الزراعة في الجنوب السوري.. مورد أساسي للسكان يقابله إهمال حكومي
رزان زين الدين/ إحسان محمد ـ السويداء/ درعا
وسط حقول القمح في قرية ذيبين في ريف السويداء الجنوبي، يتفقد بهاء الحناوي، زرعه متأملاً أن ينمو بشكل جديد، عله يعوض جزءاً من التعب والتكلفة بعد أن تحولت الزراعة في الجنوب السوري إلى عمل لا يحقق ربحاً ولا يعوض تعباً.
وتعد الزراعة في الجنوب، مورداً استراتيجياً لمعيشة السكان، ولكن مؤخراً وفي ظل ما تشهده البلد من تضخم اقتصادي، وانهيار لليرة مقابل الدولار، بالإضافة إلى غياب الدعم الحكومي تراجعت الموارد الزراعية، ليبقى الجدل في كل عام يتجدد حول حساب التكلفة وهل عوض الإنتاج خسائر المزارعين.
ويحسب “الحناوي” كلفة زراعة دونم القمح، بدءاً من البذار المعقم الذي تم شراؤه من الدولة بسعر 3000 ليرة، ويحتاج الدونم الواحد بين 8-10كيلو من القمح، حسب كثافة الهطولات المطرية، يضاف إليها أجار الحراثة والتي تقدر بـ 24ألفاً بين حراثة وزرع.
بالإضافة إلى ما يحتاجه من مادة المازوت لزراعة القمح، والتي تقدر بنحو ليتر ونصف للحراثة عند تهيئة الأرض، وليتر أثناء الزراعة، جزءاً من هذا المحروقات مدعوم والآخر يضطر المزارع لشرائه من السوق السوداء، وتقدر كلفة مادة المازوت في زراعة الدونم بـ 10000ليرة.
وبعد أن كثرت الأرقام في العملية الحسابية التي يجريها “الحناوي”، يقول لنورث برس، مختصراً: “تجاوزت تكلفة الدونم 60000 ألف ليرة”.
ويتخوف المزارع من أن يكون الزرع غير مؤهل للحصاد بواسطة الحصادات الآلية، وذلك لشح الموسم المطري في هذا العام مما يضطرهم للحصاد بالأيدي، لتزداد الخسائر، إذ تصل تكلفة الدونم لأكثر من مئة ألف.
ويرى “الحناوي”، أن تسعيرة القمح التي حددتها الدولة بسعر 2500 ليرة للكيلو ، يضاف إليها 300 ليرة مكافأة، “هي على حساب تعب الفلاح واستمراه بالزراعة”.
وبسبب قلة الإنتاج وما يقابلها من تكاليف الزراعة وقلة أسعار البيع، أصبحت الزراعة في الجنوب السوري “عبئاً على المزارعين”، بحسب “الحناوي”.
ويتوقع المزارع أن يتفاوت محصول القمح في السويداء بين 50-100كيلو للدونم الواحد، “وبذلك تكون مرابح المزارع بضعة آلاف فقط”.
ويعد القمح من المحاصيل الأساسية في السويداء، بالإضافة إلى ما يتمتع به قمحها، من جودة عالية لصناعة الخبز كونه يعتمد على الأمطار دون السقاية.
وفي تصريح لمدير زراعة السويداء، المهندس أيهم حامد، لوكالة “سانا” الرسمية التابعة للحكومة، قال إن “خطة زراعة القمح في السويداء للموسم الحالي “تبلغ للبعل 35038 هكتاراً وللمروي 587 هكتاراً، فيما تبلغ خطة زراعة الشعير 21384 هكتاراً”.
ومن الريف الجنوبي إلى الشرقي في السويداء، تتكرر معاناة المزارعين، ويرى حسن الخطيب أن المزارع يتعرض “لعميلة استنزاف من قبل الدولة”.
ويعتبر “الخطيب”، أن “الدول تخدع المزارعين عندما تشتري المحاصيل بأسعار قليلة وما يعقبها من ارتفاع في سعر صرف الليرة وارتفاع أسعار المواد حتى المدعوم منها في حين يحاسب الفلاح على موسمه قبل رفع الأسعار”.
مهزلة الدعم
يعرب “الخطيب” إن أسفه من غياب الدعم الحكومي للزراعة، ويقول لنورث برس: “بالرغم من اعتماد الدولة على الإنتاج الزراعي بعد غياب الصناعات، إلا أنه لا دعم لقطاع الزراعة في الجنوب السوري والذي يعد السلة الغذائية لدمشق”.
