نفذت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) سابقاً، من خلال جهازها الأمني، 19 حالة إعدام خارج نطاق القضاء في إدلب منذ مطلع 2023, بينهم على الأقل سيدتان, بعد أن تم اعتقالهم وإخفائهم قسراً دون ذكر سبب اعتقالهم أو إعدامهم, كما لم يسمحوا لعائلاتهم بمقابلتهم أو بتعين محامٍ لهم.
منذ أن سيطرت هيئة تحرير الشام على مناطق شمال غربي سوريا في2014 بعد أن كسبت الحرب التي شنتها على القوات الحكومية مع فصائل المعارضة, ارتكبت الانتهاكات بحق سكانها واعتقلت المعارضين لها والناشطين ومدنيين انتقدوها بتهمة التخابر مع جهات خارجية والعمل لصالح جهات معادية من بينهم نساء, وعرضتهم للتعذيب والتشبيح والتعنيف النفسي والجنسي والجسدي, وبدأوا بإصدار أحكام الإعدام بالتزامن مع بسط سيطرتهم وفرض قوانين وقواعد وفق منهج تنظيم “القاعدة” التي كانت تنتمي له قبل أن تستخدم اسم هيئة تحرير الشام للالتفاف على انتمائها للتنظيم وللتخلص من العقوبات المفروضة عليهم واعتبارهم كجهة “إرهابية”.
في التقرير الصادر عن قسم الرصد والتوثيق في نورث برس, شهادات لذوي الضحايا الذين أعدمتهم هيئة تحرير الشام خارج نطاق القضاء, بالإضافة إلى شهادات لمصادر أمنية ضمن أجهزة الهيئة ونشطاء متواجدين في إدلب تؤكد حالات الإعدام والأساليب التي تستخدمها الهيئة في إعداماتها, فما هي أسباب الهيئة وأحكامها لإعدام الأشخاص؟ ومن المسؤول عن إصدار هذه الأحكام وتنفيذها؟
إعدامات خارج نطاق القضاء
“أعدموا أخي من دون ذنب, اعتقل وأعدم بدون حكم”, تقول سلمى أحمد، وهو اسم مستعار لأخت شاب أعدم على يد هيئة تحرير الشام, نزحت عائلته من حماة إلى إدلب عام 2015 وقطنوا في مخيم بمحيط أطمة, في آذار/ مارس عام 2020، داهم عناصر من هيئة تحرير الشام المخيم واعتقلوا 11 شاباً وسيدتان بينهم أخ سلمى.
أشارت سلمى في حديثها عبر “الوتس آب” لنورث برس، أن بعد عملية بحث دامت لأكثر من 11 شهراً دون الحصول على أي خبر عن الشبان والشابات, خرج شاب من سجن سرمدا كان معتقلاً في الزنزانة نفسها وأخبرهم بأن أخاها الذي يبلغ 17 عاماً وكان يعمل كـ راعٍ تم إعدامه مع شاب من دير الزور وفتاة من عفرين رمياً بالرصاص في ساحة السجن, بتهمة تصوير مواقع عسكرية وإرسالها لضباط من قوات حكومة دمشق, ولم يعرف الشاب عن مكان دفنهم.
بعد سماع خبر مقتل ابنه لجأ والد سلمى إلى محكمة سرمدا ليتأكد من صحة ما قيل لهم, ليتفاجؤوا بعدم وجود اسم لابنه ضمن ملفات المحكمة, وأكد القاضي عدم صدور أي حكم بهذا الاسم.
تضيف سلمى: “أعدموا أخي بتهمة واهية فهو لا يعرف التصوير أو الكتابة فهو أمّيٌ لا يملك الإمكانيات لتسريب معلومات لأي جهة, أخي قتل دون أن يكون له قضية أو ملف في المحكمة, أخفوه وأعدموه ودفنوه، هذه هي كامل الحادثة, لم يدعونا نراه أو نودعه فلم نرى حتى جثمانه”.
أعدمت هيئة تحرير الشام في 2 نيسان/أبريل من العام الجاري، 8 أشخاص كانوا ضمن صفوفها رمياً بالرصاص, بعد أن اعتقلتهم.
عملية الإعدام التي جرت دون محاكمة نُفّذت في السجن 107 الذي يديره جهاز الأمن العام التابع للهيئة، ودون إيضاح أسباب اعتقالهم وإعدامهم و دون أي حكم من المحكمة، وإنما بقرار من زعيم الهيئة، أبو محمد الجولاني، ومجلس الشورى فقط, والإعدامات طالت الأجانب “أبو محمد الأذري” و”أبو عبدالله الروسي” و”أبو ليث الأذري” و”سيف الدين الفلسطيني” و”أبو زيد المصري”، مع 3 شبان من ريف حماة الشرقي.
ضجت مواقع التوصل الاجتماعي مؤخراً بخبر إعدام هيئة تحرير الشام لشابة تدعى عنود الاصيل مواليد مدينة ديرالزور, بعد ترحيلها من قبل السلطات التركية بحجة عدم امتلاكها لثبوتيات, حيث اعتقلت الهيئة عنود وهي من إحدى صانعات المحتوى على تطبيق tiktok, وحكم عليها بالإعدام بسبب محتواها على التطبيق الذي اعتبرته الهيئة بأنه غير أخلاقي.
بينما أفاد مصدر أمني أن الحكم بحقها لم ينفذ بسبب الضجة الإعلامية التي أثارتها قضيتها, وقال إنه تم وقف تنفيذ الحكم بحسب أوامر من مظهر الويسي ومصلح العليان كبار شرعيي مجلس الشورى لدى الجولاني”, ولم يتسنَّ لقسم الرصد والتوثيق التأكد من اعتقال عنود أو تنفيذ أي حكم بحقها.
