الانتخابات التركية .. لماذا اصطف الكرد مع كليجدار أوغلو وهل ثمة اتفاق؟
غرفة الأخبار- نورث برس
قبل يوم واحد من بدء الانتخابات التشريعية والرئاسية في تركيا، كشف مدير مركز دراسات كردية في ديار بكر، عما دفع الأحزاب الكردية والمقربين منهم، للتوجه نحو التصويت لمرشح الرئاسة كمال كلجدار أوغلو، متحدثاً عن الفارق الذي قد يشكله في تركيا في حال فوزه.
ويختزل مدير مركز الدراسات والأبحاث الكردية رها رهاوي أوغلو، حديثه لنورث برس، بفكرة أن دعم تحالف “العمل والحرية” والذي يضم “اليسار الأخضر” لكمال كليجدار أوغلو “في الواقع ليس نابعاً عن اتفاق وثقة مطلقة، بل إنه لا خيار أفضل لديهم إذا ما تم مقارنته مع الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان.”
وغداً الأحد، من المقرر أن تفتح صناديق الاقتراع في دورتها الثامنة والعشرين بتركيا، أمام واحدة من أهم الانتخابات في تاريخها، وفيها يواجه حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان جبهة معارضة كبيرة متأملة إلى حد كبير فوز مرشحهم الأبرز والأقوى كليجدار أوغلو.
وقرر حزب الشعوب الديمقراطي، المشاركة في الانتخابات البرلمانية، ليس تحت اسمه، بسبب قضية الإغلاق المستمرة ضده، وهذا ما دفعه للدخول في قائمة باسم “اليسار الأخضر” بتحالف “العمل والحرية”.
ويضم تحالف “العمل والحرية” كل من “حزب الشعوب الديمقراطي، حزب العمال التركي، حزب العمل، حزب الحركة العمالية، حزب الحرية المجتمعية وحزب اليسار الأخضر واتحاد البرلمان الاشتراكي”.
ودعا تحالف “من أجل العمل والحرية” والذي يضم حزب الشعوب الديمقراطي في تركيا وقوى يسارية آخرى، أنصاره إلى التصويت لصالح كمال كليجدار أوغلو وهو زعيم الحزب الجمهوري التركي والخصم لأردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة في 14 أيار/ مايو المقبل.
على ماذا يراهن الكرد؟
يقول رهاوي أوغلو، مدير المركز ومقره في ديار بكر (آمد) العاصمة الرمزية للكرد في تركيا، إن دعم زعيم حزب الشعب الجمهوري كليشدار أوغلو، ليس نابع عن ثقة، بل لرؤية الأحزاب الكردية او اليسارية أن خصمه أردوغان أوصل قضاياهم إلى الحضيض ولم يعد يتقبل فكرة التفاوض السياسي أو حتى أقل تغيير إيجابي في العملية السياسية بشأن الكرد.
ويضيف: “أما كليجدار أوغلو، فعلى الأقل سيكون شخصية قابلة للتحدث عن العملية السياسة، وهذا سيشكل فرصة قيّمة للكرد.”
والظروف القائمة في تركيا منذ نسف عملية السلام عام 2015، “ليست مناسبة البتة لطرح القضية الكردية، لذا ما من شروط مسبقة طرحها الشعوب الديمقراطي مع كليجدار أوغلو”، بحسب ما كشفه مدير المركز الكردي.
والتحالف الخماسي + زعيمة حزب الجيد “ميرال أكشينار”، كان ولازال حذراً في التعامل مع الشعوب الديمقراطي ومؤيديه، حرصاً من أن لا يواجه انتقادات من بعض التيارات القومية داخل حلفه مثل “أكشينار”.
لكن مهما بلغ الأثر السلبي للتأييد الكردي لكليجدار أوغلو، يُعتقد أن نسبة الأصوات التي قد يحصل عليها الزعيم الجمهوري، هي أعلى بكثير من النسبة التي سيخسرها بسبب الإعلان الذي يثير حفيظة القوميين.
ولطالما كان حزب الشعوب الديمقراطي يحصد أكثر من 10% من أصوات الناخبين في الانتخابات السابقة.
وقال رهاوي أوغلو، إن انتصار كليجدار أوغلو الصعب، بالتأكيد لن يتم بدون الدعم الكردي، مما يبقي الزعيم المعارض خلال المستقبل القريب، مديوناً للكرد وأصدقائهم، وبالتالي يهيئ أرضية مناسبة للبدء بالحديث عن قضيتهم مرة أخرى وبأصول ديمقراطية تحت قبة البرلمان.
وما يهم القوى الكردية المتمثلة بحزب الشعوب الديمقراطي هو استعادة بلدياتهم التي سلبها أردوغان بالقوة تحت ذريعة مكافحة “الإرهاب” والافراج عن العتقل السياسي صلاح الدين دمرتاش.
ولعل تلك المطالب المبدئية مقبولة إلى حد ما لدى كليجدار أوغلو، الذي أشار في عدة مناسبات عن نيته في إطلاق صراح دميرتاش، مما يشجع على الانطلاق بعملية سياسية أكثر ليونة من السابق.
بينما وعلى عكس ذلك، يقول أردوغان متمسكاً بالنهجين القومي والإسلامي “صوتو لي كي أبقيه في السجن” في إشارة إلى دميرتاش.
إذاً بالنظر إلى الدعوات والشعارات والمقارنة بينهما، “من الطبيعي والمنطقي أن يبقى الخيار الأفضل هو التصويت لكليجدار أوغلو”، وفقاً للباحث.
