فوز السلطة أم المعارضة؟.. الانتخابات التركية تنذر بتبعات عظمى

مركز الأخبار – نورث برس

مع اقتراب موعد الإنتخابات البرلمانية والرئاسية التركية، تزداد صعوبة التكهن وبشكل غير مسبوق بنتائجها المصيرية وتداعيات هذه النتائج على البلاد في حال فاز الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان أو منافسه الأبرز كمال كليجدار أوغلو.

وأكثر ما يعطي هذه الانتخابات أهمية هو أن قوى المعارضة لم يبسق وإن اتحدت بهذه الشكل خلال الدورات الإنتخابية الماضية، وكأن الوضع بالنسبة لهم لم يعد يحتمل، حسب المعطيات الظاهرة في الحملات الدعائية.

وهذه الانتخابات من شأنها تحديد مصير البلاد في الداخل بدءاً من شكل النظام والدستور وصولاً إلى مكانة تركيا وعلاقاتها مع دول العالم، وذلك بعد أن تحول البلد الذي كان يسير نوعاً ما على مسار سياسي علماني إلى نظام حكم إسلامي قومي يصفه الكثيرون بعهد السلاطين العثمانيين في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يتولى السلطة منذ عام 2003.

عوامل تدعم كليجدار أوغلو

دفع الانهيار الإقتصادي وقمع حرية التعبير وخلق مزاج قومي في الشارع التركي إلى أقوى ما كان عليه سابقاً بالإضافة إلى توتر العلاقات مع الدول بما فيهم الغربية، إلى رفع مؤشر القوى المعارضة لأردوغان محلياً ودولياً.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن كمال كيليجدار أوغلو، زعيم كتلة معارضة من ستة أحزاب، لديه فرصة للفوز بفارق ضئيل في المنافسة الرئاسية على أردوغان، حتى في جولة الإعادة الثانية التي ستجرى في 28 إيار/مايو في حال لم يتمكن أحدهما حسم النتيجة في 14 من الشهر نفسه.

وهذا ما يعتمد عليه أردوغان وحلفائه كوسيلة للدعاية عازفين على الوتر الديني والقومي سويةً، حيث يرى أنه جعل البلاد أقوى ما كان عليه في الحكومات السابقة، بل واستخدم العلاقة مع الدول الغربية و”الخضوع لهم” من جهة والتعامل مع القوى الكردية باعتبارهم “إرهابيين” حسب وجهة نظره، محط انتقاد وهجوم على معارضيه.

إلى جانب ذلك ومنذ عام 2003، أحكم أردوغان وحلفائه القوميين قبضتهم على الحكم حتى المؤسسات التي من المفترض أن لا تكون تابعة للأحزاب كالمؤسسة القضائية والإعلام، ما أعطى الرئيس الحالي الجرأة للقيام بعمليات التطهير السياسية.

لكن كيليجدار أوغلو هو إلى حد بعيد المرشح الأكثر تفضيلاً بين الناخبين في الفئة العمرية 18-24 عاماً، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن لأردوغان سيحصل على حوالي 30 بالمئة من الأصوات في هذه الفئة العمرية .

والسبب الأكبر الذي يدعم هذا الترجيح هو أن لدى الشباب في تركيا، بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي والاقتصادي ومعتقداتهم السياسية، مخاوف مماثلة بشأن مستقبلهم، خاصة فيما يتعلق بحالة عدم اليقين السائدة بالبلاد، وهم من ترعرع على الانهيار الاقتصادي والحملات العسكرية عابرة للحدود والبطالة والهجرة.

وما يجدر ذكره أن الجيل الذي بلغ العشرين عاماً ما كان قد ولد حين بدأ أردوغان بتولي الحكم.

وكانت الأزمة الاقتصادية في تركيا، وجودة التعليم وآفاق العمل في المستقبل هي مخاوف يشترك فيها الشباب على نطاق واسع عبر الانقسام السياسي.

وما ذكر آنفاً وما يتعلق بالسياسية الخارجية للبلاد، هو من ضمن وعود زعيم المعارضة الذي تبنى شعار “السلام في الداخل، السلام في العالم” كحجر زاوية لسياسة تركيا الخارجية.

في حين وعد التحالف المعارض بـ “العمل على استكمال عملية الانضمام” للعضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، فقد تعهد بمراجعة اتفاق تركيا بشأن اللاجئين لعام 2016 مع الاتحاد الأوروبي.

كما يقول أنه سيقيم علاقات مع الولايات المتحدة بفهم للثقة المتبادلة، وإعادة تركيا إلى برنامج الطائرات المقاتلة  .F-35 

سيناريو خطير

ثمة مخاوف في أوساط المعارضة رغم أنها تقترب بثقة من الفوز، تتمثل بتمسك أردوغان بالحكم عنوةً بعد خسارته المفترضة مستخدماً كل السبل لتشمل حالة إعلان حالة طوارئ في البلاد واستخدام المؤسسات القضائية و العسكرية للبقاء، والأخطر هو أن تسكت دول العالم على هذا السيناريو.