ويقتصر الدعم على ليتر مازوت واحد لكل دونم، توزع ثلاث مرات في السنة “ولكن حتى الدعم لم يسلم من التقنين، ففي معظم السنوات وزع المازوت مرتين فقط ويتم تأجيل دفعات المازوت للمزارع لحين الانتهاء من عملية الزرع كي لا يستخدمه في التدفئة”.

ويقول ” الخطيب ” مستهزءاً وغاضباً: “شعار الدولة المازوت للزراعة كي نأخذ المحصول منكم وأولادكم لا يهم ليموتوا من البرد”.
ومن ضمن قوائم الدعم للزراعة في السويداء، قدمت الدولة سماد اليوريا بلغ سعر الكيس 180000 ليرة فلم يتمكن معظم المزارعين من شرائه.
رئيس اتحاد الفلاحين، أحمد صالح إبراهيم، صرح لإذاعة “ميلودي” المحلية، أن القطاع الزراعي يحصل على ربع الحاجة فقط من المشتقات النفطية، ونصف مزارعي القمح لم يحصلوا على مخصصاتهم من الأسمدة المدعومة.
زراعات صيفية
وفي الجنوب أيضاً، تتميز محافظة درعا، بخصوبة أرضها الزراعية واعتمادها على الزراعة الحقلية، ورغم ميزاتها الزراعية إلا أن واقع الزراعة يصطدم بالغلاء وانهيار الليرة.
المزارع مروان الزعبي، في ريف درعا الغربي، أرجع سبب غلاء سعر البندورة إلى استيراد الأنواع ذات الجودة العالية من خارج سوريا.
وأضاف لنورث برس، أن أسعار الأسمدة والمبيدات “ليست مرتبطة بالليرة السورية، حيث أن التجار لا يقبلون بيع الأسمدة والمبيدات إلا بالدولار الأمريكي لذلك يضطر المزارع لشراء الدولار من السوق السوداء”.
ويعد عدم توفر المحروقات بالكميات الكافية، من أبرز معاناة المزارعين في درعا، حيث أن الحكومة “لا تقدم سوى كميات قليلة لا تكفي سوى 25 بالمئة من احتياجات المزارعين”، بحسب “الزعبي”.
وتزيد تكلفة زراعة الدونم الواحد من محصول البطاطا، “عن ثلاثة عشر مليون ليرة سورية، وتزداد هذه التكلفة بشكل مستمر بسبب الانهيار المستمر لليرة السورية”.
ويصل ثمن بذار البطاطا، الذي وصفه “الزعبي”، بـ”غالٍ جداً”، لحوالي عشرين مليون ليرة سورية للطن الواحد، حسب الأصناف المتوفرة في السوق مثل (مونتريال، ايفرست، سبونتا).
وأوضح أن أجار دونم الأرض 175 ألف ليرة والحراثة 75 ألفاً بسبب غلاء مادة المازوت، “ترك الكثير من الفلاحين الزراعة بسبب عدم جدوى الزراعة هذه الأيام”.
ويعاني القطاع الزراعي في الجنوب السوري، بحسب علي الجباوي مزارع في ريف درعا الشرقي، من عدم توفر مصادر الطاقة بسبب التقنين الكبير للكهرباء والذي يصل لخمس ساعات قطع مقابل ساعة وصل وتكون الكهرباء فيها ضعيفة في الغالب لا يمكن تشغيل الآبار عليها.
ويشير إلى غلاء البذار والأسمدة وازدياد تكاليف الزراعة، مقابل انخفاض أسعار المحاصيل الزراعية، كما يصف “الجباوي”، الموسم الزراعي في العام الحالي بأنه “تحت المتوسط”.
مديرية الزراعة التابعة للحكومة في دمشق، قالت في تقرير، “بلغت نسبة زراعة القمح البعل في درعا خلال الموسم الزراعي الحالي 83.9 بالمئة بزراعة 69625 هكتاراً من أصل المساحة المخططة البالغة 82887 هكتاراً”.
وبلغت نسبة زراعة القمح المروي والشعير في هذا الموسم، مئة بالمئة من خلال زراعة 10500 هكتار قمح مروي، ونحو 32422 هكتاراً بمحصول الشعير.
وبلغت المساحة المزروعة بالبطاطا الربيعية خلال الموسم الماضي، 1750 هكتاراً، متجاوزة الخطة المقررة البالغة 1094 هكتاراً بنحو 656 هكتاراً.