شمال وشرق سوريا.. مصير مجهول لأطفالِ سوريّات أنجبن من مقاتلي “داعش” الأجانب
الرقة – نورث برس
“بناتي مالهن ذنب بدي ياهن يروحو عالمدارس متلهن متل غيرهن”، بهذه الكلمات، بدأت “أم خديجة” امرأة من الرقة شمالي سوريا، والتي عادت رفقة بناتها الاثنتين من مخيم الهول، قبل ما يقارب السنتين، بسرد معاناتها مع أطفالها المحرومين من الجنسية لأن الأب أمريكي الجنسية.
اختارت المرأة، اسم “أم خديجة”، أثناء حديثها لنورث برس، إذ تزوجت من شخص يدعى راسل دانسة والمكنى بـ “أبو يوسف الأمريكي” من ولاية فلوريدا الأمريكية، وتعيش في منزل يتكون من غرفة واحدة، في حي المشلب في الأطراف الشرقية من مدينة الرقة، وسط “عدم تقبل السكان لها كونها داعشية”.
تعاني المرأة من عدم تمكنها إخراج ثبوتيات لأطفالها، ولذلك لا تستطيع إرسالهن للمدارس، كونها سوريّة وزوجها أجنبي.
تتشابه “أم خديجة” في الحال، مع نساء لم نستطع حتى الحصول على رقم تقريبي لأعدادهن، أنجبن من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الأجانب، خرجن من “مخيم الهول” واضطررنا لإخفاء نسب أطفالهن، إذ أن القانون السوري يمنعهن من منح الجنسية لأطفالهن، كما أن الدول التي لها رعايا في سوريا، تمتنع أخذ الأم رفقة الأطفال في مخالفة لقانون حقوق الإنسان. فما المستقبل الذي ينتظر الأطفال وأمهاتهم؟
مُعضِلة التسجيل
خرجت “أم خديجة” من مخيم الهول قبل عامين، بكفالة شيوخ ووجهاء العشائر، بعد إعلان الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في تشرين الأول\ أكتوبر 2020، أخفت، آنذاك، أنها متزوجة من أجنبي وأطفالها من أب غير سوري، خوفاً من عدم قبول إخراجها من المخيم رفقة بناتها.
تقول المرأة إنها تستطيع أن تتحرك بسهولة في المنطقة لأن لديها هوية سورية، ولكن المعضلة عند تسجيل الأطفال وإرسالهم للمدارس “ما عندي لا دفتر عائلة ولا عقد زواج ولا أي إثبات ورقي أن الطفلتين بناتي”.
وخلال سيطرة “داعش” على مناطق في شمال شرقي سوريا بين عامي 2014 – 2018، تزوج العديد من النساء في المنطقة من عناصر “داعش” من الجنسية الأجنبية، قتل منهم في المعارك بينما آخرون اعتقلتهم قوات سوريا الديمقراطية.
لا يختلف حال “أم عائشة” عن سابقتها هي الأخرى تزوجت أثناء سيطرة “داعش” على المنطقة من عنصر في التنظيم من الجنسية السعودية، وأنجبت منه طفلين، خرجت من مخيم الهول بكفالة شيوخ العشائر.
تقول المرأة لنورث برس: “بيتي قريب من المدرسة بنتي تقلي كل يوم ماما ليش هدول يروحوا عالمدارس وأنا لا، يتقطع قلبي عليها خاصة أنا لا أجيد القراءة والكتابة حتى أستطيع تعليمها في المنزل”.
وتضيف “أم عائشة”: “حاولت أكثر من مرة أن أقنع المدرسين بقبولها بدون ثبوتيات ولكنهن رفضوا. أنا تدمرت حياتي بس شو علاقة أطفالي”.
أعداد الأطفال
بالتزامن مع إعلان الإدارة الذاتية، في تشرين الأول\ أكتوبر 2020، عن “إفراغ مخيم الهول” من العائلات السورية الراغبة بالخروج، تشكلت لجان تحت اسم “لجنة حل النزاعات” (خمسة لجان في دير الزور وواحدة في الرقة وأخرى في الطبقة)، من قبل منظمات المجتمع المدني، لمتابعة أوضاع العائدين ودمجهم مع المجتمع المحلي.
