بردود خجولة.. واشنطن تقاوم التطبيع العربي مع دمشق

واشنطن – نورث برس

تحاول بعض المنظمات والكيانات الأميركية الضغط على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لعرقلة قطاع التطبيع مع سوريا وذلك من خلال سلسلة من التحركات المطالبة باستمرار تطبيق الضغوطات على دمشق والمطبعين معها.

وجاءت هذه الضغوط بالتزامن مع  قرار نص على عودة سوريا لشغل مقعدها الدائم في جامعة الدول العربية بعد سنوات من القطيعة مع دمشق، دامت لنحو 12 عاماً.

وأفادت وزارة الخارجية الأمريكية، أمس الأحد، أن أمريكا تنتقد قرار عودة سوريا لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية بقرار صدر اليوم في اجتماع لوزراء الخارجية العرب.

 وتدلّ الردود الأمريكية على عدم نية واشنطن إعادة علاقاتها مع الحكومة السورية في الأمد المنظور حيث كررت بيانات الخارجية الأميركية رفضها عودة العلاقات مع الأسد قبل حدوث عملية انتقال سياسي وفقاً لقرارات مجلس الأمن.

من جانبه، قال مبعوث أميركا السابق إلى سوريا الدبلوماسي فريدريك هوف، إن “عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية هو أمر مؤسف ويجب أن يحدث وفقاً لشروط وضوابط معينة قادرة على جلب العدالة للشعب السوري وإرساء الاستقرار في المنطقة”.

وأضاف هوف في تصريحات خاصة لـ”نورث برس”، أنه كان واضحاً منذ بداية عهد بايدن أن الإدارة لا تعتبر الشرق الأوسط برمته أولوية بالنسبة لها.

وأردف أن سوريا بكل تعقيدات الصراع فيها قد بدأت بالغياب تماماً عن اهتمام واشنطن حيث لم يكن هناك مبعوث خاص معيّن لسوريا الأمر الذي لعب دوراً في بحث الدول العربية عن مسار آخر للتعامل مع دمشق.

وقال هوف حول مستقبل الوجود الأميركي في سوريا بعد عودة دمشق إلى الجامعة العربية، إنه “باعتقادي هو أن عودة علاقات العرب مع دمشق لا يعني أن الدول العربية لا تريد بقاء أمريكا في شمال شرق سوريا، فالدول المحورية في المنطقة تريد أن تستمر حملة التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش بالشراكة مع قوات سوريا الديمقراطية”.

وتابع أنه أي ضعف للمهمة الأميركية في شمال شرق سوريا هو بمثابة حلم سيتحقق بالنسبة لتنظيم داعش، فالحكومة السورية لا تمتلك القدرات العسكرية أو السياسية الكفيلة بمنع ظهور تنظيم داعش ناهيك عن أن العداء بين داعش والحكومة السورية هو أمر متذبذب ويخضع لخيارات الأسد وفقاً للمرحلة والتحديات التي يواجهها.

وشارك عدد من الدبلوماسيين الأميركيين إلى جانب فريدريك هوف الذين عايشوا سنوات الحرب في سوريا اعتراضهم على التطبيع العربي مع دمشق وضعف التحركات الأميركية.

 ففي نهاية شهر نيسان/ أبريل الفائت، اتهم مبعوث أميركا السابق إلى دمشق جويل ريبيرن، مواقف إدارة جو بايدن المتذبذبة بتشجيع الدول العربية على التطبيع مع الأسد أمام الكونغرس الأميركي.

واعتبر ريبيرن امتناع إدارة بايدن عن تعيين مبعوث خاص للملف السوري علامة على إهمال وضعف موقف الإدارة فيما يتعلق بسوريا.

وقال ريبيرن في شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، إن “العالم رأى ما يكفي من نظام الأسد ليعرف أنه لن يغير سلوكه داخل سوريا أو خارجها إلا تحت أقصى الضغوطات”.

