ذرائعُ تركية لغزو الشمال ونفي سوري غير مجدٍ


الرقة – نورث برس

منذ بدء تركيا بأول عملية عسكرية في الأراضي السورية في آب/ أغسطس 2016، في جرابلس، شمالي حلب، لم تتوقف التهديدات التركية باجتياح كامل الشريط الحدودي السوري مع تركيا، بذرائع، منع إقامة دولة كردية تهدد أمنها القومي، وأن شمالي سوريا يتبع لحزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة.
لكن في المقابل تشدد القيادات السياسية والعسكرية في شمال شرقي سوريا، بين الحين والآخر، على إنهم جزء من النسيج السوري، وليس لهم علاقة بالعمال الكردستاني، وتكررت دعواتهم لعقد اتفاقية سلام مع الجارة تركيا.
رغم ذلك، وبالتزامن مع التهديدات التركية لشن عملية عسكرية جديدة، تشهد المناطق الحدودية في سوريا، استهدافات مستمرة، كان آخرها أمس الثلاثاء. وفي تشرين الثاني \ نوفمبر من العام الفائت، استهدفت المسيرات التركية 26 موقعاً في شمال شرقي سوريا، تركزت على البنى التحتية والمرافق الحيوية مثل حقول النفط والغاز.


“قسد” والعمال الكردستاني


يعتبر حزب العمال الكردستاني من أشرس القوى المعارضة في تركيا، ويخوض صراعاً مسلحاً مع القوات التركية منذ العام 1984رغم إعلان مبادرات سلام وهدن لم تصمد طويلاً، ويتوزع عناصره في الجبال الواقعة في جنوب تركيا وبعض جبال إقليم كردستان العراق.
في السادس عشر من كانون الثاني \ يناير الفائت، قال القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، في لقاء مع موقع “المونيتور” الأميركي، إن “العمال الكردستاني” ساعد في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لكن اليوم لا دور له في المنطقة”، مضيفاً: “لسنا فرعًا من حزب العمال الكردستاني. نحن منفصلون”.
وأضاف حينها: “نحن معنيون بسوريا ومستقبل كل شعوبها، نحن لا نرغب في التورط أو أن نصبح كبش فداء لفشل تركيا في حل مشكلتها الكردية، لقد عانينا بالفعل بما فيه الكفاية، ولا نقبل التعرض لهجوم مستمر بهذه الطريقة”، بحسب عبدي.
يقول صالح مسلم الرئيس المشارك لحزب الاتحاد الديمقراطي، الذي تتهمه أنقرة بأنه جناح حزب العمال الكردستاني في سوريا، إن “هدف تركيا من الهجمات على المناطق الكردية في سوريا هو القضاء على الكرد”.
ويضيف السياسي الكردي لنورث برس، أن “تركيا تخلق الحجج لمهاجمة الكرد، كتفجير إسطنبول”.
وزادت تركيا من التلويح بعمل عسكري في الشمال السوري بعد اتهام أنقرة “قسد” و”العمال الكردستاني” بالوقوف خلف تفجير ضرب حي الاستقلال بمدينة إسطنبول، في 13 من تشرين الثاني\نوفمبر 2022، الأمر الذي نفته القوتان.
وعن التفجير، يقول مسلم، إن جميع القوى الدولية تعلم بأن “تركيا كاذبة وادعاءاتها عبارة عن حجج، لكنهم غير قادرون على الوقوف بوجهها ومعاداتها، لذا أصبحت تركيا بلاءٌ على الجميع”.


المزاج الدولي والانتخابات التركية


يقول سركيس قصارجيان، وهو صحفي متخصص بالشأن التركي، لنورث برس، إن الذرائع التركية بشن عملية جديدة ما تزال قائمة.
ويعتقد الصحفي أن المزاج الإقليمي والدولي “لم يعد يقبل بنشوب فوضى أو حروب في المنطقة لأنها تتجه نحو التهدئة والسكينة واتفاقات تجارية”.
ويضيف “قصارجيان” لنورث برس، أن المجتمع الدولي “غير مستعد للتغطية على أي مغامرة عسكرية تركية جديدة في شمالي سوريا، وهذا واضح من خلال تصريحات حلفاء الإدارة الذاتية في الغرب وحلفاء دمشق (روسيا وإيران) التي تختلف في كثير من الأمور إلا أنها تتفق في رفض عملية عسكرية تركية جديدة”.
وبتقدير الصحفي، أنه لم يعد هناك مجال لتقدم أنقرة على أي خطوة عسكرية وخاصة الاقتصاد التركي لم يحتمل مع تأكيدات قوات سوريا الديمقراطية أن أي عملية عسكرية تركية ستكون مكلفة وستكون “حرباً ضروساً”، لكن هذا لا يمنع من احتمال أن تتحرك أنقرة بشكل صغير ومحدود، بهدف كسب الأصوات في الانتخابات.
وبحسب الصحفي، أن هذه هي إحدى السياسات التي بني عليها اليمين التركي، قائلاً: “أردوغان ليس استثناءاً، ولكنه، أكثر عدوانية”.
فوز أردوغان في الانتخابات التركي يعني “استمرار الفوضى في المنطقة”، بينما إذا فازت المعارضة “ستكون أكثر ملائمة لعودة السكينة والاستقرار والهدوء”. وفقاً للصحفي.
يوافق صالح مسلم الصحفي سركيس، أيضاً، بأن فوز أردوغان سيكون “كارثياً” ليس فقط على شمال شرقي سوريا وإنما على العالم والداخل التركي.
تجري الانتخابات البرلمانية والرئاسية بشكل متزامن في 14 من الشهر المقبل، فيما توصف بأنها أهم انتخابات تشهدها البلاد منذ عقود، وأصعب انتخابات يخوضها أردوغان منذ وصوله إلى السلطة قبل نحو عقدين، وأهم انتخابات للمعارضة التي تجد نفسها أقرب من أي وقت مضى لإنهاء حكم أردوغان.


سياسة تركية لن تتغير


يقول العميد عبد الله الأسعد مدير مركز رصد للدراسات الاستراتيجية، إن فوز أردوغان أو المعارضة في الانتخابات التركية، لن يغير من سياسة تركيا تجاه العمال الكردستاني، لأنها إحدى مهددات الأمن القومي التركي.
ويضيف لنورث برس، أنه في الوقت الحالي لا يوجد أي حديث عن عملية تركية في شمالي سوريا في ظل وجود الحملات الانتخابية لكل الأطراف. يتوقف الأمر في الوقت الراهن على توجيه ضربات جوية تستهدف قادة “العمال الكردستاني” و”قسد”.
ويقول إن الذرائع التركية موجودة بشكل دائم، وهي تهديد الأمن القومي لتركيا سواء مع وجود انتخابات أو لا.
ويضيف مدير مركز رصد للدراسات الاستراتيجية، أن فوز المعارضة في الانتخابات يمكن أن يغير من طبيعة التعامل مع الوضع بشكل مختلف، لأن أحد أكبر الأحزاب الكردية في تركيا (حزب الشعوب الديمقراطي) يتحالف مع المعارضة ومع أحزاب الطاولة السداسية.


إعداد وتحرير: زانا العلي