الناجون من الزلزال.. كيف فاقمت حكومة دمشق من أزماتهم؟

المقدمة

يشتكي المتضررون من الزلزال في المناطق المنكوبة الواقعة تحت سيطرة حكومة دمشق من الوعود “الكاذبة” والتصريحات التي لا تمت للواقع بصلة، ويصفون المتنفذين في الحكومة بـ”المستثمرين في بلائهم”, حيث يمر القاطنون في مناطق سيطرة حكومة دمشق بأصعب الظروف الإنسانية منذ بدء الحرب في سوريا, بعد أن فاقم الزلزال الذي ضرب البلاد في 6 شباط/ فبراير بقوة 7.7 درجة على مقياس ريختر من الأزمات التي يعانون منها وأفضى بهم في مراكز إيواء تفتقر لأبسط مقومات الحياة.

وبلغ عدد ضحاياه في سوريا بحسب رصد قسم الرصد والتوثيق في نورث برس, 12,731 شخصاً منهم 5315 حالة وفاة و7416 إصابة, بينما بلغ عدد المباني والمنازل المنهارة 1333، والمتضررة جزئياً 4,595 منها 1840 في مناطق حكومة دمشق بينها 410 مبنى ومنزل منهار بشكل كامل.

……………….

“بدماء زوجي الذي قضى في الحرب كنت قد اشتريت منزلنا الذي تدمر في الزلزال, وانتهى بي المطاف مع ولدي في مركز إيواء, ننتظر المساعدات التي لا تغطي احتياجاتنا”, تقول فاطمة محمد وهو اسم مستعار لسيدة “زوجة شهيد” من مدينة جبلة.

وأشارت السيدة في حديثها لنورث برس, أن مركز الإيواء الذي كانوا يتجمعون فيه هو عبارة عن مدرسة في منطقة النقعة في جبلة، ومؤخراً تم إخراجهم منه وتسكينهم في منازل مفروشة تبرعت دولة الإمارات بدفع الإيجار لمدة عام لكل عائلة من العائلات البالغ عددها 25 أسرة.

تقلق الأم على مصيرهم بعد انقضاء هذا العام وعما سيؤول إليه وضعهم، إذ أن ولديها يدرسون في مرحلة التعليم العالي، وراتبها لا يؤمن لها مصاريف الطعام اليومية، وما زال عليها تسديد  الدفعات الشهرية للقرض الذي اشترت البيت بموجبه.

لم يكن كل المقيمين في مراكز ا لإيواء من المتضررين، بل أصبح يقصدها من يريد الحصول على مواد إغاثية، تقول ممرضة تعمل في مركز طبي بجبلة لنورث برس, إن كل جيرانها في منطقة تسمى الفيض سكنوا في المخيمات ليلاً وعادوا إلى أعمالهم نهاراً، لأن توزيع  المساعدات كان يتم في الليل ظناً من الجهات المعنية أن من ليس متضرراً لن ينام في مكان للإيواء.

وتضيف: “توزيع المساعدات كان عشوائياً لم يستفد منه المحتاجون حقاً، لأن هؤلاء أغلبهم ذهب إلى الأرياف وأقاموا عند أقاربهم، ولم تصلهم المساعدات التي كانت توزع في مراكز الإيواء”.

تقول السيدة حسنة حداد وهو اسم مستعار لإحدى المتضررين من الزلزال: “مكثت فترة في الملعب البلدي، ولكن بسبب انتشار أمراض القمل والجرب في مراكز الإيواء, نتيجة تهافت (القرباط والنور) إلى تلك المراكز وهم يقصدون في العادة المدن المنكوبة للاستفادة مما يتم توزيعه، فنشروا الأوبئة بين الناس قبل أن يتم الانتباه لهم”.

تضيف “حداد”، أنه بعد أن غادرت المركز لجأت إلى منزل أختها في دمشق، لأن منزل العائلة في حلب لم يعد يتسع للمزيد لأن كل إخوتها المتضررين الذين خسروا منازلهم أقاموا فيه.

يقول علاء سفر وهو اسم مستعار لأحد سكان حي صلاح الدين بحلب، “بيع المنزل هو الحل الوحيد, ليس بمقدوري فعل أي شيء آخر, فبعد كشف اللجان الهندسية للمبنى قدروا قيمة إصلاح الأضرار والترميم فيه بـ 150 مليون ليرة سورية”.

وأفاد “سفر”, “بيع العقار ليس بالحل الجيد لكن الأمور لا تسير نحو الأفضل, فإذا أردت انتظار الحكومة للمساعدة سأبقى عشر سنوات أخرى في الشارع أنتظر, سأحاول من خلال المبلغ الذي سأبيع به المنزل بناء آخر صغير في بلدتي في الريف الشمالي”.

بحسب شهادة سكان محليين من الحي, خلال الشهر الماضي، ارتفعت نسبة بيع وشراء العقارات القابلة للانهيار والتي تحتاج إلى تدعيم بقصد المتاجرة واستغلال ضعف وعدم إمكانية السكان من ترميم منازلهم لشرائها بأسعار ضئيلة.

