الحسكة – نورث برس
عبر تقنية الفيديو بتطبيق الواتس أب، وبلغة الإشارة تتكلم رغد (17 عاماً)، وتملأ وجهها الابتسامة برفقة شقيقتها فجر التي تصغرها مع إحدى صديقاتها التي لجأت إلى مدينة أربيل في اقليم كردستان العراق.
الشابة رغد وشقيقتها فجر ذات الأحد عشر ربيعاً تعانيان من مرض الصم والبكم منذ ولادتهما.
رغد علي إبراهيم تمر، التي ولدت عام 2006 صماء وبكماء دون أن يعلم أهلها بمرضها إلا بعد مرور نحو عام ونصف، لتبدأ رحلتهم مع معاناة تقديم العلاجات لها، لتولد شقيقتها فجر عام 2013 وهي بحالة مشابهة لرغد.
وقال علي إبراهيم تمر (50 عاماً) من سكان حي الناصرة في الحسكة والد الشابتين رغد وفجر والذي تتألف عائلته من 8 أفراد، 5 فتيات وصبي، إن “اندلاع الحرب أوقف علاجهما”.
بداية الكشف عن المرض
وأضاف لنورث برس: “لدي ابنتان تعانيان من الصمم الكامل. بعد عام ونصف اكتشفنا بأن ابنتنا الكبيرة مصابة بالصم والبكم، قام العديد من الدكاترة في الحسكة بالكشف عن مرضها ولكنها لم تستفد شيئاً”.
واضطر الأب للسفر إلى العاصمة دمشق يرفقه ابنته رغد من أجل الكشف عن مرضها، “سافرنا إلى الشام لمعرفة مرضها، وهناك أكد الأطباء لنا بأنها حالة صمم كامل وقمنا بتركيب سماعة أذنيه لها، ولكنها لم تحصل على أي فائدة من ذلك”، ليتكر ذات السيناريو مع طفلته فجر “وفي عام 2013 ولدت طفلتي فجر، وهي أيضاً صماء ومطابقة لحالة شقيقتها”.
تواصل الأب مع الدكتور خالد المصري عن طريق البريد الإلكتروني للبرنامج الذي كان يقدمه باسم (زعلان ليه) وكان يعرض على قناة انفينيتي الاماراتية ويختص بالحالات الإنسانية.
وجرى الاتفاق بين الطبيب وجمعية البر في حمص “من أجل علاج ابنتي رغد، ولكن مع حدوث المشاكل في سوريا عام 2011 انقطعت الطرق وانسحبت المنظمة ولم تحصل ابنتي على الفائدة التي كنا نرجوها والتي كانت أملنا بأن يعيد لها السمع والنطق”.
ميول وهوايات
درست رغد نحو عامين في مدرسة الصم والبكم وتعلمت بعض الحروف وبعض الكلمات وتقوم بأعمال المنزل وهي قليلة الخروج ولديها اهتمامات بالتجميل، أما فجر فهوايتها الرسم ودائما ما يدعمها الأب في تلك الهواية من خلال جلب الأقلام والألوان والكراسات.
يقول الأب: “الخدمات التي كانت يقدمها معهد الصم والبكم تراجعت خلال السنوات الأخيرة بعدما كانت في السابق بشكل مجاني، في حين أن المعاهد الخاصة ذات تكاليف باهظة ولا قدرة لنا على تحمل تلك التكاليف”.
ويعمل “تمر” موظفاً حكومياً براتب يقدر بنحو 125 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 15 دولاراً أمريكي ولا يكفي سوى لثلاثة ايام لعائلة كبيرة تسكن من منزل يصل إيجاره لـ100 دولار، “وهو ما يمنعني من تقديم المزيد لبناتي”.
ويساهم أقارب “وأهل الخير” كما وصفهم الرجل في دفع إيجار المنزل.
ويتألم الأب على حال بنتيه، إذ دائما ما تبقى غصة تنمر المجتمع، كلما نظر لتعامل الأشخاص في المحيط مع مرض رغد وفجر. يقول: “هو شعور مزعج جداً ومؤلم بالنسبة لي كأب”.
ورغم ذلك إلا أن “تمر” مسلم لقضاء الله وقدره، “من خلال تعاملنا في المنزل، لا أشعر أبداً بوجود نقص لدى رغد وفجر، ولكن هما تشعران بذلك وهو ما يحزنني جداً”.
أهون الأقدار
ومع تسليمه لقضاء الله، وصف “تمر” حالة ابنتيه رغد وفجر، بــ”أهون الشرور والأقدار”. وأضاف “هناك حالات أصعب وأقسى من حالات ابنتي.. الحمد لله لم يكونوا كسيحات وهم يهتمون بأنفسهن ويعتمدون على أنفسهن بأعمالهن وواجباتهن اليومية ويخدمون العائلة أيضاً”.
واشتكى “تمر” من قلة الدعم المقدم لابنتيه من كل الأطراف، “لم نحصل على أي دعم أو مساعدة لابنتي لا عن طريق منظمات أو دولة أو إدارة ذاتية، لا دعم مادي ولا معنوي”.
وناشد “تمر” المنظمات أو أي جهة بضرورة “مساعدتهم على تركيب سماعات أو حلزونات لمساعدتهم في قادم السنين، لأننا لن ندوم لهم، في حال راح الأب والأم لا يبقى لهما سوى الله”.