لقاء المخابرات والدفاع.. حربٌ تركيّة ضد شمالي سوريا بصفقة تسعى لعقدها مع دمشق
دمشق – نورث برس
كما الاجتماع السابق الذي عُقد الخريف الماضي بين مسؤولي الدفاع والاستخبارات السورية والروسية والتركية، لا يبدو أن اللقاء الرباعي يوم أمس تكلل بنتائج عملية، بل بقي في مستوى البحث وفرض الشروط، في ظل صعوبة الوصول إلى نقاط مشتركة بين أنقرة ودمشق.
وشهدت موسكو لقاءاً بين وزير الدفاع التركي خلوصي أكار والسوري علي محمود عباس، إلى جانب رؤساء مخابرات البلدين في موسكو. وانضم إلى المحادثات وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ووزير الدفاع الإيراني محمد رضا أشتياني، وكذلك رؤساء مخابرات البلدين.
وما جرى أمس على الطاولة الرباعية في إطار عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق ، يمثل ثاني اجتماع علني ورسمي، والثالث من نوعه عند إضافة اجتماع نواب وزراء خارجية الدول الأربعة في 3-4 نيسان/ أبريل الجاري.
وينتظر أن يعقد لقاء رابع في وقت لاحق من شهر أيار/ مايو المقبل على مستوى وزراء الخارجية، لكن لم يتم تحديد موعد دقيق، ما يظهر تباين المواقف وصعوبة الوصول إلى حل وسطي يرضي الطرفين (دمشق وأنقرة)، خاصة عندما يتعلق الأمر بانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية.
ماذا تريد تركيا؟
دخلت تركيا العضو في حلف الناتو في مسار موازي لتطلعات روسيا والصين، ليس على مستوى الحرب السورية فحسب، بل في العديد من القضايا الشرق أوسطية والعالمية، وهي موضع انتقاد شديد من جانب الغرب.
وطريقة التطبيع مع دمشق وهي الفكرة التي ترفضها الدول الغربية، توحي إلى حد ما بأن دعم تركيا المزعوم للمعارضة السورية أضحى في طور النهاية، فيما تصب كل اهتمامها بمستقبل سوريا على الصعيد الكردي، ولم يعد يهمها شكل الحكم الذي كانت تصفه تركيا يوماً ما بـ”الديكتاتور”، بينما تمد يدها لدمشق اليوم بواسطة روسية ومشاركة إيرانية.
وذكرت وزارة الدفاع التركية أن إجتماع أمس جرى في جو بنّاء مستخدمةً كلمة “تطبيع” في مواجهة علاقاتها مع دمشق علناً لأول مرة منذ قطع العلاقات بينهما.
وتقول تركيا إنها ناقشت تعزيز الوضع الأمني في سوريا، ومكافحة “التنظيمات الإرهابية” وهي لا تقصد الفصائل التي تدعمها في شمال غربي سوريا، بل تستهدف بذلك قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي البلاد.
ورغم حديثها عن الجهود لإعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، بحسب البيان التركي، إلا أن أكثر ما تريد أنقرة طرحه على الطاولة مع دمشق هو كيفية مواجهة مستقبل مناطق شمال شرقي سوريا، حيث بُني فيها أسس إدارة ذاتية تسيّر شؤونها على المستويات الإدارية والسياسية و الدفاعية وباتت في مرحلة لا ينقصها سوى إعتراف دولي وتفاهم داخلي مع دمشق.
وتستبق تركيا هذا الشأن، فتسارع إلى عقد صفقات مع الجانب السوري درءاً لهذا المستقبل الذي تراه يشكل خطراً عليها بحجة إنها تهديد لأمنها القومي، فتقنع دمشق على إنها عملية استقطاع للجغرافية السورية، بالمقابل تنفي قوات سوريا الديمقراطية وكذلك الإدارة الذاتية هذه المزاعم.
وفيما لم يكن في الحسبان أن يُعقد اجتماع على مستوى الدفاع والمخابرات، بل كان من المتوقع أن يكون الاجتماع المقبل على مستوى وزارات الخارجية، فهو جاء بعد أسبوع من قيام الإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا بطرح مشروع لإحلال السلام في سوريا.
تباين
بالنسبة لموقف دمشق أمس، فقد اختلف مضمون بيانها عن نسخة أنقرة، وركزت بشكل أساسي على ضرورة انسحاب القوات التركية من كافة الأراضي السورية، وهو أمر يدعمه الجانب الإيراني.
لكن تركيا لا تريد الانسحاب قبل أن تضمن أنها أدخلت دمشق صفقة تستهدف شمال شرقي سوريا، ربما تكون على صيغة اتفاقية أضنة 1998.
وانقطعت العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وسوريا في أعقاب الاحتجاجات على مستوى البلاد ضد الرئيس السوري بشار الأسد، والتي تحولت إلى حرب أهلية في أعقاب القمع العنيف الذي شنته دمشق في عام 2012.
وشنت تركيا مع فصائل مسحلة من المعارضة كانت قد وجهت سهامها منذ 2016 إلى مناطق الإدارة الذاتية بدلاً من دمشق، عدة عمليات عسكرية سيطرت فيها على طول الشريط الحدودي من رأس العين (سري كاني) وصولاً إلى عفرين ما عدا كوباني ومنبج.
وتسعى أنقرة إلى تعاون دمشق في الحرب ضد قوات سوريا الديمقراطية وهي الحليف الأكبر والأقوى للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
وترفض واشنطن وحلفاؤها التطبيع مع دمشق، ذلك المسار الذي فتحته أيضاً السعودية والإمارات وتونس ودول عربية أخرى، وخاصة بعد الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد مطلع شباط/ فبراير الماضي.
وبقراءة بيانات الدول الأربعة أعقاب اجتماعهم الثالث، ثمة نقطة مشتركة واحدة يتفق عليها المجتمعون وهي “وحدة الأراضي السورية”، لكن هذه النقطة أيضاً تشكل خلافاً بين البلدين الساعيين لتطبيع العلاقات، إذ تعتبر الحكومة السورية تركيا قوة “احتلال” وتتهمها باستقطاع أراضيها.
وفي ظل المماطلة الواضحة من جانب دمشق، يبدو أن نقاط الخلاف بينها وبين أنقرة هوة كبيرة، ستبقيها قيد النقاش ما بعد الانتخابات التركية المقررة في متنصف شهر أيار/ مايو المقبل.
ويعول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إجراء مفاوضات مع نظيره السوري قبل موعد الانتخابات، لما لها من تأثير على الأصوات التي قد يحصدها في مرحلة مصيرية تشهد فيها تركيا انهياراً اقتصادياً واصطفاف قوى معارضة في مسعى الإطاحة بحزب العدالة والتنمية وحليفه القومي.
وقال جاويش أوغلو في تصريح صحفي، نقلته وسائل إعلام روسية أول أمس، إنه “ثمة مقترحات لعقد الاجتماع الرباعي على مستوى الخارجية لتواريخ في أيار/ مايو، وهي قريبة جداً من موعد الانتخابات التركية المقرر إجراؤها في الرابع عشر من الشهر نفسه، لكن لم يتم الاتفاق بعد (..) بينما يجري العمل الآن على إعلان تاريخ محدد على حد تعبيره.
وأضاف في تصريحه الذي جاء قبيل اللقاء الرباعي أمس، أن تركيا لا تخطط لسحب جيشها من سوريا، مبيناً أن “أمننا القومي أهم من أي شيء آخر ونحن ندفع الثمن هنا حتى تكون أرضنا آمنة وليس لدينا أي مطالبات في الأراضي السورية”.