توقف الحوالات الخارجية وانعكاس الأزمة اللبنانية على سعر صرف الليرة السورية

دمشق – جاد نجار – NPA

 

مع تصاعد حِدّة الأزمة اللبنانية التي بدأت في 17 تشرين الأوّل / اكتوبر من هذا العام شهِدتْ السوق الاقتصادية السورية ارتفاعاً حادّاً ومتسارعاً في سعر صرف الدولار، مقابل الليرة السورية، الأمر الذي شكّل إرباكاً وبلبلةً في الشارع السوري وخلف آثاراً سلبية على كافة فئات المجتمع، وعلى رؤوس الأموال، أهمها توقف الحوالات الخارجية عن الضخ في السوق السورية.

 

وتضاربت الآراء حول أسباب هذا الارتفاع غير المفهوم لـ"الأخضر" كما يسميه السوريون.

 

كما أن معظم الناس ألقوا باللائمة على الحكومة وفريقها الاقتصادي الذي لم يكلّف نفسه تقديم أي شرحٍ وافٍ أو أيّة تطميناتٍ مقنعة للناس الذين باتوا يرون أن عملتهم الوطنية في خطر الانهيار المحتّم. لكنّ بعض المحلّلين الاقتصاديين قدّم تشريحاً أكثر عقلانية للحالة.

 

التقت "نورث برس" بالباحث الاقتصادي محمد كوسا الذي نوّه إلى أن "التجار والرأسماليين والمافيات والمهربين وضعوا إمكاناتهم في ميزان الربح والخسارة فكانت المصارف اللبنانية عبر سنوات الحرب ملاذاً آمناً يحقق لهم كفاءة اقتصادية، من حيث القرب والأمان، لأن سوق العملات الأجنبية في لبنان متاحة وهي السوق البديلة عن السوق السورية".

 

وأضاف أنه "نتيجة للإجراءات المصرفية في لبنان ارتفع سعر صرف الدولار في السوق اللبنانية بشكل متسارع، ما سبب نقصاً هائلاً في عرضه في سوريا، وهذا أفرز انتكاسة كبيرة على الليرة السورية".

 

ويقدّم كوسا لـ"نورث برس" تفصيلات مهمة فيقول: "إن الأموال المودعة من قبل السوريين في لبنان تتجاوز تقريباً /30/ مليار دولار وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام: أموال التجار والمهربين والرأسمالين والمافيات من جهة، وأموال التحويلات الخارجية من السوريين في الخارج من جهة أخرى خاصة بعد القيود التي فرضها المركزيّ السوريّ عليها ووجود سعرين للصرف في سوريا، أمّا الجزء الثالث فهي أموال العاملين السوريين في لبنان".

 

كما أشار إلى أن "الحوالات الخارجية هي الأكثر تأثّراً أو تضرّراً فقد توقّفت نهائياً، وبالتالي توقف ما يعادل /20/ مليون دولار شهرياً عن الضخ في السوق السورية".

 

ونوّه إلى أمرٍ خطيرٍ يحدث مع تصاعد وتيرة الأحداث في لبنان إذ – وبحسب كوسا- "تتعرض أموال السوريين المودعة في المصارف اللبنانية إلى أعمال قراصنة المال ووسطاء التعاملات المالية والمصرفية، حيث تقوم هذه المافيات بشراء الحسابات المالية للسوريين بنصف قيمتها مقابل الإفراج عن النصف الآخر فقط".

 

أمّا الباحثة والدكتورة في كلية الاقتصاد رشا سيروب فصرّحت لـ"نورث برس" بقولها: "بالتأكيد إن أزمة لبنان أثرت بشكل أو بآخر على سعر صرف الليرة السورية"

 

وأوضحت قائلة: "منذ عقود كانت المصارف اللبنانية هي الخزنة الحديدية لرجال الأعمال السوريين ومنذ دخول المصارف الخاصة أصبح هناك ارتباط متين بين النظامين المصرفيين السوري واللبناني، وازداد الارتباط تصاعداً خلال الحرب بسبب العقوبات المفروضة على الحكومة السورية".

 

وتضيفُ سيروب موضحةً "لكنْ ما كانَ يمكنُ لما حدَثَ في لبنان أنْ ينعكس بهذه الحِدّة على سعر صرف الليرة السورية، إلا بسبب أنّ الاقتصاد السوري اقتصادٌ مُرهَقٌ منذ /9/ سنوات، لأن حجم الانكشاف التجاري والتركز التجاري أصبحا مرتفعين، وبالتالي فإن أيّ هزة تحدث في الخارج وخاصةً في لبنان ستكون نتائجها ومنعكساتها مضاعفة هنا".

 

ولا تُخفي الدكتورة سيروب نقدها تجاه الاجراءات النقدية السورية فتقول "كان يمكن التقليل من أثر أحداث لبنان على الاقتصاد السوري، لو تم اتخاذ إجراءات نقدية وسياسات اقتصادية من شأنها اكتساب ثقة رجال الأعمال والتجار السوريين، بما يقنعهم أن يحوّلوا وجهة مدخراتهم وثرواتهم من لبنان إلى سوريا.

 

مذكّرةً بأنه "ومنذ شهور كان خبراء الاقتصاد والمحللون ووسائل الإعلام السورية يشيرون ل احتمال وجود انتكاسة في القطاع المصرفي اللبناني وأنها ستنعكس على ودائع السوريين لديهم، ورغم ذلك بقيت السياسات الاقتصادية وعلى وجه الخصوص النقدية وكأنها بمعزل عن العالم الخارجي".

 

ويشهد لبنان منذ 17 تشرين الأول / أكتوبر تظاهرات غير مسبوقة بدأت على خلفية مطالب معيشية، ويتمسك المتظاهرون بمطلب رحيل الطبقة السياسية التي يأخذون عليها فسادها ويتهمونها بنهب الأموال العامة وبتدهور الوضع الاقتصادي.