ما بعد النصر
بفوز أردوغان فرضاً، لن يتمكن الكرد من أن يشكلوا بيضة القبان، “لأنه تحالف رئيس تركيا الحالي قائم بالأساس من دون الكرد، وحصوله أكثر من نصف عدد النواب لن يحوجه لأصوات اليسار الأخضر في طرح أي مشروع او قانون، وبالتالي احتمال استمرار العداء”.
وقال الباحث الكردي، إن النواب الكرد واليساريين “سيشكلون وزناً فقط حين يفوز كليجدار اوغلو الذي لن يتمكن من تشريع القوانين التي وعد بها خلال حملته من دون أصوات النواب الكرد، ما يعني أن الأخير سيكون مضطراً إلى حد ما لتقبل طرح وجهات نظر الكرد والتعامل معهم”.
وكانت الانتخابات العامة التركية السابقة التي جرت في 24 حزيران/ يونيو 2018، بمثابة مرحلة تحول البلاد من نظام برلماني إلى نظام رئاسي عبر الاستفتاء الدستوري المثير للجدل عام 2017.
وأسفرت تلك الانتخابات عن فوز الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، الذي شغل المنصب منذ عام 2014. رغم أنه في الوقت نفسه، خسر حزب العدالة والتنمية الحاكم الأغلبية المطلقة في البرلمان، مما دفعه إلى الاعتماد على حليفه، حزب الحركة القومية بزعامة دولت بخجلي لتمرير التشريع.
واليوم، أبرز الوعود التي تقدمها معارضة أردوغان، بغض النظر عما ينتظره البلد من حالة اضطراب متوقعة في حال فازت هي وخسر أردوغان، هو “العمل على استعادة الديمقراطية البرلمانية والعقيدة الاقتصادية، وتحول كبير في السياسة الخارجية”.
وأول ما تسعى المعارضة لتحقيقه وفقاً للوعود، هو إلغاء العديد من تشريعات أردوغان، أي العودة إلى النظام البرلماني، الذي يقول التحالف المعارض عنه إنه سيكون “أقوى” من النظام الموجود قبل التحول في 2018 إلى النظام الرئاسي الحالي.
وقال رهاي أوغلو، إن اتخاذ هذا المسار علناً من قبل المعارضة كافٍ في الوقت الحالي لتعزيز آمال حزب الشعوب الديمقراطي لبحث مستقبل ديمقراطي للبلد لاحقاً.
لن يجلب الجنة
المعارض البارز ومنافس أردوغان على كرسي الرئاسة “لن يجلب الجنة”، لكن فوزه المفترض “سيخلق على الأقل منفذاً أمام الحراك الكردي بأجواء ديمقراطية على عكس ما فرضه أردوغان خلال فترة حكمه”، وفقاً لرهاوي أوغلو.
ومن شأن هذا التحالف اليساري أن يضعف عدد مقاعد الحزب الحاكم، ويكون كما عرف في تركيا بـ”صانع ملوك”.
وبالفعل، ارتفعت حظوظ كليجدار اوغلو، بشكل ملحوظ وفق استطلاعات الرأي من 44% إلى أكثر من 52% بعد يوم واحد من تلقيه دعم التحالف اليساري، قبل نحو ثلاثة أسابيع.
وهذه الانتخابات تأتي بعد أكثر من عقدين من الزمن على حكم بزعامة حزب إسلامي وشريك ذو نزعة قومية، عززا نفوذهما على جميع منافذ الحكم والسلطات الثلاث.
وكان للكرد النصيب الأكبر من التنكيل والاضطهاد نظراً إلى حالة حرية التعبير المحصور في زاوية مظلمة وزعمائهم المسجونين.
وخلال سنوات حكم أردوغان شهدت تركيا أزمة اقتصادية غير مسبوقة وانهياراً لعملتها، بينما عانى قطاع الصحافة قمعاً، ووصفت الدولة التركية لأكثر من مرة بأنها “سجن كبير للصحفيين”.
واجهت القوى الموالية للكرد، أشرس مرحلة قمع لمواطنين وقيادات عليا، فضلاً عن حملة عسكرية على مدن كردية عام 2015، بعد نسف مفاوضات السلام مع الكرد عام 2013.
ووقوف التحالف اليساري إلى جانب خصم أردوغان، يهدد الأخير بشكل جديّ، بعد أن فشل في إرضاء الشارع الكردي والحوار معهم على مدار السنوات العشرين الفائتة.
وسيصل كل من التياران المتنافسان تركيا (تحالف الشعب بقيادة أرودغان وتحالف الأمة بقيادة كليجدار أوغلو) إلى قناعة مستجدة بأن تصويت الكرد وحلفائهم الديمقراطيين من الأتراك، سيشكل عاملاً حاسماً في السباق الرئاسي، حيث يسير الزعيمان إلى الانتخابات على خيط رفيع بين الفوز والهزيمة.
ويوم غدٍ الأحد الموافق 14 أيار/ مايو، سينتخب رئيس جديد من بين ثلاثة مرشحين بعد انسحاب الرابع (محرم اينجة) على ما يبدو تحت ظروف ابتزاز، يوم الخميس الفائت.
كما سيتتخب المواطنون وعدد من يحق لهم التصويت يفوق الـ60 مليوناً، 600 عضو في الجمعية الوطنية الكبرى (البرلمان) كل منهم لمدة خمس سنوات.
وقال مدير مركز الدراسات الكردي رها رهاوي أوغلو، إن ثمة آمال كبيرة في المجتمع التركي “بأن يتم الإطاحة بالرئيس الحالي، لكن أيضاً هناك مخاوف مما سيشهده البلد من اضطراب بعد عملية الاقتراع نتيجة المنافسة الشديدة بين الحكام والمعارضة”.