في يوم27نيسان /إبريل 1978استولى الشيوعيون على السلطة في أفغانستان عبر انقلاب عسكري. بعد ثلاثة أشهر عاد الانقسام بين الشيوعيين إلى جناحي حزب خلق (الشعب) وبارشام (الراية)الذي كان السوفيات بداية العام قد نجحوا في توحيدهما، وتم إبعاد زعيمي بارشام، بابراك كارمال ومحمد نجيب الله، سفراء للخارج. كانت الأزمة بين الشيوعيين ناتجة عن أن البارشاميون يريدون التعامل الشديد مع المعارضة التي برزت في مجتمع تقليدي، امتشق الإسلاميون فيه السلاح ضد الشيوعيين الذين وصلوا بحكم انتشار ضباطهم بالجيش الذي تخرّج وتدرب ضباطه بمعظمهم في الاتحاد السوفياتي وليس بقوتهم الجماهيرية، فيما أراد الجناح الآخر، بزعامة نور محمد طرقي وحفيظ الله أمين، الاعتدال.
مع اشتداد أزمة الحكم الشيوعي،التي وصلت لحدود سيطرة الاسلاميين المسلحين على الأرياف،حسم أمين الأمر في أيلول\سبتمبر1979وأبعد طرقي من الرئاسة ضد إرادة موسكو واتجه لحل جذري تكشف الوثائق الأميركية ومنها أوراق للسفير الأميركي في كابول فيما بعد بأنه كان حلاً بالتنسيق مع واشنطن يقضي بحل الأزمة الداخلية الأفغانية بين الحكم الشيوعي والإسلاميين عبر تسوية بينهما. قاد هذا الاتجاه إلى صدام بين الرئيس الأفغاني حفيظ الله أمين وموسكو، وفي الشهر الأخير من عام 1979جرت محاولتين لاغتيال أمين عبر دسّ السم في طعامه وعبر زجاجة كولا، فشلت عمليتا الاغتيال، ما دفع السوفيات إلى التدخل العسكري المباشر في أفغانستان بيوم27 كانون الأول/ديسمبر 1979حيث قتلوا أمين وقاموا بتنصيب كارمال رئيساً ونجيب الله رئيساً للمخابرات قبل أن يتولى الأخير الرئاسة عام 1986، بعد إبعاد كارمال.
قاد الغزو السوفياتي لأفغانستان إلى التسبب في أكبر أزمة دولية شهدتها فترة الحرب الباردة (1947-1989) بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وهي أكبر من أزمات تفرعت عن تلك الحرب مثل الأزمة المجرية عام 1956 أو الأزمة التشيكوسلوفاكية عام 1968أو أزمة ثغرة الدفرسوار في حرب 1973العربية- الاسرائيلية.
كانت تلك الأزمة الدولية التي أنتجها يوم27 كانون الأول/ديسمبر 1979 الأفغاني، باصطفافاتها الدولية حيث وقفت أوروبا الأطلسية والصين مع واشنطن وكذلك اليابان وباصطفافاتها الإقليمية حيث ساندت باكستان والسعودية ومصر الأميركان، ناتجة عن أزمة داخلية بين الشيوعيين الأفغان فيما بينهم وبينهم وبين المعارضين الإسلاميين حيث وجد الشيوعيون الحاكمون أنفسهم في حالة تنازع خيارات في سلطة مهزوزة بعد انقلاب عسكري وجدت نفسها عاجزة أمام مقاومة مسلحة قوية من الإسلاميين . أنتج الصراع الأميركي- السوفياتي في أفغانستان 1980-1989 هزيمة للسوفيات في كامل الحرب الباردة، وكانت عاملاً رئيسياً في التفكك السوفياتي عام1991، وأنتج أيضاً “تنظيم القاعدة” الذي ولد في خريف 1989 بعد أن تقاطر مئات آلاف الإسلاميين إلى أفغانستان لمحاربة الكرملين برضا الأميركان ومعاونة الباكستانيين والسعوديين.
يمكن هنا القول بأن يوم11سبتمبر2001،عندما ضرب تنظيم القاعدة برجي نيويوك،ماكان ليوجد لولا يومي27نيسان/أبريل1978و27كانون الأول/ديسمبر1979الأفغانيان، وما كان بدونهما لأن يوجد في عام 2004 “تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين” بزعامة أبو مصعب الزرقاوي الذي بايع زعيماً تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري لمواجهة الأميركان بعد عام من غزوهم للعراق، هذا التنظيم الذي كان الرحم الذي ولدت منه “دولة العراق الإسلامية”عام 2006 التي أرسل زعيمها أبوبكر البغدادي في صيف2011 أبومحمد الجولاني لتأسيس “جبهة النصرة” في سوريا، في رهان على تربة سورية مناسبة للإسلاميين المسلّحين في ظل ما بعد الانفجار السوري بيوم 18آذار/مارس2011 في درعا، و عبر البغدادي، وإثر خلاف مع الظواهري والجولاني، تم تأسيس “الدولة الإسلامية في العراق والشام- داعش” عام2013، والتي امتدت إلى ليبيا ونيجريا وباكستان وأفغانستان وأصبحت تنافس عالمياً تنظيم القاعدة الذي مازال قوياً في اليمن والصومال.
هذا يعطي صورة عن التأثيرات الخارجية لأزمة داخلية في المحيطين العالمي والإقليمي وأحياناً ماتخلّقه من تداعيات إيديولوجية حيث أن التيار السلفي- الجهادي، والذي هو أكبر تيار إسلامي منافس للتيار الأصولي الإخواني، قد ولد من رحم تجربة الإسلاميين من “الأفغان العرب” الذي أتوا لهناك في الثمانينيات.
هناك أزمات داخلية كان لها تأثيرات خارجية كبرى، فمثلاً،أن تأثيرات وتداعيات الأزمة السورية والتي أصبحت ببنية أزمة داخلية – إقليمية – دولية – منظمات عابرة للحدود. وتعريف الأزمة هو (عندما لايستطع طرفان حسم الصراع لصالح أحدهما،أو انتاج تسوية بينهما)، قد أنتجت (داعش)، كما أنتجت الأزمة الأفغانية (القاعدة). وداعش الآن فاعل دولي يمتد من منظمة (بوكو حرام) في نيجيريا إلى (طالبان باكستان)، ففي تشرين الثاني/نوفمبر2015 عندما جرت تفجيرات باريس قال مسؤول فرنسي أن “نار تفجيرات باريس كان عود ثقابها في الرقة عاصمة دولة داعش”، ومن هذه الرؤية أتى إنشاء التحالف الدولي ضد داعش في تلك الفترة.
في تعليق على انفجار الصراع العسكري في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع قال رئيس الوزراء السوداني السابق عبدالله حمدوك يوم السبت الماضي مايلي:”هناك خطورة في تفاقم النزاع في السودان وتحوله إلى أحد أسوأ الحروب الأهلية في العالم…وإذا كان السودان سيصل إلى نقطة حرب أهلية حقيقية….فإن سوريا واليمن وليبيا ستكون مجرد مبارزات صغيرة”.