السوريون والانتخابات التركية

ينظر السوريون ببالغ الاهتمام لمعرفة هوية الرئيس التركي المقبل في الانتخابات التي ستجري يوم الأحد المقبل، ولعل السبب الأساسي لهذا الاهتمام الكبير، هو تحول تركيا إلى دولة مؤثرة في تحديد مصير السوريين وتطلعاتهم بعد أن تدخلت بقوة في الأزمة السورية، وأصبحت فاعلاً محدداً للوضع الداخلي السوري، لطالما اعتبرت حكومة حزب العدالة والتنمية أن الشأن السوري هو شأن داخلي تركي، واحتلت مناطق واسعة من شمال غربي سوريا وشمال شرقها، وتحتضن أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون لاجئ سوري على أراضيها، فضلاً عن تحولها إلى عامل إقليمي مهم في تحديد المسار المستقبلي للأزمة السورية، بعد أن اتجهت بقوة للمصالحة مع النظام السوري عقب فشل سياستها السابقة الداعية إلى رحيله.           

تختلف نظرة السوريين إلى الانتخابات التركية، باختلاف موقعهم من السياسة التركية التي تعاملت مع القوى السورية انطلاقاً من أجندتها تجاه الأزمة السورية، وعلى هذا الأساس يمكن تقسيم نظرة السوريين إلى الانتخابات التركية إلى ثلاثة أقسام، وهي نظرة تقوم على المناطق السياسية التي تشكلت خلال سنوات الأزمة، تديرها أو تحكمها قوى سياسية وعسكرية مختلفة التوجهات إزاء السياسة التركية، وهي:              

  • أولاً- الفصائل التابعة لتركيا: وهي فصائل عسكرية وسياسية تسيطر على مناطق في شمال غربي سوريا، فضلاً عن المنطقة الممتدة بين رأس العين/سرى كانيه – تل أبيض، وهي فصائل نمت بدعم تركي عسكري وسياسي، وتحولت إلى أداة عسكرية لها في العمليات العسكرية التي شنتها تركيا خلال السنوات الماضية، هذه الفصائل ورغم الانعطافة الأردوغانية نحو دمشق، والتلويح بعقد صفقة معها على رأسهم، إلا أنها تأمل بفوز أردوغان في هذه الانتخابات، لطالما تعتقد أن فوز منافسه كمال كليجدار أوغلو سيضاعف من الفاتورة التي ستترتب عليهم في المستقبل، في وقت ترى أن فوز أردوغان سيدفعه إلى التشدد في مواقفه بخصوص المصالحة مع دمشق، وبالتالي ملاحظة وجودهم في أي تسوية سياسية ممكنة بين الجانبين.
  • ثانياً – الإدارة الذاتية: لا يخفى على أحد أن القوى السياسية والعسكرية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا تأمل هزيمة أردوغان في هذه الانتخابات، إذ لطالما جعل أردوغان من هذه الإدارة هدفاً له خلال السنوات الماضية، واستهدفها بشتى أنواع الأسلحة، واحتل مناطق كانت واقعة تحت سيطرتها، وعمل بكل الوسائل لإبعادها عن المحافل السياسية المعنية بحل الأزمة السورية سياسياً، بل يشترط تحقيق المصالحة مع دمشق بالعمل المشترك ضد هذه الإدارة بحجة مكافحة الإرهاب، وعليه يمكن القول إنه رغم عدم وضوح سياسة كمال كليجدار أوغلو إزاء هذه الإدارة إلا أن الأخيرة تأمل بفوزه، من أجل وضع نهاية لحقبة حكم أردوغان وحزبه أولاً، وثانياً لوجود قناعة بأن طبيعة الحكم في مرحلة حكم كليجدار أوغلو قد تفتح الباب أمام مرحلة من الحراك الديمقراطي في الداخل التركي، والسياسي مع الجوار الجغرافي، وما قد ينتجه كل ذلك من انتهاج واقعية سياسية تقرّ بمعطيات الواقع التاريخي والجغرافي والاجتماعي، وتساهم في تحقيق الاستقرار والتعايش بين الشعوب، خلافاً للسياسة العدائية التي اتبعها أردوغان لاسيما ضد الكرد في الداخل والخارج.                                                   
  • الثالث – النظام : يدرك النظام السوري جيداً ما عمل وسعى إليه أردوغان، وأنه كان يسعى إلى رحيله، لكن يدرك في نفسه حقيقة دور القوى الدولية، لاسيما روسيا، في تحديد مآلات الأزمة السورية، وكذلك طبيعة العلاقة الروسية – التركية، وأهمية وجود أردوغان في سدة الرئاسة لروسيا في هذه المرحلة الحساسة حيث الاستنزاف في أوكرانيا، وعليه إذا كان في العمق يأمل برحيل أردوغان إلا أن حساباته هي حسابات المصالح الدقيقة في الموازنة بين أردوغان ومنافسه كليجدار أوغلو والعلاقة الاستراتيجية مع روسيا، وهو في كل ذلك يرتب أوراقه لنيل أكبر المكاسب من الاستحقاق الانتخابي الجاري في تركيا بغض النظر إن كان الفائز في هذه الانتخابات هو أردوغان أو منافسه كليجدار أوغلو.         

إضافة إلى القوى السياسية المتوزعة في المناطق المذكورة أعلاه، يحبس اللاجئون السوريون في تركيا أنفاسهم، وهم في قرارة أنفسهم يريدون بقاء أردوغان في السلطة، إذ لطالما كان خطاب المعارضة واضحاً بخصوص قضية إعادة اللاجئين إلى بلادهم في أقرب وقت، رغم عدم توفر مقومات هذه العودة.

في الواقع، يبدو من الواضح أن الانتخابات التركية تحظى باهتمام جميع السوريين، ورغم هذه المعطيات الواضحة في سياسة كل من أردوغان وكليجدار أوغلو، فيما الثابت أن  ثمة قناعة واضحة بأن كليجدار أوغلو في حال فوزه سيسارع الخطى من أجل المصالحة مع دمشق وإقامة علاقات طبيعية معها، فيما أردوغان في حال فوزه قد يتشدد في موقفه ويصعّب المصالحة لبقاء نفوذه وتأثيره في الأزمة السورية ورسم ملامحها المستقبلية.