ترميم قطيع الأبقار يفرض على الحكومة السورية تفعيل صندوق التأمين على الماشية

دمشق ـ نورث برس

ما زالت دموع الرجل المسن، راسخة في ذهن غالبية السوريين الذي سمعوا حديث ذاك الرجل المنكوب، بسبب خسارته لبقرته التي ماتت نتيجة إصابتها بداء “الكتيل الجلدي” الذي انتشر في الساحل السوري قبل عامين.

وتروي سيدة خمسينية لنورث برس، أنها جمعت كل ما تملك إضافة للتعويض الذي حصل عليه ابنها جراء إصابته في الحرب، واشترت بقرة، علها تساعدهم في تأمين تكاليف الحياة، ولكن بعد مرور أقل من شهر مرضت البقرة وماتت، وخسرت العائلة كل ما تملك.

ومع غياب التأمين أو أي تعويض عن خسارة الأبقار، يصف طبيب بيطري في وحدة إرشادية بجبلة لنورث برس، تربية الأبقار بأنها أصبحت “مغامرة” كما هو الحال مع الأعمال الزراعية، فإذا تحسنت الأسعار كان الموسم جيداً، وإذا لم يحصل، كما يحدث غالباً، راكم المزارع الخسائر لأعوام لاحقة، وكذلك الحال إذا كانت البقرة جيدة وإنتاجها جيد، أو إذا مرضت أو ماتت، أو تبين أن إنتاجها أقل من استهلاكها، تصاب العائلة بخسارة كبيرة، لأن رأس المال محدود للغاية مع الأهالي، ويعتمدون على الأبقار كمصدر للدخل.

موت أو مرض البقرة كارثة حقيقة للأسرة ليس بسبب خسارة مورد الرزق فقط، بل بسبب الارتفاع الكبير في أسعار الأبقار، الأمر الذي يجعل التعويض عنها وإعادة شراء أخرى أمر شبه مستحيل. وهذا أحد أهم أسباب تراجع تربية الأبقار واقتنائها.  

غياب التأمين

يقول خبراء، إن جوهر المشكلة حالياً هو في غياب التأمين على الماشية رغم تأسيس صندوق للتأمين على الماشية منذ 2018 لكنه بقي حتى الآن دون تفعيل.

وظل التأمين على الأبقار مطلباً ملحاً للكثير من العاملين في هذا المجال، ولطالما تساءل المهتمون في هذا القطاع، كيف يمكن للحكومة أن تؤمن إلزامياً على السيارات، في حين ليس هنالك تأمين على الأبقار والمحاصيل الزراعية؟

أضاف عضو في اتحاد فلاحي حماة، أن المزارعين يستقرضون الأموال من ممولين بفوائد تصل إلى 60% سنوياً، وكان الأجدى أن يمول المصرف الزراعي بنسبة أرباح تصل إلى 20% وأن يتم تخصيص نسبة 5% منها للتأمين على الأبقار والمحاصيل الزراعية.

الحفاظ على القطيع

وأشار الخبير التنموي إبراهيم إسماعيل (اسم مستعار) لنورث برس، إلى أن التأمين هو ضمن سلسلة إجراءات تهدف للحفاظ على الثروة الحيوانية، لأنه تبين أن هنالك مجموعة من العقبات تحول دون استمرار أو زيادة عديد القطيع في الثروة الحيوانية خاصة الأبقار والأغنام.

وأول هذه المعيقات هو غلاء الأبقار، “إذ لا يمكن لأي شخص أن يدفع سعر البقرة لأنه وصل إلى 14 مليون ليرة”.

ومن المعوقات أيضاً، عدم السماح بالبناء في الأراضي الزراعية لأغراض التربية الحيوانية، رغم أنها الشق الثاني للإنتاج الزراعي. يضاف لذلك غلاء سعر الأعلاف ورخص سعر مادة الحليب عند زيادة الإنتاج.

وبين “إسماعيل” أن السبب الأهم أيضاً هو في نفوق الأبقار، وصعوبة تعويض الخسائر.

تفعيل الصندوق

مصدر في هيئة الإشراف على التأمين بين لنورث برس، أن هنالك خطة عمل مع الاتحاد العام للفلاحين لتفعيل صندوق التأمين على الماشية منذ 3 أشهر.

ويتضمن المقترح أن يدفع المربي 10 آلاف ليرة على رأس البقر، وهذا ما يراه بعض المعنيين في الأمر غير منصف، لأن التأمين على السيارة التي سعرها 100 مليون كان 35 ألف ليرة سنوياً، في حين يطلبون على البقرة التي كان سعرها لا يتجاوز 4 ملايين مبلغ 10 آلاف ليرة شهرياً.

وبين مصدر في وزارة الزراعة، أن هنالك عمل من قبل الوزارة لتعديل النظام الداخلي لصندوق التأمين على الماشية.

وذكر أنه يجب أن يكون التأمين “إلزامياً” على الأبقار “لكي لا يفشل المشروع”، وأنه يجب أن لا يقل عدد المشتركين بالتأمين عن 70% من عدد رؤوس الأبقار الموجودة، وأن التعويض ممكن أن يكون كاملاً للاشتراك المثبت في الصندوق.

ومن الشروط أن يتم إخبار الصندوق بالإصابة خلال 24 ساعة، عندها يقدم العلاج للحيوانات المصابة، أو أن يحصل على نصف تعويض فقط في حال أهمل التعليمات المطلوبة.

ولفت المصدر إلى أن نجاح تجربة التأمين على الأبقار سيفتح الباب أمام التأمين على أنواع أخرى من الحيوانات.

إعداد: ليلى الغريب ـ تحرير: تيسير محمد