بحسب المعلومات التي حصلنا عليها في هذا التقرير، العديد من النساء السوريات اللواتي خرجن من مخيم الهول، كانوا زوجات لعناصر “داعش” الأجانب وأنجبوا منهم أطفالاً، الأم موجودة بينما الأب إما قتل أو اعتقل.
وتضم السجون التابعة للإدارة الذاتية 15 ألف موقوف بتهم “الإرهاب”، من أكثر من 60 جنسية أجنبية إضافة لسوريين، معظمهم عناصر سابقين في تنظيم “داعش”، بحسب بيانات الإدارة الذاتية.
وبحسب اللجان الموزعة في الرقة ودير الزور والطبقة والحسكة، هناك العديد من النساء السوريات تزوجن من عناصر “داعش” من الجنسية غير السورية وأنجبن منهم أطفالاً، وخرجوا من مخيم الهول بكفالة شيوخ ووجهاء العشائر.
تواصلت نورث برس مع اللجان بشكل فردي للحصول على عدد أطفال أباءهم من الجنسيات غير السورية، وبلغ عددهم 30 طفلاً في الرقة و 20 في الطبقة من أصل 300 طفل عائد من مخيم الهول، وما يقارب من 200 طفل في دير الزور، بينما في الحسكة لم تتمكن لجان حل النزاعات من الوصول إلى إحصائية الأطفال.
وفي السياق، قال بشار الكراف، مدير منظمة “شباب اوكسجين” (إحدى المنظمات العاملة في مجال السلم الأهلي وإعادة دمج العائدين من مخيم الهول، لنورث برس، إن أرقام الأطفال ليست دقيقة حيث تتم عملية الإحصاء عبر تقديم الدعم النفسي لهم.
ويضيف لنورث برس، أن المنظمات العاملة في المنطقة لم تستطع الوصول الى جميع العائلات، فضلاً عن إخفاء وعدم اعتراف بعض العائدات من مخيم الهول أنهن تزوجن من شخصيات غير سورية وأنجبن منهم أطفالاً خوفاً من أخذ الأطفال منهم أو إعادتهم إلى مخيم الهول.
ويقول “الكراف” إن عملية دمج العائدين من مخيم الهول بحاجة إلى جهود دولية “فالمنظمات والإدارة الذاتية غير قادرين على حل هذه المعضلة، كون هناك مشاكل قانونية وعدم تواجد ثبوتيات الزواج وتسجيل الأطفال للذهاب إلى المدارس وخاصة الأطفال يكبرون ولا تزال المعضلة بدون حل”.
كيف خرجوا؟
يقول شيخموس أحمد رئيس مكتب المنظمات في الإدارة الذاتية، إن إعادة العوائل من المخيم يتم بالتنسيق مع هيئات ولجان الإدارات الذاتية والمدنية، ويتم إعادة العائلات التي لديها ثبوتيات، ليتم تسلميها فيما بعد إلى المجالس التنفيذية في الإدارات.
ويضيف لنورث برس، أن العائدين لديهم ثبوتيات ويستطيعون التحرك في كل شمال شرقي سوريا بأريحية.
وفيما يخص النساء المتزوجات من أجانب، يقول شيخموس لنورث برس، إن الأم تستطيع أن تخرج من المخيم، ولكن لا تستطيع أن تخرج أطفالها معها.
ويضيف أن الأطفال غير السوريين لا يسمح لهم بالخروج من المخيم، “ولكن النساء إبان سيطرة التنظيم تزوجوا لأكثر من رجل ومن الصعب تحديد نسب الطفل من جهة الأب وخاصة عند إخراجهن من المخيم كانوا يقولون عند تسجيل بياناتهم إن الزوج سوري”.
وبحسب شيخموس أن أي طفل يخرج من المخيم مسجل من قبل فرق أممية في المخيم والإدارة المدنية فيه، وأن هؤلاء الأطفال الخارجين هم سوريين من الأب والأم.
وفي حالات زواج امرأة سورية من شخص أجنبي، وأرادت الخروج من المخيم يؤخذ منها الأطفال ويتم تسليمهن لمنظمات معنية بحقوق الطفل ضمن المخيم ليتم إحالتهم فيما بعد إلى دار للأيتام. بحسب شيخموس.
ويوجد دارين للأيتام في شمال شرقي سوريا يوجد فيها ما يقارب 300 طفل لعناصر “داعش،” منهم آباءهم فقط من جنسية أجنبية ومنهم الأب والأم يحملون الجنسية الأجنبية.
