تآمر الأسد-داعش تهديد للولايات المتحدة وحلفائها

منذ أن اعترف أحد قادة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في مقطع فيديو في كانون الثاني/يناير 2023 بتتبع أهداف مدرجة على قائمة اغتيالات أنشأتها أجهزة الأمن التابعة للرئيس السوري بشار الأسد، انتشرت المخاوف في جميع أنحاء شمال سوريا من قيام النظام بتجنيد أكبر جماعة إرهابية في المنطقة للقضاء على أعدائه المتبقين.

وأحد الأهداف المحتملة هي قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الغالبية الكردية، وهي القوة القتالية الرئيسية في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش والذي يسيطر على معسكرين رئيسيين لمقاتلي داعش. وهناك المئات من أفراد القوات الأمريكية في شمال شرقي سوريا ويعملون بشكل أساسي إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية ويقدمون المشورة.

كان ولا زال الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية نقطة توتر بين واشنطن وتركيا حليفها في الناتو. وتعتبر أنقرة قسد امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يعمل داخل تركيا والذي تعتبره كل من الولايات المتحدة وتركيا منظمة إرهابية.

لكن العلاقة بين الولايات المتحدة وقسد تراجعت في السنوات الأخيرة. ففي عام 2019، سحب الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب القوات الأمريكية من الحدود السورية، مما أعطى الضوء الأخضر للعمليات العسكرية التركية ضد القوات الكردية في شمال شرقي سوريا.

وفي السنوات الأخيرة، قوبلت الضربات الجوية التركية المتكررة والهجمات بالطائرات المسيرة على المنطقة بصمت من قبل واشنطن. ما دفع  قسد إلى التوجه نحو روسيا والنظام السوري للحصول على ضمانات أمنية. وبحسب قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، فإن جهود الوساطة التي تتم بوساطة روسية بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق مستمرة. وقد تحركت قوات النظام بالفعل إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي لتعزيز الأمن.

العلاقات التركية السورية 

في الوقت نفسه، تتطلع تركيا أيضاً إلى عقد صفقة مع الأسد. ويمثل هذا تحولاً كبيراً في السياسة الخارجية التركية نظراً لدعم أنقرة الطويل للمعارضة السورية خلال الحرب الأهلية.

وفي الوقت الذي جرت فيه محادثات منخفضة المستوى في السنوات الأخيرة، من المحتمل أن تكون الاعتبارات المحلية الملحة وتغيير الجغرافيا السياسية، بما في ذلك انتخابات أيار المحورية في تركيا، وراء المبادرات العامة الأخيرة.

ويواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضغوطاً متزايدة وسط تصاعد المشاعر المناهضة للاجئين وسنوات من الاضطرابات الاقتصادية، بينما يظل مسألة إخراج قوات سوريا الديمقراطية من المنطقة المتاخمة لتركيا هدفاً إقليمياً رئيسياً.

وقال جيمس رايان، مدير الأبحاث وبرنامج الشرق الأوسط في معهد أبحاث السياسة الخارجية: “أعتقد أن الرغبة في السير في طريق التطبيع مع الأسد من أجل تقييد قوات سوريا الديمقراطية هي تكتيك قد تلجأ إليه تركيا بسبب انخفاض القدرة على الضغط على قوات سوريا الديمقراطية عسكريا بمفردها”. 

ويرجع ذلك إلى زلزال السادس من شباط، الذي قوض الشهية العامة في تركيا لمزيد من العمليات العسكرية في سوريا، وكذلك بسبب عدم استعداد مماثل من جانب روسيا والولايات المتحدة للتعاون مع الرغبات التركية في احتلال المزيد من الأراضي السورية.

وقال رايان: “أشك في حدوث أي من هذا قبل انتخابات أيار، لكن إذا حدث ذلك، فمن المرجح أن يوصف بأنه بادرة إيثارية من جانب أردوغان، الذي يريد إظهار نفسه عالمياً على أنه صانع سلام.” مضيفاً: “والذي بدلاً من ذلك يشير إلى انخفاض رغبة تركيا وقدرتها على القيام بأي عملية عسكرية في سوريا”.

تسليح داعش

اذا ساومت تركيا الأسد وسمحت له باستعادة السيطرة على شمالي سوريا، فقد تكون النتيجة مماثلة لما جرى في درعا. يمكن لنظام الأسد أن يتطلع إلى تسليح مقاتلي داعش في الشمال الشرقي لمهاجمة قوات التحالف الدولي وقسد، مما يرضي تركيا ويوثق تلك الصداقة من خلال صد قوات سوريا الديمقراطية وربما تحفيز الانسحاب الأمريكي.

ومما يثير القلق أيضاً احتمال خضوع آلاف مقاتلي داعش لسيطرة النظام السوري. وهذا الأسبوع فقط، وصف قائد أمريكي بارز في الشرق الأوسط معتقلي داعش بأنهم “جيش حقيقي رهن الاعتقال”. 

وأشار تشارلز ليستر، زميل سابق في معهد الشرق الأوسط ، إلى أن الأسد لديه سجل في استغلال الجهات المشكوك فيها أخلاقياً لتحقيق غاياته الخاصة، وقد مكّن الجماعات الجهادية السنية منذ الثمانينيات. وبعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003، شجع الأسد تدفق المقاتلين الأجانب إلى العراق للانضمام إلى القاعدة، مما ساعد على تشكيل داعش.

وفي عام 2011، وسط تنامي حركة الاحتجاج، أطلق نظام الأسد سراح العديد من الجهاديين من السجن، بمن فيهم عمرو العبسي، الذي أصبح فيما بعد مسؤولاً بارزاً في داعش. وأطلق النظام سراح العديد من الشخصيات الرئيسية في داعش في السنوات التي تلت ذلك.

النفوذ السوري

الآن، ومع اقتراب الحرب من نهايتها، ما الذي يمنع الأسد من استخدام خطوة مماثلة لهزيمة خصومه؟ وقال المحلل السوري مالك العبدة: “إذا تم استغلال داعش كوسيلة، فستكون المصالح الأمريكية على رأس قائمة الأهداف”.

وقالت ناتاشا هول، الزميلة البارزة في برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن الانسحاب الأمريكي من شمال شرقي سوريا سيحفز على الهجرة الجماعية لجميع أولئك الذين لا يستطيعون العيش تحت سيطرة النظام أو السيطرة الروسية.

ومن المرجح أن يؤدي هذا إلى مزيد من زعزعة الاستقرار في جنوب شرق تركيا الذي لا يزال يعاني من الزلازل المدمرة الذي أودى بحياة ما يقرب من 50 ألف شخص.

في غضون ذلك، سيحكم “النظام” سيطرته كاملة على موارد البلاد النفطية والزراعية وعلى ما يقدر بـ 10 آلاف من أنصار داعش في المخيمات التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية.

وأضافت هول: “السيطرة على الآلاف من أعضاء داعش والمتعاطفين معه من شأنه أن يزيد بشكل كبير من نفوذ النظام السوري على العالم، وليس فقط على الدول المجاورة، وسيكون هذا مصدر قلق بالغ”.

كتبه حنا واليس لصحيفة ديفينس بوست وترجمته نورث برس