مردفاً “ما حدث في سوريا لم يكن إلا مقدمة لما تفعله روسيا اليوم في أوكرانيا حيث تخضع موسكو اليوم المجتمع الدولي  للابتزاز”.

وحثّ ريبيرن الكونغرس الأميركي على تمديد وتوسيع صلاحيات قانون “قيصر” للعقوبات واتخاذ إجراءات ضد تهريب المخدرات الذي يجري على نطاق واسع في مناطق سيطرة الأسد وحزب الله بحسب ريبيرن.

وأفاد ريبيرن بضرورة استخدام الكونغرس سلطته الرقابية لضمان تطبيق العقوبات في حال تعدّت الدول المطبعة القانون.

وفي سياق آخر، تحدثت منظمات وكيانات أمريكية عن دعاوى ضد “النظام السوري”، حيث يقوم مركز العدالة والمسائلة الأميركي برفع مجموعة من الدعاوى ضد نظام الأسد بسبب جرائم تعذيب ارتكبتها الحكومة السورية ضد مواطنين أميركيين خلال سنوات الحرب.

ومن الدعاوى الجنائية التي تلاحق الحكومة السورية دعوى يتهم فيها مكتب التحقيقات الفيدرالي “اف بي آي” دمشق بقتل المهندسة والناشطة الحقوقية السورية الأميركية ليلى شويكاني في سجون الحكومة السورية في عام ٢٠١٦.

وهناك دعوى أخرى يرفعها مكتب العدالة والمساءلة CJA نيابة عن الشاب السوري الأميركي عبادة مازيك، الذي قال بأنه احتجز وتعرّض لتعذيب وضرب مبرح في مطار المزة العسكري في دمشق.

و”مازيك” هو مواطن أمريكي وسوري، ولد في ولاية أوهايو الأمريكية، وسافر إلى سورية لدراسة الهندسة المدنية في جامعة دمشق حيث تم احتجازه في مطار المزة العسكري عام ٢٠١٢.

وقال مازيك لـ”نورث برس”، إن “مركز العدالة والمساءلة CJA هو المخوّل الوحيد اليوم بالحديث عن الدعوى وتبعات القضية”.

وأفاد الخبير القانوني في حقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي المعتصم الكيلاني لنورث برس، إن “عدد من القضايا الدولية المرفوعة ضد نظام الأسد في فرنسا والولايات المتحدة من شأنها التأكيد على ضرورة جلب العدالة للضحايا مهما طال الزمن ومكافحة جهود الأسد للإفلات من العقاب”.

وأضاف أن الجرائم التي ارتكبت بحق السوريين لن تسقط بالتقادم، والاستمرار بإصدار الأحكام بحث المشتبه بهم الرئيسيين وتعرية منهج “النظام السوري” القائم على ارتكاب جرائم التعذيب والقتل العمد من شأنه عدم تضييع دماء الضحايا.

وأشار الكيلاني إلى وجود إصرار أميركي وأوروبي على عدم إفلات الأسد بجرائمه، و”تعرية منهج النظام السوري القائم على ارتكاب جرائم التعذيب والقتل العمد الأمر الذي يؤكد رفض واشنطن وعواصم غربية أخرى التطبيع مع الأسد وإعادة تأهيل نظامه من جديد”.

من جانبه يقول دين ميكيلسون، وهو خبير بريطاني في  السياسات الأمنية أن جهود الغرب للضغط على الأسد ومنع إعادة تأهيله لم تكن كافية لذلك أقدمت الدول العربية على إعادة تطبيع علاقاتها مع الأسد.

وأضاف ميكيلسون في تصريحات لنورث برس، أن مسألة العملية الانتقالية في سوريا فقدت أهميتها بالنسبة لصناع القرار في الغرب وبات الهاجس الأساسي هو إعادة اللاجئين إلى بلادهم وتأمين أساسيات العيش للسوريين.

إعداد: هديل عويس – تحرير: سعد اليازجي