حادثة إعدام الشبان والفتاة، واحدة من مئات الإعدامات التي نفذتها هيئة تحرير الشام بحق سكان إدلب والمناطق الأخرى التي تسيطر عليها.
إحصائية
فبحسب مصدر أمني في الهيئة، أن حالات الإعدام الموثقة في سجلات جهاز الأمن العام بشكل نظامي خلال ال2022 تزيد عن الـ30 حالة بينهم سيدات”, وأشار إلى أن الحالات الـ19 التي أعدمت منذ بداية 2023 بينهم نساء وأجانب.
بينما أحصى قسم الرصد والتوثيق حالات الإعدام التي نفذتها الهيئة خلال السنوات الماضية وبحسب ما رصده القسم، فإن أعلى عدد للإعدامات كان في عام 2018 وبلغت أكثر من 100 حالة إعدام, وبالاستناد على أرقام الإعدامات التي نفذتها الهيئة بلغ المعدل المتوسطي لإعدامات الهيئة ما يقارب 45 حالة كل عام ومن التوقع أن الأرقام على أرض الواقع أكبر من ذلك, بعدما تعمدت الهيئة بعد عام 2020 تنفيذ الإعدامات بشكل سري, في محاولة من زعيمها أبو محمد الجولاني لتحسين صورته وفصائله بعد أن أدرجت في قوائم الإرهاب.
تهم الإعدام وأساليب تنفيذ الحكم
أفاد المصدر الأمني ذاته لنورث برس أن الإعدامات تطال تهم متعلقة بالعمالة للتحالف الدولي أو حكومة دمشق أو قوات سوريا الديمقراطية إضافة لسب الذات الإلهية أو الزنا، وغالباً ما تكون التهم ملفقة ويعتقل الجهاز الأمني للهيئة هؤلاء الأشخاص بسبب انتقادهم للسلطات أو معارضتها، ويصدر الحكم وينفذ في أروقة الجهاز الأمني بقرار من “أبو ماريا القحطاني” مسؤول الأمن في الهيئة “بعد أن يطلع على اسم المتهم وخلفيته, وآخرون يصدر حكم إعدامهم من الجولاني ومجلس الشورى.
كما أشار المصدر أن حكم الإعدام يطبق إما رجماً بالحجارة أو رمياً بالرصاص أو نحراً بالسكين، وذلك تبعاً لطبيعة التهمة ، حيث يتم إخفاء المعتقلين لأشهر وسنوات قبل التنفيذ للتأكد من أنه لا يملك “واسطة” وأن ليس خلفه شهرة إعلامية أو خلفية عشائرية ذات أشخاص متنفذين مما يصعب عليهم إخفاء الضحية.
مؤخراً بدأ الجهاز الأمني للهيئة بتنفيذ إعداماتها بسرية تامة وتعتمد في تنفيذ الحكم على العناصر الأجانب ضمن صفوفهم لضمان عدم انتشار الأخبار أو تداولها بين العناصر المحليين, وتنفذ الحكم إما في البرية ومناطق بعيدة عن الأنظار وغير متوقعة أو في ساحات السجون في أوقات معينة, نادراً ما تسلم الجثث لذوي الضحايا فغالباً ما يتم دفنهم في مقابر جماعية.
ويتولى الجهاز الأمني التابع للهيئة عمليات الاعتقال والتحقيق والتعذيب والإعدام ضمن مراكز احتجاز سرية يُشرف عليها, ولا يستطيع القضاء التدخل في هذه العمليات أو معرفة مصير المعتقلين لدى الجهاز الأمني، إلا في حال قام الجهاز الأمني بنقل المعتقل للقضاء لمحاكمته.
استطاع القسم من الوصول لمعلومات تؤكد وجود أكثر من 25 سجناً يتبع لهيئة تحرير الشام في إدلب وريفها, 20 منهم يتبعون للجهاز الأمني.
وقال محمد سليم (اسم مستعار)، وهو حقوقي ينشط في إدلب المدينة ومطّلع على ما يجري داخل السجون وآلية عمل القضاء لدى هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقاً”، إن “القضاء التابع للنصرة لا يستند إلى أي قوانين, حيث لا يحق للمعتقلين القيام بأي إجراءات قانونية خلال فترة اعتقالهم، ولا يسمح لغالبيتهم بلقاء أقربائهم أو طلب محام دفاع أو التواصل مع الخارج خلال فترة الاحتجاز”.
وأشار الحقوقي أنه لدى دور القضاء جماعة تسمى “المتابعة” وهي لجنة مهمتها الدفاع عن المظلومين بدل محامي النيابة العامة في المحاكم المدنية، لكن جماعة المتابعة لا تختلف في دورها عن الجلادين والمحققين بشيء، فهي تضرب وتحقق وتتمتع بصلاحيات المحققين ذاتها.
يحظر القانون الدولي لحقوق الإنسان إصدار الأحكام وتنفيذ الإعدامات دون حكم قضائي مسبق يوفر جميع الضمانات اللازمة وبأساليب خارج نطاق القضاء, في حالات النزاع المسلح التي ينطبق فيها القانون الدولي الإنساني, والقتل العمد للجنود أو الأسرى أو المدنيين جريمة, والإعدامات المنفذة دون تلبية الشروط ترقى إلى مستوى جرائم حرب.
على مجلس الأمن الدولي إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، وفرض عقوبات على قادة فصائل المعارضة المتورطين في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وإنهاء الإفلات من العقاب, وحماية المدنيين من القواعد والقوانين التي تفرضها فصائل المعارضة وتنتهك طيفا من حقوق الإنسان, بما في ذلك الحق في الحياة والحرية والأمن الشخصي، بالإضافة حرية التنقل والتعبير والاحتجاج بشكل سلمي.