دير الزور – نورث برس
أمام مضايقات أمنية ومخاوف من الاعتقال، وجد زين، نفسه مرغماً على النزوح من منطقته الخاضعة لسيطرة فصائل موالية لإيران جنوبي الفرات، إلى بلدة على الضفة اليسرى للنهر حيث السلطة لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
زين المحمد، شاب في العشرينيات من عمره، من سكان بلدة الميادين شرقي دير الزور، والتي تخضع لسيطرة فصائل موالية لإيران أبرزها الحرس الثوري، نزح مع أقارب له إلى بلدة الطيانة في مناطق سيطرة “قسد”.
ويتشابه في الحال مع آلاف من سكان دير الزور، نزحوا من مناطق تخضع لفصائل إيرانية، نتيجة مضايقات أمنية عمدت لها تلك الفصائل بعد سيطرتها على المنطقة، والتي انتهجت “التشيّع” على سكان المنطقة ذات الغالبية “السنية” الساحقة، وملاحقة الرافضين لاعتناق المذهب.
ومنذ أواخر عام 2017 سيطرت فصائل موالية لإيران، من أبرزها الحرس الثوري الإيراني، على مناطق دير الزور، غربي الفرات، والتي كانت تخضع لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
عمدت تلك الفصائل إلى مضايقة السكان بطرق شتى، منها فرض “التشيّع” للحصول على ممتلكاتهم وطمس معالم المنطقة وتنفيذ مخططها الديموغرافي في المنطقة، ما دفع السكان للهجرة بشكل جماعي نحو مناطق سيطرة “قسد” شرق الفرات.
فمنذ سيطرة الحرس الثوري الإيراني على المنطقة إلى جانب القوات الحكومية، ذات السلطة الشكلية على أرض الواقع في ظل وجود الإيرانيين، بدأ “الثوري الإيراني” باستقطاب السكان وتجنيدهم في صفوفه ونشر “التشيع” بين السكان، يقول “المحمد”.
ويضيف الشاب: “إلا أن غالبية السكان تشبثوا بهويتهم (السنية) ولم تغرهم تحفيزات أو مكافآت، عندها بدأت إيران عبر فصائلها الموجودة في المنطقة بمضايقة السكان، حيث استخدمت ضدهم أساليب قمع وحشية ونفذت اعتقالات، وسط انفلات أمني كبير وأوضاع اقتصادية متردية”.
نتيجة لذلك، نزح مع مجموعة من أقاربه إلى بلدة الطيانة شرقي الفرات، والتي تخضع لسيطرة “قسد”، ودفعه لذلك توفر المناخ الأمني وفرص العمل، وخوفاً من كوابيس المضايقات التي كانت تُفرض عليه في الميادين.
ولتنفيذ مخططاتها تعمل الفصائل الموالية لإيران، على تهميش مناطق شرقي دير الزور خدمياً، وعدم تهيئة الظروف لفرص عمل، لضمان استقطاب سكان المنطقة، ضمن صفوفها ووفق المذهب الذي سيضمن تنفيذ ما ترمو له.
ونتيجة عمله على المعبر الإنساني بين مناطق “قسد” وحكومة دمشق، يلاحظ أبو عبد الله العبد، وهو أحد العاملين في المعبر، كثرة النزوح من مناطق الحكومة.
يقول لنورث برس: “نستقبل يومياً أكثر من مئة عائلة قادمة من مناطق سيطرة دمشق إلى مناطق الإدارة الذاتية في الحسكة والرقة ودير الزور، للإقامة مع عوائلهم إما بقصد العمل أو للهروب من الواقع الاقتصادي المتردي غربي الفرات”.
ويكشف الرجل أن بعض السكان غربي الفرات يتم استغلالهم من قبل شبكات مهربين، تحاول تهريبهم عبر زوارق صغيرة من معابر تهريب غير شرعية على نهر الفرات، وذلك بحجة أن عليهم “تقارير” لدى القوات الحكومية.
ويضيف أن “هؤلاء لا يستطيعون العبور من المعبر الإنساني كون المسافر يخضع لـلتفييش قبل العبور إلى مناطق “قسد”، ضمن المفارز الأمنية المتمركزة على الطرف الغربي للمعبر”.
فيما يرى ناشطون، أن مستقبل المنطقة يتعرض لخطر كبير في ظل موجات النزوح الكبيرة من مناطق سيطرة الإيرانيين، وخاصة الهجرة الكبيرة لفئة الشباب الذين لم يتبق منهم “سوى القليل”، ما سيحولهم في المستقبل إلى أقليات “سنية” في ظل انتشار وتغلغل كبير لـ “الشيعة” الإيرانيين والمتشيعين من السكان المحليين في المنطقة.
وبعد سيطرة الإيرانيين على مناطق بدير الزور، بنوا قبة حول “عين علي” في الميادين، وهي نبع ماء، واتخذوا منها مزاراً للحج، بالإضافة لمزار القبة في البوكمال، و11 حسينية بمناطق متفرقة من دير الزور.
أما ناجي الصبحي، من سكان بلدة البوكمال بريف دير الزور الشرقي، وهو رب عائلة مكونة من 3 فتيات وشابين، لم يستطع مع عائلتهم العيش في بلدته، بسبب قلة فرص العمل والغلاء الفاحش في المنطقة، في ظل غياب دور مؤسسات الرقابة من تموين وغيرها.
ونزح إلى مناطق “قسد” بعد انخراط ابنه الأكبر ويدعى “علي” ضمن المركز الثقافي الإيراني في البلدة واعتناقه المذهب الشيعي، حاول مراراً دعوته ليترك المذهب، إلا أنه رفض، وطلب منه ومن إخوته الانضمام معه، وتحوّل فيما بعد لمحاولة فرضه عليهم بالقوة مستغلاً نفوذه في “الثقافي الإيراني”.
عندها، جمع الرجل أفراد عائلته وفرّ بهم ليلاً، عن طريق مهرب محلي إلى بلدة الباغوز بريف دير الزور الشرقي، تاركاً خلفه ابنه “الذي خرج عن دينه وعن طاعتي وكل ما أملك، وذلك خوفاً على بناتي وابني الآخر”.
ويضيف لنورث برس: “انتقلت للعيش في أحد أحياء الحسكة، وأعمل حالياً مع ابني بأعمال البناء والديكور، وننعم بوضع اقتصادي جيد، يختلف بشكل كبير عما كنا نعيشه في بلدتنا في البوكمال”.