آلية تسليم الأطفال لرعاياهم
يعتبر تواجد تنظيم “داعش” في شمال شرقي سوريا سواءً في المعتقلات أو السجون أكبر تواجد حول العالم، حيث يبلغ عدد العناصر مع عائلاتهم في المخيمات 60.137 شخصاً ضمن 16.755 عائلة منهم 3,661 عائلة أجنبية من 60 جنسية مختلفة بالإضافة إلى نحو 10 آلاف آخرين في مراكز الاحتجاز، بينما بلغ عدد الأطفال والنساء الأجانب من عائلات التنظيم في المخيمات 9986 شخصاً هم 2104 سيدات و7070 طفل/ة.
يقول خالد إبراهيم عضو الهيئة الإدارية في دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة في الذاتية، إن الدول التي لها رعايا في شمال شرقي سوريا تبعث قائمة بأسماء رعاياها من النساء والأطفال إلى دائرة العلاقات الخارجية بعد أن تتأكد الدولة طالبة الرعايا من جنسية النساء والأطفال، “ونحن بدورنا نتأكد من وجود هذه الأسماء في المخيمات ومراكز التأهيل ورغبتهم في العودة إلى وطنهم طواعية بدون أي ضغط أو إكراه”.
وفيما يخص الأطفال الذي أمهاتهم سوريات وآبائهم أجانب، يقول إبراهيم: إذا ما طالبت الدولة فصل الأطفال عن أمهاتهم وأخذ الأطفال دون أمهاتهم، عندها الإدارة لا تقبل بفصل الطفل وإعادته إلى وطنه وفقا لقوانين الإدارة وكذلك القانون الدولي والإنساني إلا في حالات استثنائية جداً كحالات اليتامى والمرضى الذين لا تستطيع الإدارة تقديم العلاج لهم”.
ويضيف لنورث برس: “إذا كانت هناك ازدواج في الجنسية فحرية الاختيار تبقى للرعايا وليست للدولة طالبة رعايا وفي النهاية يتم التسليم والاستلام بالتوقيع على وثائق رسمية من قبل الدولة المستلمة لرعايا والإدارة الذاتية التي تسلم الرعايا”.
وسلمت الإدارة الذاتية خلال العام الماضي، 515 شخصاً من عائلات التنظيم الأجانب إلى دولهم، وهم 129 سيدة و386 طفلاً، بينما سلمت منذ بداية العام الجاري، 256 وهم 211 طفلة و45 سيدة.
الحاجة لتحديث القانون
يقول المحامي طارق الراشد، إن قانون الجنسية السوري يحرم المرأة المتزوجة من أجنبي من منح جنسيتها لأولادها، ففي مادته الثالثة الفقرة (ا) يحصر حق منح الجنسية السورية حكما بالميلاد بمن ولد في القطر أو خارجه من والد عربي سوري، دون إعطاء هذا الحق للمرأة لأسباب لا توضحها الحكومة.
ويضيف لنورث برس، أن حالة العائدين من مخيم الهول تعتبر مستحدثة أو طارئة، لذا يجب استحداث مادة ضمن قانون تخص هذا الموضوع أو صدور قرار لاحق بعد عملية توثيق لهم ودراسة حقيقية تتضمن الأعداد وثبوتيات.
ويشير إلى أن الموضوع بحاجة إلى عمل واعترافات كون هناك احتمالية أن تنفي المرأة العائدة من الهول صفة الطفل لوليدها.
ويتألف قانون الجنسية السورية رقم 276 تاريخ 24/11/1969، من 35 مادة، وبحسب المادة 3 الفقرات أ – ب، يعتبر عربياً سوريا حكماً: أ. من ولد في القطر أو خارجه من والد عربي سوري. ب ـ من ولد في القطر من أم عربية سورية ولم تثبت نسبته إلى أبيه قانوناً.
بينما تحرم الفقرات السبعة من المادة 21 من القانون ذاته، الجنسية لأشخاص دخلوا في الخدمة العسكرية لدى دولة أجنبية، أو نشاطاً لصالح بلد هو في حالة حرب مع سوريا، أو ثبت مغادرته خارج سوريا إلى بلد هو في حالة حرب مع سوريا.