إدلب – نورث برس
لا يزال الثلاثيني أحمد حاج إبراهيم، يذهب إلى إحدى مشافي مدينة عفرين شمالي حلب بشكل دوري لتلقي علاجه بعد أن تعرض في السابع من آب/أغسطس العام الفائت، لإطلاق نار مباشر أثناء ذهابه إلى عمله في مدينة أعزاز المجاورة حيث تسيطر فصائل الجيش الوطني السوري المدعومة تركياً.
إذ كانت تلك الإصابة سبباً رئيسياً في تغيير حياته نحو الأسوأ لا سيما وأنها أفقدته عمله الذي كان يعتاش منه مع عائلته، “كل ذلك فقط لأنني قمت بالنشر على فيسبوك عن انتهاكات كان يقوم بها فصيل فرقة الحمزة، من تشليح الناس على حواجزه وفرض الإتاوات على بعض السكان”، يقول “حاج إبراهيم” لنورث برس.
ويضيف النازح من ريف حماة، ويقيم في مدينة عفرين، أن “الحرية التي خرج الشعب في 2011 وقدم آلاف الأرواح في سبيل الوصول إليها، للأسف وصل الجميع إلى تلك الحرية إلا الشعب الذي طالب بها”.
“حالها كحال النظام”
ويقول: “كنت أعلم جيداً أن الفصائل في الشمال السوري لا تطيق من يفضحها ويكشف عن انتهاكاتها، أو حتى انتقادها بأي شأن، حالها كحال نظام الأسد، لكن رغم ذلك عودنا أبي منذ صغرنا ألا نسكت عن ظلم”.
كانت حواجز فرقة الحمزة تفرض الإتاوات على أصحاب البضائع الذي يمرون على حواجزها، وكانت تقوم بقص الأشجار في أحراش عفرين ونقلها للأسواق بهدف بيعها، “فضلاً عن عشرات الانتهاكات الأخرى التي كنت أراها بحكم عملي المتجول بين القرى في توزيع المواد الغذائية على المحال التجارية”.
ولم يتمكن “حاج إبراهيم” من السكوت وقرر بعد فترة من التفكير، النشر عن تلك الانتهاكات التي يقوم بها فصيل الحمزات، “بالفعل تحدثت في المنشور الأول منتقداً وغير متهجم عن فرض الإتاوات على سيارات البضائع المارة على حواجز الحمزات في عفرين وريفها”.
وعلى الفور إنهار العديد من الأشخاص في التعليقات “ووجهوا لي الشتائم وكافة المصطلحات السيئة، ليعلق أحدهم أخيراً بجملة والله حتى تندم ع الساعة الي ولدت فيها، في الحقيقة كنت أنوي قبل تلك الجملة حذف المنشور لكن بعد أن رأيتها غيرت رأيي تماماً وعزمت مواصلة ما بدأت به”.
وبعد عشرات التهديدات وعلى الطريق المؤدي إلى بلدة راجو شمال غربي عفرين، تعرض “حاج إبراهيم” الذي كان يقود دراجة نارية، لإطلاق نار مباشر من قبل ثلاثة أشخاص ملثمين على متن سيارة دفع رباعي، استقرت على الفور ثلاث رصاصات في قدمه اليسرى التي بترت لاحقاً، و رصاصتين في الخاصرة.
ويضيف: “لم يكتفِ المجرمون فقط بإطلاق النار علي بل راسلوني على واتساب بعد نحو نصف شهر شامتين بي مع جملة، هاد درس زغير مشان ما تفكر بالأيام تنتقد معلمينك”.
“نقطة الصفر”
أما خالد الحسين (29 عاماً) وهو طالب جامعي يقيم في مدينة إدلب، قال لنورث برس، إنه “وبعد 12 عاماً من الثورة يبدو أننا لا زلنا في نقطة الصفر، مع تغير بسيط في سقف ومكان الحرية”.
وأضاف: “الحرية التي حصلنا عليها لا تتجاوز أحاديثنا في الجلسات الخاصة والخاصة جداً، أما حرية التعبير والنشر فلا زالت الرقابة موجودة مع تحسن بطريقة تعامل الرقابة مع الناشطين”.
وقبل مدة، لم يستطع “الحسين” تحديدها “لأسباب أمنية”، تفاجأ برسالة على الواتس أب، “تطلب مني حذف منشور لي على فيس بوك، في البداية لم أهتم للأمر لكنني حذفت المنشور خوفا من تبعات الرسالة”.
يشير “الحسين” إلى أن المنشور “لم يكن يحمل في طياته المساس بأي شخصية سياسية أو عسكرية بل نقداً بناء لواقع الأسواق في مدينة إدلب، وكيفية تعامل حكومة الإنقاذ عبر مؤسساتها التنفيذية مع المخالفات”.
ويرى “الحسين” أن “الحرية التي خرجنا لأجلها لا تعدو حرية الحديث، والخطوط الحمراء كثيرة ويقررها المراقب على المحتوى وأكثر ما تكون عند شريحة الإعلاميين، على اعتبار أنهم أكثر تأثيراً ومتابعة وجمهور”.
ويروي يوسف اليوسف (28 عاماً) وهو اسم مستعار لنازحاً من ريف حمص ويقيم في ريف إدلب، طريقة “التشبيح” التي تعرض لها بعد قيامه بكتابة منشور على صفحته في فيسبوك.
يقول: “شاهد أحد مناصري تحرير الشام منشوري على فيسبوك والذي انتقدت فيه حكومة الإنقاذ الجناح المدني لها في إدلب، بسبب اهتمامها بإنارة طريق وتصريفه دون آخر وإنشاء ساحات ودورات جميلة، دون الاهتمام بحال الناس في المخيمات وتقديم المساعدات لهم بدل تلك المناظر التي لا تسمن ولا تغني من جوع”.
ويضيف: “إنهال علي على الخاص بالسب والشتم وكأنني انتقدته شخصياً، على الفور وبطريقة غير أخلاقية قال لي (احذف المنشور وبلاها الفزلكة تبعك)، في الحقيقة ما كان لي إلا أن أحذف المنشور خوفاً من تبعات ذلك لا سيما وأننا سمعنا كثيراً في الآونة الأخيرة عن تعرض الكثير من الأشخاص للاعتقال لمجرد انتقادهم أمراً ما أو تحدثهم عن أشياء لا تعنيهم كما يقول الذباب الإلكتروني التابع للهيئة والفصائل الأخرى في المنطقة”.