وإذا كان سيخسر السباق الرئاسي، كثر التساؤل عما إذا كان أردوغان سيقبل بالهزيمة بالفعل أم أنه سيجد طريقة ما لقلب النتيجة، من خلال التدخل القضائي أو إعادة فرز الأصوات أو أي وسيلة أخرى.

يقول توني باربر محرر في صحيفة “الفاينانشيال تايمز” في مقال طويل نُشر أمس السبت، إنه ليس مقتنعاً على الإطلاق بأن أردوغان مستعد للابتعاد عن نظام السلطة الرئاسية الهائلة الذي بناه لنفسه، حتى لو خسر.

وقال إنه من الصعب تخيل أي ظروف تؤدي فيها إعادة انتخاب أردوغان إلى تحرير سياسي في الداخل. إن إحكام الخناق من شأنه أن يزيد الاحتكاكات بين تركيا وحلفائها الغربيين التي نمت خلال السنوات الأخيرة، كلما طالت مدة بقائه في السلطة.

ويلخص مركز أبحاث الإصلاح الأوروبي ( Luigi Scazzieri) العواقب المحتملة لانتصار أردوغان، أقله على المستوى الأوروبي، وهي رفع مستوى الدعوات لإنهاء عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي رسمياً، والتي هي في حالة تجميد عميق.

كما يتوقع المركز تصاعد التوترات بين تركيا واليونان، إضافة إلى توتر مع الولايات المتحدة وأوروبا بشأن علاقات تركيا مع روسيا، لا سيما في سياق الحرب في أوكرانيا.

ولا يستبعد أيضاً المزيد من الصعوبات مع الغرب إذا حافظ أردوغان على حق النقض ضد انضمام السويد إلى الناتو.

و على الصعيد الداخلي والإقليمي السوري والعراقي نموذجاً، ستبقى عمليات التهديد والوعيد على حالها، ولعل ذلك ما دفع حزب الشعوب الديمقراطي الإعلان في الأسبوع الماضي على دعم مرشح حزب الشعب الجمهوري الذي ربما يتحلى بنهج أكثر ديمقراطية.

وعود المعارضة

بغض النظر عما ينتظره البلد من حالة اضطراب متوقعة في حال فازت المعارضة وخسر أردوغان، فقد أطلقت قوى المعارضة وعوداً على كافة الأصعدة بما في ذلك العودة إلى الديمقراطية البرلمانية والعقيدة الاقتصادية، وتحول كبير في السياسة الخارجية.

وأول ما تسعى المعارضة تحقيقه وفقاً للوعود، هو إلغاء العديد من تشريعات الرئيس رجب طيب أردوغان، أي العودة إلى النظام البرلماني، الذي يقول التحالف المعارض عنه إنه سيكون “أقوى” من النظام الموجود قبل التحول في 2018 إلى النظام الرئاسي الحالي.

كما يتعهد بإعادة منصب رئيس الوزراء، الذي ألغاه أردوغان من خلال استفتاء عام 2017، ويجعل الرئاسة دوراً “محايداً”  ذات صلاحيات رمزية.

وقال التحالف المكون من ستة أحزاب إنه يجب على الرئيس المقبل أن يقطع علاقاته مع أي حزب سياسي، ويخدم لفترة ولاية واحدة فقط مدتها سبع سنوات، وبعد ذلك يُمنع من ممارسة السياسة النشطة.

ووعد تحالف “الأمة” بخفض التضخم، الذي بلغ 44٪ في نيسان/ أبريل، إلى أقل من 10% في غضون عامين واستعادة استقرار الليرة التي فقدت 80٪ من قيمتها مقابل الدولار في السنوات الخمس الماضية.

وسيضمن استقلالية البنك المركزي وسيتراجع عن إجراءات مثل السماح لمجلس الوزراء باختيار محافظه.

وتعهدت الجبهة المعارضة بخفض الإنفاق الحكومي عن طريق تقليص عدد الطائرات التي تستخدمها الرئاسة، وعدد المركبات التي يستخدمها الموظفون، وبيع بعض مباني الدولة.

كما تعهدت بضمان استقلال القضاء الذي يقول منتقدون إن أردوغان وحلفائه يستخدمونه لقمع المعارضة على حد تعبيرهم. وسيؤخذ في الاعتبار استعداد القضاة للالتزام بأحكام المحكمة الدستورية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عند تقييم الترقيات.

وستكون نسبة المشاركة في الانتخابات وحجم إقبال الناخبين عاملاً مهماً في تأرجح نتيجة التصويت في سباق محكم بين الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان وكمال كيليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، بغض النظر عن القيمة الشعبية التي يشكلها المنافسان الآخران محرم إنجه وسنان أوغان.

ويسري هذا الحديث على الانتخابات البرلمانية والتي لها دور في التشريعات والتعديلات الدستورية في حال فازت المعارضة بنسبة قوية.

إعداد وتحرير: هوزان زبير