أطفال دير الزور بين مخالب المخدرات وترويجها

ماهر مصطفى – دير الزور

في رحلة الذهاب إلى عمله يومياً، لاحظ أحمد، نشاطاً مريباً لأطفال يبيعون الدخان، ربما ما لفت نظره كثرة عدد هؤلاء الأطفال، مقارنة بالكثافة السكانية، وبيعهم للدخان بسعر التكلفة.

دفع الفضول، بأحمد الساكن، وهو اسم مستعار لرجل من سكان الميادين شرقي دير الزور، في الثلاثينيات من عمره، إلى سؤال أحد الأطفال وهو نازح من البوكمال، عن عمله، بعد أن تكرر المشهد، لا سيما أن رجلاً يستقل “تكسي” يتوقف عنده قليلاً، يعطيه كيساً ثم يذهب، أجابه الطفل أن لديه حبوباً مخدرة، إذا ما رغب بالشراء.

وتنتشر المخدرات في المناطق التي تسيطر عليها القوات الحكومية والفصائل الموالية لإيران، ويُستخدم الأطفال والنساء في عملية ترويجها وبيعها، وسط إهمال الحكومة ومؤسساتها الأمنية، وارتفاع البطالة، وتردي الواقع المعيشي للسكان.

يقول “الساكن” إن أطفالاً يعملون في بيع الدخان أو على بسطات للبسكويت، لا يمكن توفير حتى ثمن ربطة خبز من مرابحها، “لاحظت أنهم يقومون ببيعها بسعر التكلفة”.

ويضيف لنورث برس: “لاحظت شاباً يستقل سيارة تكسي يقف يومياً مع أحد الأطفال، ويتبادلان أطراف الحديث، والذي ينتهي بتسليم الطفل كيساً أسوداً لم أكن أعرف ما في داخله، اعتدت على رؤية هذا المشهد بشكل يومي تقريباً”.

تبيّن لـ “الساكن” فيما بعد أن صاحب السيارة عنصر في الدفاع الوطني التابع للقوات الحكومية، وهو أحد أكبر تجار المخدرات في البلدة، وتوصل إلى أن ذلك الرجل يستخدم الطفل للترويج، والذي فاجأه بتواجد حبوب مخدرة لديه للراغبين بالشراء.

“تدرُّ ربحاً”

بعد أن علم بذلك، حاول التواصل مع والد الطفل، وذهب لمنزله، ليقص عليه ماذا يعمل طفله الذي لا يتجاوز عمره الـ 13 عاماً، “لكنه تفاجأ بردة فعل والده، بأنه يعلم ولا يريد أن يترك ابنه العمل في توزيع المخدرات كونها تدر عليه مرابح جيدة.

وفي اليوم التالي، حضرت دورية للدفاع الوطني إلى مقر عمل “الساكن”، هددوه بعدم الاقتراب من الطفل والتدخل بعمله.

يقول ناشطون في دير الزور، إن انتشار شبكات توزيع المخدرات، كان نتيجة للحرب، والتي تسببت بغياب الرقابة الأمنية، ما سمح لبعض الجماعات والفصائل المسلحة بنشر شبكات لتوزيع وبيع المخدرات، وكذلك نتيجة الفقر والذي يعاني منه سكان دير الزور.

إلا أنه من الضروري الحد من انتشار تلك الشبكات، والتي تعتمد على الأطفال في البيع والتوزيع، عن طريق تشديد الرقابة والتفتيش على الجماعات المسلحة، إضافة إلى نشر برامج توعية حول مخاطر المخدرات، إضافة إلى الدور الكبير للأهل بالانتباه إلى سلوك الأطفال ومراقبتهم.

ويعمل مئات الأطفال في عدة قرى وبلدات بدير الزور، في بيع الحبوب المخدرة، وتتراوح أعمارهم بين 12-16عاماً، وغالبيتهم يعملون في مناطق الجورة، حطلة، الصناعة والميادين التي تعتبر أكثر كثافة بالسكان.

ترك علي العبيد، وهو من سكان بلدة حطلة بريف دير الزور الشرقي، منطقته، واضطر إلى الانتفال للعيش خارج المناطق التي تستولي عليها فصائل موالية لإيران والقوات الحكومية، بعد أن علم بعمل أحد أطفاله ببيع المخدرات وتوصيلها إلى منازل “زبائن” في البلدة.

هروب للخلاص

يدعى ابنه سالم، ويبلغ من العمر (15عاماً)، كان يعمل الطفل في سوق الخضار في البلدة، لكن ما يجلبه من مال يفوق أجرة عامل في ذلك السوق، وسلوكه الغريب الذي بدأ يتغير، أثار ريبة لدى والده.

لذا، تتبّع ابنه عند الخروج من المنزل، لكنه لم يذهب إلى العمل في السوق، بل ذهب إلى مركز للدفاع الوطني بأطراف البلدة، دخل إليه لمدة نصف ساعة، وخرج يحمل كيساً، لم يستطع اللحاق بابنه الذي يقود دراجة هوائية.

وانتظره في المنزل لحين عودته، استجوب ابنه الذي اعترف بعمله في توزيع المخدرات على “زبائن” معينين، مقابل 20 ألف ليرة كأجرة يومية، وفقاً لرواية “العبيد”.

بعد تلك الحادثة، باع الرجل أغراض منزله، وخرج من البلدة إلى قرية في ريف الحسكة، خوفاً على ابنه من تعاطي المخدرات، وملاحقته من قبل عناصر الدفاع الوطني في حال توقف عن العمل معهم.

ويعتبر “فراس الجهام”، الملقب بـ “فراس العراقية” قائد الدفاع الوطني بدير الزور، وهو أحد أذرع الحرس الثوري الإيراني، من أكبر تجار المخدرات في المنطقة، حيث يملك أموالاً وعقارات بملايين الدولارات، وهي عائدات الربح من تجارة المخدرات، وفق سكان في دير الزور.

ويناشد ناشطون، المنظمات الدولية، للتدخل ووضع حد لاستغلال الأطفال في تجارة المخدرات، والحد من انتشار تعاطيها، “فتلك الظاهرة أدت إلى انعدام الأمن وارتفاع نسبة الجريمة”.

تحرير: أحمد عثمان