وبدوره قال وليد كردي وهو اسم مستعار من سكان حي الصالحين بحلب، والذي يعتبر من الأحياء الأكثر تضرراً من كارثة الزلزال، “المبنى الذي أقطن فيه متصدع من القصف سابقاً, والزلزال فاقم من وضعه, البناء يحتاج الى تدعيم جميع الأعمدة”.

وأضاف: “لم تقدم الحكومة أي نوع من أنواع الدعم للمتضررين، فبدخلي الذي يبلغ 15ألف ليرة سورية من المستحيل أن أستطيع تحمل تكاليف ترميم المنزل, ولا الحصول على القرض الذي لن أستطيع إيفاءه لاحقاً”.

ويتهم “كردي” المتنفذين في الحكومة “بوضع العراقيل أمام أي مبادرات ومساعدات قد تصل إلى المناطق المتضررة”.

“عايشين من أهل الخير، فالسلطة المحلية الحاكمة الله لا يجعلها بخير، إذا الخيم من العراقيين”، بهذه العبارات تصف هالة حداد، وهي من سكان بستان القصر بحلب، شمالي سوريا، الحالة التي وصل إليها متضررو الزلزال في حلب، بعد مضي بعد أكثر من شهرين على الكارثة التي ضربت سوريا وتركيا.

وخسرت المرأة الثلاثينية، منزلها في حي بستان القصر في حلب شمالي سوريا، نتيجة الزلزال، وتعيش مع ابنتها في خيمة قرب جسر الزبدية في حي جب الجلبي، وتتساءل: “كيف يقولوت اننا نعيش، ونحن لا نملك منزل ولا ثياب ولا حتى أدنى مقومات الحياة”.

وفي وقت لم تتلقَّ “حداد”، كغيرها من متضرري الزلزال أي دعم حكومي ولا أي مساعدات تعيدها للحياة الطبيعية، تشير إلى أن كل ما تملكه هو هذه الخيمة، “أرضيتها باردة وجدرانها متحركة”.

تقول لنورث برس: “فرقٌ من المحافظة جاءت وأخذت استبياناً للوضع ولم تعد إلى الآن, تقدمت لمنحة بدل إيجار عن طريق غرفة الصناعة ولم أحصل عليها”.

وترجع “حداد” السبب لذلك الوضع “وجود المحسوبيات حتى في الأعمال الإنسانية”، بحسب وصفها للموقف.

اقتصر دور الحكومة في بداية الزلزال على فتح مؤسسات حكومية كـ مراكز إيواء، وحصرت المساعدات التي يحصل عليها المتضررون بمراكز الأمانة السورية للتنمية، وفرضت على كل من يرغب بتقديم المساعدات للمتضررين أن يكون عن طريقهم.

وفي السياق ذاته قال أحد المغتربين لنورث برس, إنه بذل قصارى جهده ليتمكن من إيصال مساعدات تبرع بها أعضاء في جمعيات ألمانية ناشطة, رغب أعضاءها بإيصال المساعدات المادية والعينية شخصياً إلى المتضررين في سوريا، وأنهم طلبوا مساعدة الرجل باعتباره سوري مقيم في ألمانيا للحصول على تسهيلات لإيصال المساعدات، وبعد محاولات كثيرة غيّر المتبرعون وجهتهم إلى مناطق إدلب بعدما عجزهم عن إيجاد من يقدم المساعدة لدخولهم إلى مناطق سيطرة دمشق.

رغم الوعود التي قدمتها الحكومة السورية للمتضررين من الزلزال، كالوعد بتجهيز مئات البيوت مسبقة الصنع للمتضررين، ما زالت الأقوال بلا أفعال ولم تنفذ حتى الآن, إذ بعد مرور نحو 3 أشهر على حدوثه خرج رئيس الحكومة السورية حسين عرنوس، في مؤتمر صحفي بتاريخ 25 نيسان/ أبريل الماضي، لإقرار خطة للتعامل مع آثار الزلزال حدوثه, واعتبر المتضررين أن الخطط هي “من الخيال”.

إذ أنه لمجرد الكشف عن الضرر يضطر المتضررون في المدن المنكوبة، حلب واللاذقية، لدفع مبلغ مالي يبدأ من 200 ليرة سورية للجان الهندسية, بينما للحصول على تقرير مصدق لترميم المنزل المتضرر فرضت السلطات عليهم مبلغاً يتجاوز المليون ليرة سورية وهو مبلغ يتجاوز قدرات السكان المادية.

وبحسب تقارير فرق اللجان التابعة لنقابة المهندسين في حلب, ففي حلب تم هدم 413 بناءً بتصنيف عالي الخطورة و5301 من الأبنية التي تحتاج إلى تدعيم، قال مصدر خاص من مجلس مدينة حلب لنورث برس، إنه من المبكر الحديث عن إعمار مساكن جديدة للمتضررين من الزلزال في المدينة,

وذكر أن فكرة البدء في بناء مساكن للمتضررين لها مخططات “قد تحتاج إلى سنوات” والآن المجلس لا يملك آليات لترحيل الأنقاض والركام من الشوارع المغلقة في الأحياء السكنية.