلاد الحالي.

وما أثبت ذلك بحسب مراقبين، هو أنه مع فرز ثلث عدد الأصوات في البلاد أعقاب بدء عملية الفرز والعد مساء الأحد، بلغ مؤشر أردوغان 60%، وفق إعلانات وكالة “أناضول” الرسمية وهي وسيلة اعتمدت عليها معظم قنوات العالم، مما دفع المعارضين إلى رفض تلك الأرقام الأولية وطالبوا أنصارهم بعدم الاكتراث لها.

وبالفعل، سرعان ما بدأ مؤشر أصوات أردوغان يهوي إلى 55% ثم إلى 50% ثم إلى أقل من النصف بقليل، لتوحي أخيراً بالانتقال إلى جولة جديدة بعد أن حصد الخصم الرئيسي كمال كليشيدار أوغلو 44.95% و سينان أوغان على 5.2% و محرم إينجه ( المنسحب قبل الانتخابات بيومين) على 0.43%.

ومع ظهور النتائج شبه النهائية، ظهر كليجدار أوغلو في خطاب مصور قصير عازماً على النصر في الجولة المقبلة، وضارباً يده على الطاولة التي أمامه، وقال “سنقف ونخوض الانتخابات ونحقق الفوز”.

آتا” تستقطب الصفقات

في غضون ذلك، قال زعيم تحالف “آتا” والمرشح الرئاسي الخاسر سينان أوغان، في تصريح له بعد الانتخابات، إنهم في مرحلة “تستدعي تحمل المسؤولية لمنع البلاد من الدخول في أزمة سياسية”.

ولأن احتمالية الدخول في أزمة سياسية لا يتحقق إلا بخسارة أردوغان الذي من الصعب التخلي عن السلطة بسهولة وبيده كل مقاليد الحكم، يُفسر حديث أوغان على أنه تأييد غير مباشر لأردوغان.

ورداً على سؤال “من ستدعم في الجولة الثانية؟” قال أوغان: “سوف نتشاور. لقد دعوت مكونات التحالف إلى الاجتماع، سنعقد اجتماعاً تشاورياً مشتركاً لدراسة الوضع.”

وأضاف: “ستستمر هذه المشاورات ونأمل أن نتوصل إلى نتيجة في أقرب وقت ممكن. هذه النتيجة لن تكون بقراري وحدي، بل ستكون قرار التحالف المشترك.”

على الرغم من أنه لم يظهر دعمه الآني لأي من الزعيمين (أردوغان – كليجدار أوغلو)، لكن يبدو أن شعاره الذي تبناه ضد حزب الشعوب الديمقراطي في أكثر من مناسبة توحي إلى جهة اصطفافه خلال المستقبل القريب.

ولأن الشعوب الديمقراطي وقف إلى جانب كليجدار أوغلو في الجولة الأولى، من المستبعد أن يقف أوغان ذو الخلفية القومية المتشددة في نفس التيار الذي يدعمه الشعوب الديمقراطي.

وقال أوغان إنهم حققوا الأهداف التي أرادوها في الانتخابات، وقد انتزعوا المفتاح من الشعوب الديمقراطي، الحزب الذي عرف على أنه “صانع ملوك”، لكن ليس بعد الانتخابات الأخيرة.

معجزة

المواجهة المقبلة ستكون بين نسبة 0.5% والتي من السهل أن يحصل عليها أردوغان من قاعدة أوغان الشعبية القومية، و5 % التي يريد كليجدار تحقيقها وهي بمثابة معجزة نظراً للشروط التي يفرضها زعيم تحالف “آتا” على تحالف الأمة وأبزرها عدم التنازل لحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للكرد في تركيا.

هذا الشرط يرحب به تحالف “الشعب”، ويتوق لتطبيقه، ما يعني يأنه من المرجح أن تكون الصفقة المقبلة بين أردوغان وأوغان.

بينما الشروط التي قد يفرضها “أوغان” بالنسبة لكليجدار أوغلو، أبعد للتطبيق لسبب منطقي وهو أنه إذا كان تحالف آتا سيضمن له 5 % من الأصوات في الجولة المقبلة، فأنه سيخسر بالمقابل حوالي 8% من أصوات الشعوب الديمقراطي.

ويبقى أمام تحالف “الأمة” جهوداً مكثفة لضمان مدى صدق قواعد التحالفات الموالية له أولاً، وجولة جديدة ترتيب العلاقات، في أمل يبدو ضئيلاً لتحقيق الفوز.

النزعة القومية والإسلامية

قلّما فشلت شركات استطلاع الرأي في التوقع بالنتائج خلال كل عملية انتخابية في تركيا، بينما وعلى خلاف ذلك، كانت الهوة بين النتائج الحالية ونتائج استطلاعات الرأي كبيرة جداً تصل إلى أكثر من 5 %.

لعل النسب المتوقعة بقوة اعتمدت بشكل كبير على الأزمات التي يواجهها أردوغان، الذي حكم تركيا طوال 20 عاماً، كرئيس للوزراء ثم رئيس للبلاد، والتي تفاقمت بشكل أكبر بعد الزلزال المدمر في 6 فبراير/ شباط.

وكانت المفاجأة هي أن الخارطة السياسية بالرغم من الأزمات بقت على حالها، لتسجل نصراً لأردوغان متجاوزاً التكهنات.

ويقول مدونون كثيرون في تعليقاتهم على النتائج، إن ما اعتمد عليه أردوغان من شعارات قومية وإسلامية و”تمثلت بمواجهة خطط غربية لتحجيم تركيا وتهديد كردي على الأمن القومي” تغلبت على الأزمة الخانقة، فاستطاع جمع القومية والدين في خط واحد، بينما حاول كليجدار أوغلو أن يخلق بديل منفتح معتمداً على عيوب أردوغان والأزمات التي خلقها.

ويقول الصحفي التركي تولغا آردان في أحد تدويناته إن “هناك تقييمات في الكواليس لحزب الشعب الجمهوري بأن الدعم من شركاء الطاولات الستة، وخاصة حزب الحزب الجيد بقيادة ميرال أكشنار، كان أدنى من التوقعات، في إشارة إلى أن الطاولة كانت هشة من حيث توافق المبادئ والسياسيات.

والمواجهة لم تكن سهلة البتة، إذ كانت بين تحالف يمتلك كل موارد الدولة مسخراً إياها بالعملية الانتخابية، أمام  آخر معارض ليس بيده سوى الانتقادات و الوعود.

 وبالنظر إلى هذه المعطيات، فإن ذهاب أردوغان إلى الجولة الثانية لا يسجل نصراً، حيث أن شعبيته ولأول مرة تنخفض إلى أقل من 50 في المائة المطلوبة للفوز.

إعداد وتحرير: هوزان زبير